نعم للإسلامفوبيا , كلا للمسلمفوبيا «
في: ف20.03.2019ي 16:55 »
نعم للإسلامفوبيا , كلا للمسلمفوبيا
د. صباح قيّارغم عدم ميلي للدخول في نقاش حول المسائل الدينية أو السياسية لقناعتي بأن الخوض فيهما لن يصل إلى نتيجة مقنعة لأي من الاطراف , وإنما ينتهي على الأغلب بطريق مسدود , وربما قد يؤدي إلى تولّد نوع من الحساسية قد تصل إلى الضغينة في بعض الأحيان . ولكن في أكثر من مرّة أجد نفسي ملزماً بإبداء الرأي وخاصة عندما يفتقد الرأي المقابل إلى المنطق السليم والحجة المقنعة ويبالغ في تشويه الحقائق المعروفة والتي لا لبس فيها .
حاول أحد زملاء العمل إقناعي بأن الجزية تفرض على أهل الكتاب بهدف الدفاع عنهم وحمايتهم . وأكد في محاولته بأن الجزية هي كالضريبة التي يتحمل دفعها الفرد هنا ( أي في دولة المهجر ) . إضطررت إلى إجابته حيث لم أتمالك نفسي السكوت عن مثل هذا الهراء وخاصة كان بحديثه يوجه فتواه لي بالذات . قلت له بأن الجزية لم تتمكن من تأديتها في حينه إلا القلة القليلة من العوائل الميسورة من المسيحيين , واضطر السواد الأعظم منهم الدخول إلى الإسلام لعدم توفر الإمكانية المادية لدفع الجزية من ناحية , وكي ينجو كل منهم مع عائلته من سطوة السيف من ناحية أخرى. وأضفت بأن الإسلام لم يميّز بين الغني والفقير ولا بين المعوق والسليم ولا بين العامل والعاطل من أهل الكتاب بل فرض الجزية على الجميع بدون استثناء . أما في بلد المهجر فإن الضريبة تفرض على المدخولات لحد معين , ويستثنى منها أصحاب الدخل المحدود , كما أن الدولة تدفع للعاطلين والمعوزين والمعوقين وما شاكل ما يسد رمقهم من خلال نظام الرعاية الإجتماعية الذي بدون شك يشمل الكثير من المسلمين في دولة المهجر . لم ينبس ببنت شفة كما يقال , بل ظلّ ينظر إليّ مشدوهاً , وربما عقدت الحقبقة الناصعة لسانه .
في مناسبة أخرى, وجدت نفسي مع زميل آخر في العمل يكيل الذمّ للعديد من القوانين السائدة في دولة المهجر , ويطالب بالأخذ بالتقاليد والأعراف التي جاء بها من وطنه الأم , والسماح لهم بتطبيق الشرع الإسلامي وما يتبعه من الأحكام كي تسري عليهم بالذات . تراءى لي بأن ما يبكي عليه ليست عدالة السماء , وإنما على ما يشبع غريزته الجسدية من خلال الإقتران بأكثر من زوجة واحدة . مع العلم أن الكثير من المسلمين هنا له زوجة واحدة حسب القانون المدني , وله أخريات حسب الإتفاق مع المرجع الديني , وليذهب قانون الدولة إلى الجحيم ما دام قانونه الإلهي هو السائد . سألته : ألم تهاجر إلى هذه الدولة كلاجئ هرباً من الإضهاد الذي لحق بك في بلدك الأصلي ؟ أجاب بالإيجاب . قلت له طيّب , لو نفترض بأن الحكم أصبح بقدرة قادر إسلامياً في دولة المهجر , فهل تعتقد بأن العقلية التي حكمت هناك ولا تزال ستتغير عند حكمها هنا ؟ وأضفت , من دون شك بأن القمع والتنكيل سينتقل إلى هذا المكان وحينه أين المفر وما العمل ؟ هل ستطلب اللجوء إلى المريخ ؟ . سكت كما سكت الأول من قبله ولم يجب .
ما دمت بصدد سرد ما صادفني من مواقف حياتية , لا بد لي أن أعرّج على ما أتذكره الآن خلال عملي في المملكة المتحدة خلال العقد الأول بعد الالفين . أتذكر عند شرائي جهاز الحاسوب من أحد المحلات الذي يمتلكه شخص من أصول باكستانية , والذي ما أن علم أني من بلاد الرافدين حتى ظنني مسلماً فأبدى تذمره وامتعاضه من هذا البلد وما قاله بالحرف الواحد أن هذا البلد ينوي تدميرنا وما علينا إلا أن نتحد ونقف معاً كي نستطيع أن نحافظ على إيماننا المهدد . كان يتكلم بصيغة الجمع باعتباري , حسب قصر بصره , أنني واحد منهم في الدين . علمت منه أنه يسكن المملكة المتحدة منذ عقدين من الزمان تقريباً ... يا للهول ؟؟؟ سألته لماذا هذا البلد يريد تدميرنا ؟ هل جاء أحدهم وأغلق محلك ؟ هل منع أحدهم ذريتك من الدراسة ؟ هل وقف أحدهم أمام طريقك للذهاب إلى الجامع والصلاة ؟ هل حالك أيام عيشك في باكستان أفضل من هنا ؟ واسترسلت بهذا النمط من الاسئلة , ولم يكن له جواباً منطقياً يعزز وهمه , وعندها قلت له : إذن لماذا تعتقد أن هذا البلد يبغي تدميرنا ؟ فغر فاه ولم ينطق بكلمة .
صادف أن كنت أعاين المرضى في العيادة الخارجية لإحدى مستشفيات إنكلترا. جرت العادة أن تُعلّق على الباب لوحة يكتب عليها الإسم الاخير للطبيب المتواجد . لا بد أن اشير بأن إسمي الأخير في وثائقي المهنية هو إسم المرحوم جدّي , وليس لقبي الموجود على هذه الصفحة . ويظهر أن إسم المرحوم جدّي شائع في باكستان . ومن هذا المنطلق بادرني أحد المرضى من أصول باكستانية أيضاً حال دخوله غرفة الفحص مع عائلته بقوله بالإنكليزية المطعمّة باللكنة الباكستانية : أخي أنت مسلم ؟, أنت مسلم ؟ , أنت أخي . لم أُجب على تساؤله بل قمت بواجبي المهني تجاه عائلته المريضة . بعدها سألته : هل لاحظت أية فروقات بين الخدمة التي قدمتها لعائلتك وبين خدمة أي طبيب آخر سبق وأن زرته ؟ أجابني بالنفي . قلت له أنني لست مسلماً بل مسيحياً , وواجبي أن أقدم لك ولغيرك نفس المستوى من الخدمة , ولن يغيّر من ذلك لا معتقدك ولا معتقد أي كان . وأضفت : لا بد أن تعي المبدأ الحياتي بأن الإنسان لا يقاس بدينه وما يؤمن به , وإنما بمقدار الخصال الإنسانية التي يحملها في قلبه . بدأ عليه الإرتباك وكرر اعتذاره لأكثر من مرة .
من خلال هذا الإستعراض لغيض من فيض من مثل هذه المعاناة البشرية , ومن خلال تجارب الآخرين , بالإضافة إلى الأحداث الملموسة على أرض الواقع , أستطيع أن أجزم بلا تردد بأن هنالك شريحة واسعة من المسلمين من يحلم , بل ربما هنالك من يخطط لأن تتحول دول الشتات المتحضرة إلى دول إسلامية حالها حال الموجود في الكون اليوم رغم متناقضاتها ومآسي شعوبها , ولكن المهم أن تكون إسلامية . من حقي أن أخشى الإسلام ... بل نعم أنا قلق من التغلغل الإسلامي في الغرب ذي العمق المسيحي , وربما أكون مصاباً بالإسلامفوبيا.
ألإسلام دين يختلف عن بقية الأديان السماوية أو غير السماوية . ألمعروف بأن كلمة القتل
ذكرت 96 مرة في القرآن , وحصة المحبة ربما مرتين أو ثلاث. ويصل عدد آيات القتال
والجهاد إلى 214 آية تقريباً . أما "آية السيف أي الآية 29 من سورة التوبة التي نصّها "
قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ اَلاَخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اَللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ
الَحَقِّ مِنَ الْذِينَ أُوتُواْ الْكِتابَ حَتَى يُعْطُوا اَلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. فقد نسخت من 114
إلى 200 آية , وبمعنى آخر أن هذه الآية عطلت أحكام القرآن في 200 آية أخرى والتي
أصبحت آيات للقراءة العابرة وليس العمل بها , وذلك بحسب مفهوم الناسخ والمنسوخ, حيث
الناسخ هو الحكم الاخير والمنسوخ هو الحكم الاول ,, وبموجب ذلك تم إلغاء آيات (حكم)
وتبديلها بآيات (حكم) أخرى تجعل من الحلال حراما ومن الحرام حلالا.
ينفرد الدين الإسلامي وحده بعدم قدرته , بل بالأحرى امتناعه ورفضه التأقلم مع أي مجتمع غير إسلامي . ولو قدّر له أن يسيطر على مقدرات العالم لعاد كما كان يحكم بآيات المدينة على أهل الكتاب فإما الجزية او الأسلمة أو القتل , وعلى الآخرين إما الأسلمة أو القتل . وهذا ما حصل ولا يزال أبان حكم الخلافة الأخير.
نعم .. أنا أخشى وقلق جداً من الإسلامفوبيا, ولكني لا أخشى المسلمفوبيا , بل ارفض المسلمفوبيا. هنالك فرق شاسع بين الإسلام والمسلم . ألإسلام دين أسلفت عنه بعض الشيْ , ولكن المسلم بشر حاله حال بني البشر الآخرين . قد يكون صالحاً أو مضراً , مسالماً أو اعتدائياً , قاسياً أو رحيماً , مجرماً أو أميناً , وهكذا . صادقت ولا أزال الكثير من المسلمين . أحببتهم وما زلت . ساعدوني وساعدتهم , آزروني وآزرتهم , أنقذوني وأنقذتهم , أسعفوني وأسعفتهم . عشت حياتي معهم في السراء والضراء . أرفض قتلهم أو الإعتداء عليهم كما أرفض قتلي أو الإعتداء عليّ .
ألمشكلة الكبرى عندما ينقلب المسلم إلى إسلامي , وخاصة السنيّ منهم . إحذر السني متى ما تعمق في الدين حيث سيغدو مسلماٍ مشبعاً بآيات المدينة ثم إرهابياً . أما الشيعي ’ فكلما تعمق في مذهبه يقترب إلى المسيحية أكثر فأكثر وذلك بتأثير إجتهادات الأئمة الإثني عشر عند احتساب المهدي المنتظر معهم. وربما يعزى إلى هذا التوجه كون معظم التنظيمات الإرهابية سنية المذهب .
وقبل أن أختم , لا بد أن أشير بأني أرفض التعصب رفضاً قاطعاً, وأؤمن بمبدأ التعايش بسلام ووئام بين كافة الملل والاقوام . كما أني مقتنع تماماً بواقع التنوع الفكري , ولا يمكن أن يكون العالم بفكر واحد , ولن يتوحد إطلاقاً سواء بالإيمان أو الإلحاد . ولن يفلح فكر معين بالقضاء على فكر آخر , والتاريخ خير شاهد على ذلك .
قد ينجح الإنسان في إبادة الأجساد ولكنه حتماً يخفق في إبادة الأفكار . ومن يبغي احترام معتقده عليه احترام معتقد الآخرين أولاً .