هل نبكي عينكاوة ؟
بولس يونان2012-03-05
قرية هادئة وادعة, جميلة نظيفة, بسيطة لا تمثل بقعة استقطاب او تثير انتباه الاخرين سواء كانوا افرادا او سلطات حكومية او حزبية او حتى منظمات بكافة مشاربها. في حقبة سلطة الحكومة العراقية او سلطة الحكومة الكوردية المحلية لمنطقة الحكم الذاتي في بداية سبعينيات القرن الماضي.
ابناؤها اناس طيبون مضيافون كما بقية المسيحيين, يحبون العلم والتعلم فلا غرابة ان تجد ان نسبة المتعلمين وخريجي التعليم العالي فيهم هي الاعلى سواء بين المسيحيين او على مستوى البلد وتكاد نسبة الامية فيها تقترب من الصفر, ففيهم الاطباء والمهندسين والمدرسين والمؤرخين والمفكرين ...الخ وكثير منهم يحمل الشهادات العليا بمختلف الاختصاصات. اشتغلوا بالسياسة فأستقطبتهم الاديولوجيات وخاضوا غمارها سواء تلك التي كانت ذات التوجه القومي العربي والكوردي او تلك ذات التوجه الاممي.
هذه عينكاوة التي عرفتها في سبعينيات القرن الماضي!ماذا جرى؟
المنعطف التاريخي الذي افقد هذه المدينة خصوصيتها كان عند قدوم منظمات الامم المتحدة ومنظمات المساعدات الانسانية بعد حرب الخليج الثانية وفرض المنطقة الامنة, فقد حطت اغلب هذه المنظمات في هذه المدينة واستأجرت مساكنها كمقرات وباسعار كانت خيالية بالنسبة لمستوى دخل الفرد ومستوى معيشة العائلة العراقية, بالاضافة الى عمل كثير منهم ضمن كادر هذه المنظمات سواء على مستوى الخدمات بصورة عامة او ضمن الكادر الوظيفي بصورة خاصة. هذا كان بداية المنزلق الخطير الذي جر هذه المدينة الى ما هي عليه الان !
ان تواجد هذا الكم الهائل من المنظمات واغراءات دولار النفط مقابل المواد الغذائية, الغى خصوصية المدينة وهدوءها, فكان ان تقبل اهلها هذا. بالاضافة فأنهم اعتبروه نعمة من الله وتعويضا عن السنوات العجاف السابقة التي يقول ابناءها ان النظام السابق قد اهملهم فيها وهو صحيح في غالبيته, فقد كان الاهمال من نصيب كافة البلدات المسيحية !!
فكان التطور الوحيد هو ما بذله ابناءها من جهود ذاتية وكذلك طبيعة انفتاح المسيحي وسهولة تقبله وتقليده النمط الغربي من ناحية الملبس والتصرف والذي كان العلامة الفارقة عن بقية المكون الكوردي ضمن حدود مدينة اربيل.
وجلب هذا انتباه الشركات الاجنبية والمحلية بغالبيتها لتتخذ من مساكنها مقرات لها سواء كان الغرض من هذه المقرات ما تحمله عناوينها ام شىء آخر لغاية في نفس يعقوب !!!.
ان هذا الاستقطاب حطم بنية وتركيبة وترابط النسيج الاجتماعي الذي كان يميز عينكاوة عن باقي مناطق مدينة اربيل وفقدت العائلة هدوءها وبساطتها وحتى ترابطها بمعنى او بآخر.
الاضطهاد الممنهج الذي طال المسيحيين!بعد الغزو الامريكي واحتلاله البلد نشطت الحركات الدينية الاسلامية واخذت كامل حريتها بعد ان كان النظام السابق قد قضى عليها تقريبا رغم انه غازلها في ايامه الاخيرة. وتدفق اعضاء القاعدة من كل انحاء العالم الى العراق وذلك استجابة للدعوة لما سمي الجهاد لأخراج الغزات الصليبيين ؟؟!! ان هذا التوافد ربما كان من تدبير الولايات المتحدة نفسها وهو ما صرح به الرئيس جورج بوش الابن بأنه سوف يعمل على تجميع القاعدة في العراق لكي يسهل عليه القضاء عليهم.
وبما ان الصليبي واحد سواء كان امريكيا غازيا او عراقيا اصيلا وبما ان الغازي كان قوي وقاسي ولا يمكن مواجهته فبدأت عمليات استهداف المسيحيين العراقيين الضعفاء بكافة اشكالها من قتل وقطع رؤوس واعتداء واغتصاب النساء وخطف واستيلاء على الاملاك او احراقها او تدميرها وخاصة في مدينتي بغداد والموصل. وهربا من هذه الهجمة البربرية والهمجية ألتجأت اعداد كبيرة منهم الى عينكاوة و بما فيها البطريركية الكلدانية حيث نقلت مقراها الى هذه المدينة, كان هذا التدفق الكبير نعمة ونقمة في آن واحد, فمجيئهم قد جلب رأسمال كبير وانعش اقتصاد المدينة ومن جهة اخرى نقمة, فقد فاقم من تكسر العلاقة والرابطة الاجتماعية التي كانت تميزها وسارع في تحلل الرابطة العائلية وزيادة المفاسد رغم اننا نجافي الحقيقة ان قلنا ان المدينة كانت تخلو من ذلك قبل هذا !!.
الرأسمال الأغاجاني! عندما قدم السيد سركيس اغاجان ودخل المدينة حاملا كيسه المملوء اوراقا خضراء, لم يتصدى له اهل عينكاوة بل بالعكس استقبلوه ورحبوا به كفادي مخلص وخصوصا عندما فتح كيسه واغدق عليهم عطاياه وشملت عطاياه هذه القاصي والداني سواء من اهل عينكاوة او من الوافدين بما في ذلك رجال الكنيسة الذين رفعوه الى مصاف القديسين.
لم يوزع السيد اغاجان الاراضي او يبني المساكن للوافدين فقط, بل شملت مكارمه كل اهل عينكاوة بمن فيهم ابناءها في بلاد المهجر وشمل كذلك جزء من الوافدين.
ماذا يفعل الشخص الموجود في الخارج والذي حصل على قطعة ارض او مسكن من عطايا السيد اغاجان او من توزيعات بلدية الناحية هل يترك بلاد مهجره ويعود ليسكنها ؟ كلا والف كلا, فان غايته الوحيدة من الحصول عليها هو بيعها والاستفادة من قيمتها وبما ان اسعار العقارات مرتفعة جدا !!! فمن يشتريها ؟
من المؤكد لا يشتريها احد ابناءها لأن كلهم يملكون مثلها او حصل عليها من مكرمات السيد او توزيعات البلدية او بأي طريقة اخرى ومنهم من حصل على الكثير منها وبما ان غالبية الوافدين لا يتمكن من شراءها لضيق امكانياتهم المادية .
فمن يشتريها ومن اشتراها ؟ اسأل اصحابها لمن باعوها ولمن سوف يبيعونها ؟؟؟!!! لربما يجيبنا احد ابناءها ويفصح لنا عن ذلك ويقول لمن باعوها.
لماذا نتباكى على عروستنا وقد بعناها للغرباء !!!
فالعذراء لم تفترس والارض الطيبة لم تدنس كما يدعي البعض وانما نحن من افترسها ونحن من عرضها في سوق النخاسة لكي تدنس وقبضنا ثمنها.