معنى كلمة طقس هو نظام او ترتيب، ولا ينحصر هذا المعنى على ما يمارس في الكنيسة فقط، بل شاملة أكثر مما نعتقد، ويمكننا في كل حديث أستبدال كلمة اسلوب بطقس: أنهض من النوم صباحا، اغسل واحلق ذقني واحتسي القهوة مع سماع اغاني فيروز، هذا يعتبر طقس لو أصبح شبه عادة. كل المؤسسات المهنية والوظائف لها نظمها وترتيبها وقوانينها، وبالتالي لها اسلوبها، أي طقوسها في العمل، ولا نجاح يستمر لأي مؤسسة دون ان تحدّثها وتبتكر جديد لتصبح مناسبة للزمن الذي تعمل فيه، كي تتقدم او على الأقل تحافظ على وجودها. ولا يوجد شيء إسمه نهج ثابت يبدأ ويستمر ولا ينتهي، ويثبت على نفس المنوال، إن كان في حياتنا العائلية، او اسلوب التربية، لا بل حتى القيم تتغير مفاهيمها، وما هو ثابت إجتماعياً فيما مضى ولقرون عدة، أصبح يفسّر بطريقة أخرى، وهناك قيم الغيت وأخرى استحدثت ومن يشب على شيء، لم ولن يشيب عليه، إلا إن كان تقليدي لا يعرف التغيير نحو الفضل. ولا أكفر لو قلت بأن تفسير الكثير من آيات الكتاب المقدس، يتطوّر مع بقاء الثوابت، ويأخذ أبعاداً روحية جديدة ممكن ان تناسب طبيعة المؤمن وقناعته، وإلا كان بوسع الجميع شرح كلمات الأنجيل بأخرى تشبهها. إلا الطقس الكلداني، فما ان تسعى الكتيسة لتجديده حتى يظهر لنا معارضون يخالون انفسهم جنود الحديابي، وتلاميد أدي وماري. هذا النفس التقليدي المتعصب أصبح من المعيب اعتباره محافظ، واقصد يحافظ على ايماننا وتراثنا، لأننا بذلك نخسر اجيال لم يعد القديم يستهويهم ويجذبهم للإيمان وللحياة الجماعية في كنيسة تأسست على تناول القربان المقدس الذي من اجله رتب القداس بتكامل وحداته عبر زمن طال قرون، ولا ابالغ لو قلت بأن اهم سبب لوجود الكنيسة هو القداس، وعندما لم يعد هذا القداس مقبولاً لأبناءنا، سقط هذا الوجود من نظرهم ومن حياتهم ومن فكرهم، وعند ذلك ستدفع كنيستنا ثمن قلقها من التجدد خضوعا لثرثرة المهووسين في القديم وهذيانهم. نحن أمام الطقس الكلداني وكأننا في متحف ممكن ان ننظر لمحتوياته، لكن اللمس ممنوع، لا بل حتى هناك آثار لا نراها بل فقط نرى صورها او مجسم لها. والآثار بالنسبة للدارسين والعلماء شيء مهم جداً، إنما للعامة تتباين الأهمية وقد تنعدم، هكذا القداس الكلداني، في اغلبه كلمات تردد ولا يدرك عمقها، وحتى التعبير الدارج (سماع القداس) وليس المشاركة فيه. نادرون من يعرفون ما تعني الطقوس، واندر منهم من يبحر بالكلمات ويتعمق فيها، والأندر من هذا وذاك هو من يفهما باللغة الكلدانية القديمة التي كتبت بها، وكل من يعارض التجدد ويتأسف له، هم المتأثرون باللحن!! ولا فرق لهم ان استبدلت كلمات ترتيلة مارن ايشوع بأخرى عاطفية بلغتنا الأم، على ان تبقى في نفس اللحن، لأن القداس بالنسبة لهم لحن يعرفوه، وبعض المحفوظات. وغالبية الأكليروس لا يفكروا بتجديد الطقوس لتكون مفهومة للمؤمنين، لأن اسهل طريقة لقيادة شعب هو بتخلفه، وافضل شريحة في كنائسنا بالنسبة للأكليروس هم تلك التي تسمع ولا مانع من ان تحفظ، لكن المهم أن لا تفهم. يحكى أن مثلث الرحمات الباطريرك لويس شيخو، طالما عاتب الأب المرحوم فيليب هيلايي بسبب تغيير اتجاه مذبح كنيسته وجعله في الوسط، وكان الباطريرك يطالبه بالحفاظ على الأصالة والتراث ويكلمه بلغة التاريخ، والأب هيلايي بنظر الباطريرك يتجاوز على القديم، وكان جواب هيلايي له: سيدنا، اترك المارسيدس واركب جحشاَ كي تحافظ على الأصالة أيضاً. أبنائنا يهحرون كنيستنا كون الطقوس اصبحت عليهم عبئاً، وهناك من يتباكى على ترتيلة فارغة المعنى بحجة أنها قديمة، ويعتبرها جزء مقدس من اصالة لا يمكن الأتيان بمثلها او افضل منها! أبنائنا تشبعوا بالراب واغاني مايكل جاكسن وبنك فلويد وفرقة كوين، ونحن نحاول ان نجعلهم يخشعون ويخرون ساجدين لسماع لحن شمة بابا بروناّ!!
عندما نبحث عن تاريخ الطقس الكلداني لا بد ان نجد هذا النص: ((يعود الفضلُ في تنظيم طقوس العبادة ورتب الأسرار إلى البطريرك ايشوعياب الثالث الحديابي (649-659) ورهبان الدير)). هل يعقل بأن نعتمد على نصوص كتبت قبل أكثر من 1400 سنة وحركات طقسية وريازة كنسية حددت في ذاك التاريخ، ونعتبرها طقوسنا، اي اسلوبنا ونظامنا ونحن نعيش في 2018، بينما حركات جدي غير مفهومة لأبني اليوم، ووصايا جدتي لا تستوعبها إبنتي!!؟؟ الملفت للنظر بأن هذا الباطريرك ومنذ ذلك الحين، اعتبر واحداً من اهم البطاركة والسبب كونه أجرى بعض الأصلاحات في الطقوس، حيث اقصى رتب وابقى على غيرها، وله الفضل في تحديد السنة الطقسية التي اعتبرت أنجازا عظيماً حينها، بينما يفرض المنطق الآن تجديدها وتنظيمها أكثر، ومن يحاول من البطاركة او الأساقفة يقومون عليه الدنيا ولا تقعد! فكم هم متخلفون عن ذلك التاريخ عندما يعترضون على اي فكر تجددي في كنيستنا، ويفتخرون بالقديم فقط! ولا يأسفوا على وضعنا المزري والبليد عندما لم يعد لدينا من له القدرة على تأليف نص طقسي بلغتنا الأم يمكن اضافته للطقوس! كم نحن مفلسون عندما نعتمد على صلوات كتبت قبل قرون طويلة، وخلال تلك القرون لا يوجد من يشبعنا إيمانياً! فلماذا جدد المتباكين على القديم أذواقهم ويسمعوا لمطربات ومطربين عاصروهم حتى وإن كانت بديعة مصابني او زكية جورج والقباتجي، وعندما نصل للطقس (تتعقج) وجوههم حزنا بسبب كاهن قرأ الأنجيل بدون لحن!!
كل الكنائس التي بنيت في المهجر، لصدام حسين ومن اتى من بعده الفضل في امتلائها، فلو كان الوطن مستقر، وينعم الأنسان بعيش هانيء وكريم ولم يفكر بالهجرة، لخليت كنائسنا من البشر بسبب عدم استساغة الأجيال الجديدة لمن هاجر في اواسط ونهاية القرن المنصرم لطقوسنا، إنما زيادة الهجرة واستمرارها أحيا كنائسنا، ومتى ما سيخلوا العراق من المسيحيين، ويستقروا في المهجر، وهذا حتما سيحدث في دولة لم يعد لي ثقة باغلب شعبه الذين اشبعوا المسيحيين ظلماً، ولم يعد هناك وافدين جدد، ستُهجر كنائسنا لا محال بعد اقل من ثلاثون سنة عندما لن يجد العجائز من يصطحبهم لها، واقصد بالعجائز المهاجرين الشباب الذين سيشيخوا بعد حين. ومشكلة ترك ابنائنا لكنائسنا يتحمل وزرها الأكليروس وليس غيرهم، فمن ناحية نجد غالبيتهم لا يعملوا دورهم الكهنوتي بشكل جيد، ولا يملكون بعد لرسالتهم، ويحاولوا بشتى الطرق استقطاب الدماء الجديدة كونهم ما زالوا يعاملون المؤمنين بتسلط لم يعد مقبولاً لأجيال متعلمة، ولا يهمهم ان خليت الكائس بعد ثلاثون سنة كونها عامرة الآن، ومن بعدهم الطوفان، حيث سيكونون بعمر التقاعد، لذلك نجدهم آخر من يفكر بتجديد الطقوس من اجل الحفاظ على إعادة الحيوية للمسكينة العجوز كنيستنا، وحقيقة الأمر هي ليست عجوز، وإنما مهملة بسبب أبتعاد غالبية الأكليروس عن مهمتهم الرسولية. وفوق كل ذلك، عندما يكون لنا باطريرك يعمل ويسعى على تجديد الطقوس ليجعلها ملائمة ومفهومة، ويحاول بكل قوته واتكاله على الله بتجديد البيت الكلداني، نجد اغلبية الألكليروس بعيدين كل البعد عنه طموحاته، لأن كل همهم هو سلطتهم التي يمارسونها يقسوة وتعجرف... وكنيستنا تدفع الثمن!! فهل تنجح المساعي لتجديد طقوسنا التي يرددها ولا يفهمها السواد الأعظم من المؤمنين، ام سيبقى هذا السواد على حالة التخلف ليسعد المتسلطون!؟ وطقوسنا التي ألفت قبل أكثر من 1400 قرن، وكانت سبباً في إيمان اجدادنا، والحفاظ على لغتنا وتراثنا، ستكون سبب في دمار كل ما بنته، وليهنأ سادتنا واسيادنا ما داموا محمولين على أكتافنا ويثقلون كاهلنا. وتبقى كنيستنا تدفع ثمناً باهضاً بسبب رفض ضيقي الأفق لكل تجديد.
الـوحـدة المسيـحـية هي تلك التي أرادها الرب يسوع المسيح (له المجد ) وما عـداها فـهي لـقاءات لأكل القوزي والتشريب والسمك المزگوف وترس البطون من غير فائدة
أقبح الأشياء أن يصبح كل شئ في الحياة جميل!! @@@@ ولا تحدثني عن الحب فدعني أجربه بنفسي @@@@ ليس بالضرورة ما أكتبه يعكس حياتي..الشخصية هي في النهاية مجرد رؤيه لأفكاري..!!