كان يَتوَقعُ الشعبُ الكلداني أن يُصدرَ مطارنة منطقة الشمال الكلدان توضيحاً وافياً للأسباب التي حَملتهم على مُقاطعة السينودس الكلداني ( مجمع الكنيسة الكلدانية ) الذي انعقد بدير السيدة بألقوش مِن ا - 6 حزيران الماضي 2007 م برئاسة البطريرك وحضور أحد عشر مطراناً واسقفاً ويعني ذلك أنَّ النصابَ كان مُكتملاً بحضور أكثر مِن النصف زائداً واحد ، غيرَ أنَّ هذا لا يُبَرِّر تَجاهل عدم مُشاركة خمسةٍ مِن المطارنة الذين تُشكِّل أبرشياتُهم رقماً كبيراً في ديمغرافية الشعب الكلداني ولا سيما في ظروفه الراهنة .
ولكن بالرغم مِن كُلِّ ما ذكره المطارنة مِن رؤيةٍ صائبة للمُستجِدّات الحاصلة في الساحة العراقية وتأثيرها على واقع الكنيسة ، وعلى الكنيسة الخروج مِن وضعِها الجامد الخالي مِن الروح المُحَرِّك القادر على تمكينِها مِن إحداث إصلاحاتٍ جذرية في بنائها الآيل الى السقوط لا سمح الله وإداء رسالتِها بتجَدُّدٍ ووضوح بدون خوف وارتباك ، لم يكن قرارُهم بالإتفاق على عدم المُشاركة في السينودس هو الحل للمشاكل الواقعة فيها الكنيسة ! ولكنَّ الشجاعة في الحضور والجرأة على المُجابهة في طرح الامور على بساط البحث عن كَثَب هو الاسلوب الصحيح لعِلاجِها وتبنّي الإتجاه المُلائم للسير قدماً في حَلحَلتِها ، ولا يُمكن إتِّخاذ قرارات مصيرية تكون في مستوى المرحلة الصعبة التي تَمُرُّ فيها الكنيسة وشعبُها وقد انقسم رُعاتُها الى فريقين مُتَّخِذاً كُلٌّ مِنهما وادياً للإعتصام به بعيداً عن الآخر ! والى صوت أيِّ فريق يُصغي الشعب ؟ ألم يكن مِن الأصوب أن تحملوا معكم أولوياتكم الواردة في بيانكم وتعرضوها على السينودس وتُطالبوه بحسمِها وجهاً أمام وجه وبروح ايجابية وجريئة مِن أن تعرضوها على غبطة البطريرك وأمانة سِر السينودس في رسائل مُشتركة وفردية إذا كانت النية صافية ومدعومة بشجاعةٍ وجرأة ولا سيما أن المطالب هي واقعية وشاملة ومطلوبة التحقيق مِن كافة أبناء الشعب الكلداني بدون استثناء ؟
ولو أن مطارنة الشمال الأجِلاء اختاروا الحضور الى السينودس ومُناقشة مطالبهم الواقعية والمشروعة ، لكان لموقفهم وَقعٌ وتأييدٌ أكبر مِن قبل أبناء الشعب الكلداني في حالة عدم تبنّيها ِأو مُعارضتِها ، فأعتقد أن هذه هي المؤاخذة الوحيدة التي تُحسَبُ عليهم ، أما المطاليب والمُقترحات فلا خلاف عليها ولا يُمكن إنكارُها أو تجاهُلها وهي تُمَثِّل الواقع الكنسي المُترَدِّي ولا بدَّ مِن دراستِه بشكل مُستفيض واهتمام بالغ ، أما ما يخشاه الشعب الكلداني هو أن تَنقلبَ مُقاطعة السينودس الى بادرة إنشقاقية في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية التي ستُصبح عاملاً إضافياً في تفاقم مُعاناة أبنائه وضُعفهم ويأسهم ، وهذا حتماً لن يكون في صالح مطارنة الشمال بأي حال مِن الأحوال ، ونرجو أن لا تكون عدوى غيرنا المُزمنة في طريق إمتدادِها إلينا إن لم يكن قد إمتَدَّت وهذه بوادرُها ، لذلك نُطالبكم أيها الآباء الأفاضل بالعودة الى مُخاطبة الأب البطريرك للإعداد الى سينودس عام وشامل كما طالبتم في بيانكم وعن قربٍ وليس بالرسائل ، ولكن ألا ترون مِن الأفضل وقبل ذلك أن يُدعى الى عقد مؤتمر كلداني شامل يحضرُه مُمَثِّلون عِلمانيون وكنسيون عملاً بتوصية المؤتمر الفاتيكاني الثاني بوجوب اشتراك الشعب بمُمَثِّليه العِلمانيين في صُنع القرار ؟ إذ إن إستفراد أبناء الإكليروس وحدهم بالقرارات التي تتعلق بمصير الشعب لم تَعُد نافعة في عصرنا الراهن ، وبهذا الخصوص يُرجى الإستعانة بالمختصين مِن حيث تحديد موقع وموعد انعقاد المؤتمر آخذين بنظر الإعتبار الظروف الأمنية ، وأن تسبق هذا المؤتمر مُشاورات ولقاءات بين أبناء كافة الأبرشيات واحزاب الشعب الكلداني ومُنظماتِه الثقافية والإجتماعية ومُستقِلّيه مِن المُفكِّرين والكُتّاب والمثقفين ، لكي يُضمَنَ للمؤتمر الشامل الإنسجامُ التام في ايجاد مُصالحة ذاتية وجماعية لصيانة البيت الكلداني مِن تداعيات الهدم والإنقسام .
إننا نُقَدِّرُ عالياً مُناشدة مطارنة الشمال كافة العراقيين بعدم الإستسلام للواقع المرير والرجوع الى بعضهم البعض ، والإحتكام الى مبدأ العقل واعتماد لغة الحوار كاسلوبٍ وسبيل أمثَلَين لحل قضايانا غير آبهين بالخارج وإهراصاتِه ، ولنَعُد الى التشَبُّث بقِيَمِنا على الصعيد الإنساني والوطني والديني ، وبغير ذلك لا نستطيع ايجاد طريقةٍ سليمة في التفكير واستمرار الوجود بروح الأخُوة والمسؤولية .وفي الحقيقة إذا بقينا مُمتنعين عن مَدِّ أيادينا للمُصالحة الوطنية والصفح عن بعضنا وإعادة بناء جسور الثقة والمحبة المنهارة يكون مِن العسير علينا العودة الى العيش المُشترك السابق والحِفاظ على وطننا بنسيجه المُتجانس بتعدُّد ألوانِه تارخياً وقومياً وثقافياً ودينياً .
شُكراً لندائكم التشجيعي المُوَجَّه الى كافة المسيحيين المُعانين ، ليُواظبوا على استمرارية دورهم الريادي في إتِّباع لغة الحِوار والسعي الى تغليب ثقافة المحبة والسلام ، فالمسيحية هي حقاً علامة الرجاء وسط عواصف الضيق ! إن إستعداد كنائسكم ومراكزها لإستقبال أبناء شعبنا المُهاجرين والمُهَجَّرين ومطالبتكم أبناء أبرشياتكم لإبداء المساعدة للنازحين الى مناطقهم الفارين اضطراراً مِن وجه الظلم بعدم إثقال كاهلهم بإيجارات مُرتفعة هو عمل مسيحي نبيل .
وما أروع نِداءَكم المُوَجَّه الى الرهبانيات الرجالية والنسائية الكاثوليكية للقدوم الى مناطق أبرشياتكم الآمنة والمُستقرة ، فإن مؤمنيها بشَقَّيهم المُقيمين والنازحين إليها مُجبرين ، هم بحاجة ماسة للرعاية الروحية والثقافية مِن خلال فتحهم المدارس بمراحِلها الثلاث الى جانب إنشاء معاهد صحية وفنية وغيرها ، وبذات الروعة هي دعوتكم للجمعيات الخيرية الكنسية للإسراع بمد يد العون لتطوير قرى الأبرشيات مِن خلال إقامة مشاريع تنموية زراعية وصناعية وخدمية لكي تُوَفِّر فرص عمل لسُكان المناطق وبذلك يتشجَّعون للبقاء وعدم الهجرة .
نرجو أن تكون لهذه النداءات والإقتراحات مُتابعة مُستمرة لتجسيدها على أرض الواقع ، فلا فائدة مِن بقائها حِبراً على ورق كتمنياتٍ لا تُنال !