قبل الدخول في صلب الموضوع اود ان انوه للأخوة والاساتذة القراء بان الأيدولوجية الاجتماعية التي امتلكها تجاه موضوع القومية ترتكز على اساس الاصالة والافتخار بالحضارة الاشورية، والمقالات الي كَتبتُها ضد الطوائف الكنسية التي لا تعترف بقوميتها الاشورية، كالكلدانية والسريانية على سبيل المثال، تشهد على ذلك. لكن، حدودها لم يتجاوز المنطق او المنهجية العلمية او التاريخية او السلوكية. لكن بالرغم من محبتي الكبيرة لامتي الاشورية، لم اعترف بكثير من الاشياء التي فيها تطرف او حتى المبالغ في تقيم عظمتها في كثير من النواحي. على سبيل المثال، لم اعترف، بل حتى قمتُ بنقد موضوع Assyrian theism ،الايمان الاشوري بالله الخالق كالذي نجده في المسيحية (رد بسيط موجود في اسفل الموضوع). وايضا لم اعترف بوضع القومية في اطار واحد مع المسيحية. لا اقول بانه يجب ان نفصلهما، لكن لا يجب المبالغ، كما فعلها احد الإكليريكين حين قال: "من يسيء على الامة الاشورية سوف اقطعه من الكنيسة"!!! هذه مبالغة كبيرة بل حتى تجاوز على الوصية الالهية. نكراننا للقومية الاشورية (لا سمح الله) لن يؤثر على الحياة الروحية، بل لا يوجد اي صلة بينهما. احب واحترم واتفاخر بقوميتي الاشورية وباسم كنيستي الاشورية لكن ليس لدي الاستعداد لمقارنتها او وضعها في اطار واحد بجانب المسيحية... حسنا لنعود الى موضوعنا. يقول بعض الاخوة بحسب أيديولوجيتهم في قراءة الموضوع والتعبير عن الأحاسيس والشعور القومي بانهم يفتخرون بكونهم مسيحيين لكنهم يُؤكدون بانهم اشوريين قبل ان يكون مسيحيين. هل هذا الادعاء صحيح؟ اقول بحسب الفكر الثيوولجي، وبحسب قصة الخلق التوراتية، والتي يعتبرها البعض مع كل الاسف أسطورية او خرافية، الانسان الاول خـُلق على صورة الله ومثاله، خـُلق متألهًا (موضوع تأله الانسان الاول لا يزال جدليًا بين النقاد)، خـُلق مجرّد من الشعور الاجتماعي في البداية وبعدها اجتماعيًا، خـُلق قبل الشعور القومي، وكان لدى الله في فكره وبعدها في حضوره الملموس. اذاً، الانسان كان لدى الله دون اي شعور قومي. لكن بحسب قصة الخلق، هذا الانسان سقط في الخطيئة وشرع بتأسيس حياة اجتماعية تختلف اختلافًا كبيرًا عنما كان عليه في السابق. وبدأت الاجيال تتعاقب والحضارات تتأسس تحت مسميات جغرافية، وليست اثنية، مختلفة، حتى بلوغ مطافها الى القرن الذي فيه تجسد ابن الله الكلمة. دور التجسد الرئيسي كان ولا يزال لإيعاده صورة الانسان الساقطة الى ما كانت عليه (متألهًا). تجسدت مفاهيمه (التجسد) في الايمان والمعتقدات المسيحية التي احتوت فيها العوامل الالهية والتي اتاحت لنا التقرب والتعمق في هذا سر العظيم، واهم تلك المفاهيم هو مفهوم البنوة الغير كاملة التي ننلها عن طريق المسيح بواسطة المسيحية. البنوة التي سوف تكتمل ملمحها بعد القيامة والتمتع بالذات الالهية في ملكوت الله. البنوة التي اراد الله اعطاءها للانسان الاول، لكن سقوطه (اي الانسان) منعه (اي الله) من ذلك. اذا باختصار شديد، الله ارد عن طريق المسيحية ارجاعنا الى حضن الالوهية. لذلك، المسيحية ليست ديانة او لقب لملة او جماعة ما لتـُقارن مع القومية كما يفعل البعض، بل هي حياة نحيا فيها وفق السلوكيات الالهية التي وضعها الله فيها، والذي يتمنى عن طريقها ان يرجعنا اليه. كنا مع الله، لكنا سقطنا واصبح لدينا اختلافات ومسميات مذهبية وطائفية كثيرة، والله تجسد ليرجعنا اليه. اذا، استطيع ان اقول: كنتُ ابناً لله (حتى وان كان جزئيًا) قبل ان اكون اشوريًا، او عربيًا، او بابليًا...لخ. بعد السقوط الآدمي، ادخلت المفاهيم الاجتماعية (ومنها مفهوم القومية) في العقل البشري لتصبح الوسيلة الرئيسية في التعامل بين الشعوب على اساس الانفراد الكينوني. غير ان الله تجسد ليرجعنا الى الصورة التي تتجرد منها كل هذه المفاهيم الاجتماعية لنكون ابناء واخوة مع المسيح في ملكوته. بمعنى اخر، كنت مخلوقًا للبنوة الالهية قبل ان اكون اشوريًا، والمسيح حقق ذلك المبتغى عن طريق المفاهيم المسيحية. وهذا ما قال الرسول بولس: (بل إني أحسب كل شيء أيضا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي، الذي من أجله خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح) فيلبي 3:8
موضوع Assyrian theism ،الايمان الاشوري بالله الخالق كالذي نجده في المسيحية الاله اشور ردنا على هذا الهراء في البداية، الديانة لدى الاشوريين كانت ديانة وثنية اي متعدة الالهة. كانت تتألف من عدة الهة منهم (سن، شماش، اداد، نرجال ، نابو، انورتا، بعل مردوك ، نسكو. كان "اشور" الاله الاكبر بين مجمع الالهة الاشورية، اذ كان متزوج من عشتار والتي كانت تأتي في المقام الثاني بين الالهة بعد اشور. كان الناس يعبدون كل هؤلاء ويذبحون لهم، حتى انهم كانوا يذبحون الاعداء في المذابح الاشورية، كما فعل اشور نيراري. على اي الاحوال، اشور كان له مكانة خاصة، اذ اعتقد الاشوريون بان (اشور) خالق السماء (انو) والبشر، كما كان مردوخ عند البابليين. لكن، في الحقيقة هذا الاعتقاد لم يكن صائبًا اذ يصطدم بثلاث حقائق مهمة في مسالة الديانة عند الاشوريين ، وهم اساسًا القشة التي تقصم ظهر البعير: 1) في النصوص الاشورية نفسها، تعترف الالهة الاشورية اجمعهم بان مردوخ هو من ( منح اشور منذ الابد الهة الاقانيم الاربعة لتمجيده حتى لا يتهرب من ذلك احد). هذا معترف به لدى الاشوريين، اذًا هذا يعني بان مكانة اشور لم تكن ارفع من مكانة مردوخ. 2) في اللغة الاكدية يطلق على اسم الجلالة (الله) اسم (ايلو ilu (، الذي استخدامه كان بكثرة حتى في التلمود اليهودي، ناهيك عن الاسماء الكثيرة المركبة التي تبدأ او تنتهي بهذا الاسم. فعلى سبيل المثال لا الحصر: اربيل (أربائيلو) تعني (اربعة الهة)، وهذه المدينة يعود تاريخها لأكثر من خمسة الاف سنة، اي قبل ظهور القوة الاشورية. حسناً، لو كان اشور كما يزعم البعض يطلق على الله او كان بمثابة الله في اللغة الاشورية، لماذا لم يستخدمه الاشوريين بدل من (ايل)؟ وماذا عن اسم او لقب (ايل) ماذا كان بالنسبة للآشوريين؟ جميع النصوص تؤكد بان (ايل) هو اللقب الوحيد الذي كان يطلق على الالهة. 3) في اللغة الاكدية القديمة استخدم الاكديون مصطلح ( بقذمو) اي البداية، اما اللهجة الاشورية المتوسطة ( البرونزية ) 1500 إلى 900 قبل الميلاد والتي استنبطت من الاكدية، واحتكارها بل وتأثيرها باللهجة البابلية، استخدم الاشوريون مصطلح )) شورويو (( ويستطيع اهل الفصاحة والبلاغة من إعطاء تفاسير مجازية لهذا المصطلح الاخير، غير انه يبقى تأويل مجازي للكلمة وذلك لعدم وجود تفسير قديم لكلمة اشور في الواحات الطينية. اشور ملك مثل باقي الملوك الوثنيين ليس إله، وان كان كذلك فانه اله الوثنية كمردوخ وفرعون وغيرهم من الملوك. من هنا نستنتج بان المزاعم التي يطلقها هؤلاء المتعصبين الاشوريين لا تمت للحقيقة الأكاديمية بصلة، بل هم اناس لا دراية لهم في اي شيء، فقط قوميون لكن غير متحضرون.
من يقف في صف كنّا وآغجان فأنه مشارك في تهميش وإستلاب حقوق الكلدان