كشكول نفايات!!! «
في:12.08.2021 في 21:30 »
كشكول نفايات!!!
لويس إقليمسبغداد، في 12 آب 2021
صدمني ما قرأتُه في موقع البطريركية الكلدانية على لسان غبطة بطريركها في العراق والعالم، الكاردينال "الكاريزمي" والصديق الجليل لويس ساكو، من كلمات غير مستساغة وقاسية بحق مواقع إلكترونية ناضجة لها شعبيتُها ومهنيتُها في نقل الكلمة والرأي والرأي الآخر وعرض الحقائق مهما اختلفنا حيالها من منطلق نشر الوعي وتبيان الوقائع وفسح المجال للحوار والنقاش وكشف المستور، وأيضًا في تقديم النصح والاستشارة المجانية. لقد كتب غبطتُه بمناسبة إطلاق الموقع الالكتروني الجديد “البيت الكلداني” “Chaldean Home، للرابطة الكلدانية في 6 اب 2021، السطور التالية:
"من المؤسف ان نجد بين الكلدان شرذمة من الاشخاص، يعانون من الفراغ الداخلي، لا معرفة لهم بالواقع العراقي، انتهى بهم الامر الى تبعية من يحرّكهم للانتقاد والاثارة بسخرية وابتذال، والاستهانة بالآخرين، وبث الافتراءات ولصق الاتهامات، لتمزيق البيت الكلداني. انهم ينشرون “هراءهم” المصفوف كحقائق على مواقع هي أساساً كشكول نفايات. رجائي ألّا يردَّ الكتابُ الكلدان عليهم، لأنّ الردَّ نوع من الاستجابة لما يرومون."ما يهمني في كلّ هذا الكلام، ما لحق من اتهام مواقع إلكترونية لها صداها ومهنيتُها وجهودها في نقل أخبار وتقريب وجهات نظر ونشر وعي في الوسط المسيحي والعراقي معّا، والتي بغيابها لما حصل التواصل بين أبناء الوطن الواحد في الداخل وفي دول الاغتراب التي أصبحت ملاذًا للكثير ممّن تركوا أرض الآباء والأجداد مرغمين. ومن هؤلاء ولأجلهم وبسببهم تكوّنتْ خورنات وتشكلتْ إبرشيات واشتدّ التنافس بين الرعاة، أساقفة وكهنة، لشغر هذه المواقع بوسائل وطرق لا مجال للخوض فيها بحيث صارت بعضُها عائلية ومناطقية بحتة. قولُنا في ما ورد أعلاه بوصف الحقائق التي تُنشر في مواقع إلكترونية بعبارة
" كشكول نفايات" وما ضمنه من تشكيك واتهام وانتقاص من أهمية وجدارة ومهنية العديد من المواقع والكتّاب المحترمين الذين يتعاطون يوميًا مع مثل هذه الحقائق والوقائع، لا يطيبُ ولا يحلو للقارئ العاقل الرصين لكونه خارج السياقات المقبولة. فما في جعبتنا من معلومات وبيانات ومستورات للفضّ به قد لا يسرُّ البعض. ومن حقي التساؤل، هل اتسم موقع البطريركية الكلدانية منذ إنشائه بالمهنية في نقل الكلمة والعدالة في نشر ما يصلُه من مواضيع ومقالات وأفكار، أم إنه أغلق أبواب النشر وإبداء الرأي والرؤى أمام كتّابٍ من أمثالي حين مقاطعتي منذ سنوات لأسبابٍ عنصرية بسبب رفضي أن أكون بوقًا مواليًا وتابعًا من غير رأي؟ وهل الموقع الجديد للرابطة الكلدانية التي خرجت عن الغرض المرسومِ لها منذ تأسيسها كقاعدة مجتمعية داعمة لأفكار وجهود الكنيسة الكلدانية لتتحول إلى حزب سياسي يتنافس مع سائر الأحزاب المسيحية الهزيلة الذيلية على الساحة السياسية العراقية الهشّة اصلاً، سيكون أمينًا في نقل الحقائق والوقائع من أجل بناء البيت الكلداني والبيت المسيحي؟ ما هكذا تورد الإبل يا سيدي وصديقي البطريرك! الحقّ يُقالُ ولا يمكن إخفاؤُه بغربال!
التخصيص وليس التعميمسيدي البطريرك، اسمحوا لي بالقول: إنّ تعميمَكم بهذه الطريقة المفتوحة لمَن
"ينشرُ الهراء المصفوف كحقائق على مواقع هي أساسًا كشكول نفايات"، كما وردَ في اتهامكم أعلاه غير مقبول في أدنى درجاته. ولم أكن اتوقع أن يصدر يومًا ما شيءٌ من هذا القبيل القاسي وتعميمه بهذه الصورة الغليظة غير المنصفة. فالتعميمُ صفة المتطرّفين والمتزمّتين ومحتكري الواقع والرأي. أمّا التخصيص والتحديد والتشخيص بدقة ورفعة وعقل وإدراك ووعي وتفهّم وسعة صدر فهو صفة العقلاء ورواد الكلمة الناطقة بالحق والرأي السديد، إن عليه أو معه!
هناك كتاب محترمون، سواءً في صفوف الكلدان أم غيرهم من كنائس أخرى، يجيدون ترويض القلم وتلوينه بسموّ ورفعة واحترام، بالرغم من فارق التقويم والتقييم في ما يكتبونه وينشرونه من غث وسمين. فهذا شأن القلم الذي يتدفق من أعماق القلب ليقول ما يشعرُ به، سلبًا أم إيجابًا. فلكلّ قلمٍ رؤيتُه وتقنيتُه وأسلوبُه شريطة عدم خروجه عن الذوق الرفيع والآداب العامة وعدم تسويق ما يدلي به في مزادات "الافتراء والابتذال والاستهانة بالآخرين" وبقدراتهم وآرائهم. من هنا، لا ينبغي التعميم. فهو سلاح الطرف المتطرّف الاحتكاري لكلّ شيء وفي أيّ شيء. وفي اعتقادي، ما يُساق على بعض كتّاب الكلدان المتَّهمين من قبل رئاسة الكنيسة الكلدانية الرسولية الأصيلة، بالمعصية والخروج عن الطاعة قد ينسحبُ بطريقة أو بأخرى على غيرهم من الكتّاب المسيحيين الذين يسقون العطاش بالكلمة الصادقة ماءً زلالاً ولبنًا عفيفًا لا غبارَ عليه انطلاقًا من شعورهم الإنسانيّ أولاً، وتحمّسًا لنقل الكلمة الصريحة وإبداء الرأي السديد والاستشارة الواقعية ثانيًا في ظلّ المُعاش الواقعيّ كنسيًا ووطنيًا واغترابًا.
والسؤال الذي يقضّ المضاجع ولا يلقى جوابًا شافيًا من أهمّ المراجع من شأنه أن يقلب المواجع بدلَ استنهاض الهمم بالطريقة التي ينوي غبطتُه معالجة الثغرات وصدّ كلّ كلمة لا تغرّدُ في السرب. وهذا محالٌ! فمسألة قذف الغير من المعترضين أو رفضُ عديدِ الرافضين لشكل أسلوب الإدارة الكنسية في الكنيسة الكلدانية بخاصة، أو غيرها من الرئاسات الكنسية الأخرى، لن يجدي نفعًا بقدر ما يوسّع الهوّة بين طرفي النقيض فاتحًا المجال لالتحاق أقلامٍ غيرها في خانة الاعتراض والرفض لكلّ ما يبدر، سواءً من هذه الرئاسة أو غيرها. وهذا من شأنه تفاقم الأمور عوضَ البحث عن مخارج أكثر أمنًا ومعقوليةً وتسامحًا. كما أنّ الردّ على مسألة نشر الغسيل من نفرٍ من كتّاب متهمين بالإصابة ب"فراغ داخليّ" ساعة الغضب وتفاقم الشجون، لا يجدرُ أن يصير بهذه الطريقة الاستعلائية الهجومية. وإنْ كان هذا البعضُ المتهم حقًّا بالإصابة بالفراغ الداخلي وكلّ مَن على أمثاله وأشكاله مُساقًا هو الآخر كالقطيع من جهات محرّضة أو محرَّكًا للانتقاد والسخرية، فما بالُكم لا تعيدوا النظر في الكثير من الأدوات والسلوكيات التي فتحت المجال أمام القاصي والداني للدلو بدلوها في مشاكل كثيرة ضربت كنيسة العراق وكنيستكم بشكلٍ أوسع من حيث إدارة الموارد ورعاية المؤمنين وشكل العلاقة بين الراعي والرعية، وبين الرئيس والمرؤوس (الأسقف والكاهن) في معظم الإبرشيات التي نسمع ونتابع أخبارها بشكل مباشر أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي أضحت سفيرة مجانية لنقل الأخبار والحقائق والفضائح سواءً بسواء؟ أمام ما وصلت إليه تقنية المعلومات ومستجداتها في كلّ يوم وساعة ولحظة، لا يمكن التكهن او السيطرة على كلّ ما يُكتب ويُنشر في ضوء الحريات الشخصية في نشر الأفكار وإبداء الرأي. وما على القارئ الرصين سوى فرز الصالح من غير الجيّد والنافع. كما يستحيل إبداء الرأي كتابة أو صورة وصوتًا، ما لم تتوفر ولو أجزاء الحقائق حين إثارة أي موضوع أو مسألة فيها شيءٌ من الجدلية. والصحّ فيها، أن يًصارُ للاستيضاح بشأنها عبر الحوار والردّ المكفول. فالاختلاف لا يفسدُ في الودّ قضية طالما هناك حوار ونقاش وتبادل معرفة واستكمال الآراء.
في مسألة ثانية، لا تقلّ أهمية عن الأولى، هل جرى معالجة خلاف الكنيسة الكلدانية مع شقيقاتها في مسألة تشكيل مجلس كنسي عام رسميّ لمجمل كنائس العراق بدل تفرّد الرئاسة الكلدانية في عقد اللقاءات الرسمية والتحدث باسم عموم المسيحيين في العراق، بالرغم من عمق اعتقادنا بنوايا رئاسة الكنيسة الكلدانية الإيجابية في الدفاع عن عموم الشعب المسيحي وحرصها لإيجاد أرضية مشتركة لحلّ هذه الإشكالية المقرفة وغير المريحة، سواءً على الصعيد المسيحي الداخلي والخارجي أو على الصعيد الرسمي الذي يعطي انطباعًا محبطًا وسلبيًا أمام الدوائر والقرارات الحكومية الرسمية إزاء كلّ ما يتعلّق بشؤون وهموم مسيحيّي العراق ومن ثمّ وجودهم المقلق. وهل تتصورون حجم الانتقاد والرفض الشعبي وحتى الخجل من تعدّد الوفود المسيحية التي تلتقي الرئاسات ونفرًا من الرسميين والشخصيات والمنظمات داخليًا وخارجيًا، وكأن القائمين بها أبطالٌ يخوضون حفلة تنافسية لنيل قصب السبق في مضمار الساحة والميدان من دون مراعاة لفروض الاحترام للآخر المغيَّب؟؟؟
تناقض في أحوال البيت المسيحيسيدي البطريرك الجليل، أستميحكَ عذرًا، بعدم القبول بالتناقض الصارخ في تعليقاتكم واستيضاحاتكم لمجريات الأمور بهذه الطريقة غير المجدية. ففرض السيادة على إدارة كنيسة العراق بالطريقة التي تنوون بها أو سوقها من دون تراضٍ من سائر الكنائس الثلاثة عشر الأخرى التي تشكّل مع كنيستكم عصب الحياة المسيحية في العراق لا يليق بمقامكم الكريم، بل ينتقص من كاريزميتكم بالفشل في إقناع الطرف الآخر بموجبات هذه الرئاسة التي نعتقد ونثق بقناعة وافية بجدارتكم الواقعية بتمثيل عموم كنيسة العراق في عصرها الراهن من دون منافس، شريطة التوافق على المسببات والموجبات والوسائل الكفيلة بتأمين مواقف الجميع من دون استعلاء "الأكثرية المزعومة" على "الأقليات المعدودة" بأسلوب استفزازي لا يقلّ خطورة عن اتهامكم بشيءٍ من عنصرية الأكثرية التي سادت المشهد السياسي العراقي ذاته منذ 2003. وهذه من ضمن النقاط السلبية التي رافقت تنظيم زيارة قداسة بابا الفاتيكان للعراق حيث سعيتم ما استطعتم لجعل الزيارة أكثر ميلاً للكلدانية وحصرها بكنيستكم ومناطقكم وطقوسكم، بالرغم من إبدائي شخصيًا ملاحظات جديرة بالتقييم والدراسة قبل موعد الزيارة بثلاثة أشهر بصحبة صديق لي لغبطتكم في مقرّ البطريركية. وهذا ما دفعني لتسليم قداسة البابا رسالة خاصة بشأن الأوضاع في البلاد والكنيسة العراقية عمومًا. وقد تسلّمتُ ردَّ قداسته شخصيًا في أيار الماضي. وهذا كان من دواعي سعادتي الغامرة. من هنا، ليس من المعقول القبول القسري باقتران حضور الكنيسة الكلدانية في العراق حصرًا وربط حاضرها ومستقبلها دون غيرها بعناصر ومقوّمات الأرض واللغة والتاريخ والتراث.
أمّا بخصوص رغبتكم ترؤسَ مجلس كنائس العراق، فقد كنتُ صريحًا وواضحًا. لقد سبق أن قلتُها في أكثر من مناسبة وحرصتُ على نقلها بمعية زملاء عَمِلْنا معًا بإشرافكم ضمن لجنة توفيق الجهود المسيحية في مناسبات كثيرة قبل أكثر من أربع سنوات أو أكثر عندما كان الحراكُ المسيحي بضرورة لملمة جراح إدارة كنيسة العراق ساخنًا وسط تقاطع الرؤى وتناقض الآراء بينكم وبين رئاسات كنسية شقيقة. ولم نفلح في جهودنا بسبب تعنّت طرفي النقيض، كلّ في رؤيته ومطالباته ورأيه من دون تقديم أية أشكالٍ من التسامح والتنازل عن السلطة. فكلّ طرفٍ أراد أن "يجلس عن يمين المسيح أو عن يساره في المجد الزائل".
في الآخر، حريٌّ بكلّ كاتب حرّ غير مسيَّس أن ينقل الصورة الناصعة وبقلمٍ رصينٍ واقعَ حال كنيسته وكنيسة العراق عامة، بل وحال العراق من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، بقلمٍ حرّ وشجاع ليس بغرض تشويه الحقائق والكذب على القارئ البسيط أو بهدف إثارة السخرية والابتذال والقذف غير المبرّر. كما هو جميلٌ أيضًا أن تتراصف أقلام الكتاب المسيحيين مشيدة بمواقف غبطة البطريرك الوطنية الشجاعة وعدم تماهي غبطته مجاملةً مع حالة الفساد والفلتان وسياسة التهميش التي تتبعها حكومات العراق الطائفية المتتابعة منذ 2003 ولغاية الساعة بحق المكوّن المسيحي الأصيل وغيره من المكوّنات التي تشكلُ فسيفساء الأرض العراقية الثرية. وهذه من بين المزايا الصارخة لغبطته بوجه الظلم وفساد الساسة والنواب غير المؤتمنين على مصالح الشعب.
أرأيتم، فالكلمة الصادقة تُقالُ ولا يُخفيها غربال الحق والصدق. وبغير هذا، لن تثمر الكلمة ولن تأتي أكلَها في توجيه النقد البنّاء حينما تقتضي الساعة والظرف بمزيجٍ من اللياقة والأدب والدقة في وصف الحالات وتشخيص الواقع وتقديم الحلول. في الختام، لشخص غبطنكم منيّ كلَّ تقدير ومودة واحترام.