خلافة بطريركية مباركة لمار آوا روئيل بعد تنحي مار كوركيس صليوا مع امنية العناق الحضاري بين بابل ونينوى «
في: 09.09.2021 في 09:35 »
خلافة بطريركية مباركة لمار آوا روئيل بعد تنحي مار كوركيس صليوا
مع امنية العناق الحضاري بين بابل ونينوى
بقلم أ. نويل فرمان السناطي
__________________
عندما كان قد التأم سينودس كنيسة المشرق الاشورية، في ايلول 2015، في أعقاب وفاة خالد الذكر البطريرك الراحل مار دنخا الرابع، وذلك لينتخب احبار السينودس اسقفا لخلافته، فكان انتخاب الحبر الجليل مار كوركيس الثالث صليوا. وقبيل ان يتم هذا الاعلان رسميا، ولأن تخمينات الفيسبوكيين، بصورة وخبر، لا رقيب عليها، فكانت قد انتشرت صورة الاسقف مار آوا روئيل، وسرعان ما عرف ان الموضوع لم يتعدّ سوى تقليعات التخمين والسبق الاعلاني غير المبرر، بدون ان يتأكد المرء من سبب هذا الاعلان عن مار آوا دون غيره.
ولكن الاعلان الرسمي اليوم 8 أيلول 2021 عن الاسقف الذي انتخب لخلافة مار كوركيس المتنحي لأسباب العمر والصحة ليبتوأ كرسي كنيسة المشرق الاشورية، هذا الاعلان يعيد الى الاذهان ذلك التخمين، الذي قد يوحي بأثر رجعي ان البطريرك المنتخب اليوم، كان منذئذ مرشحا ساخنا، لخلافة الراحل الكبير مثلث الرحمة مار دنخا. هذه محاولة قراءة في هذا الانتخاب.
في السينودسين الانتخابيين الاخيرين لسنة 2015 والسنة الحالية، يتهيأ للمرء أن الاحبار، تميزوا فيهما في قرارهم بالحنكة والحكمة والتجرد. فمن جهة كرموا في ايلول 2015 عميد الاسرة الاسقفية للكنيسة الاشورية، بتبوء الكرسي البطريركي، لقدميته وخبرته، وامكانيته آنذاك على العطاء، وقام بذلك، باركه الرب ورعاه، خلال السنوات الست الاخيرة. وفي التفاتة يقوم بها كبار المتواضعين، تنحى مؤخرا لتقدم السن والاسباب الصحية، فاشترك بعنفوان في السينودس الانتخابي.
والالهامة الرائعة الاخرى، بصراحة، هي أن آباء السينودس، أظهروا تجرداً وغيرية أود أن اصفها بأنها تتسم بالحس النبوي الرسولي، عندما انتخبوا اسقفا متقاربا معهم، ويكاد برغم عمره الشاب أن يعد بكونه من جيلهم. وليس لي أن أخوض بأي مقارنة، لقصر باعي فيها من حيث المعرفة عن كثب، ولكن بالتأكيد تتراءى للمرء أسباب الاعجاب والاشادة بهذا الاختيار الذي لا يملك المرء إلا أن يباركه، ويستمطر له النعمة الربانية.
أمام جثمان الراحل الكبير مار دنخا الرابع
______________________________
تعود معرفتي الشخصية المتواضعة بمار آوا، عند تصادف، في عشية تشييع مار دنخا الرابع، وأن تجاورنا في صلاة المساء على جثمانه، إذ قصدت تلك المناسبة، بصحبة المطران عمانوئيل شليطا، مطران ابرشية كندا الكلدانية آنذاك، وفي تلك المناسبة قدمني لنيافته، مار اسحق يوسف. وفيما بعد أصديت لنتاج صوتي ليتورجي للمطران (البطريرك المنتخب) مار آوا في هذا الرابط:
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,832533.0/topicseen.htmlبدأته بهذه الكلمات: لقد حان الوقت في هذه الأيام، أن أصدي لما وعدت النفس به، منذ لقاء سابق مع نيافة مار آوا روئيل، مطران كنيسة المشرق الاشورية في كاليفورنيا، لنتاج له وجدته من النفائس التوثيقية لليتورجية المشرقية، تخدم مؤمني كنائسنا. فان نيافته كان قد أهداني مجموعتين من الأقراص الليزرية، مسجلة بصوته، عن مزامير النبي داود، إلى جانب كتاب اختاره من مكتبته العامرة، ووقع الاهداء بكلمات رقيقة، مع صليب مزخرف بذكرى البطريرك الراحل مثلث الرحمة مار دنخا الرابع، حيث كان انطلق أول لقاء لنا مع ما تبعه من تواصلات أخوية، وذلك منذ صلاتنا المشتركة أمام جثمان البطريرك الراحل، عشية يوم التشييع في شيكاغو، الى جانب الاساقفة والكهنة والشمامسة وحشد المؤمنين.
أول أسقف ثم بطريرك من مواليد بلدان الانتشار
________________________________
وهذه نبذة قصيرة عن البطريرك الجديد لكنيسة المشرق، مار آوا روئيل، مواليد شيكاغو 4 تموز 1975، واعطى له اسمه دافيد، والداه كورش وفلورنس دافيد.
منحه سلفه الاسبق، مار دنخا الرابع، بركة الخدمة الرسائلية في سنة 16 سنة، وفي السنة التالية، رسمه شماسا انجيليا وذلك في كاتدرائية مار كوركيس في مدينة شيكاغو. تخرج بشهادة البكالوريوس في جامعة لويولا بمسقط رأسه، ثم على شهادة بكالوريوس أخرى في اللاهوت من جامعة سانت ميري اوف ذي ليك (1999)، وأخيرا حاز على الليسانس ثم الدكتوراه في العلوم اللاهوتية من الجامعة الحبرية في روما. ورسم كأول أمريكي المولود، أسقفا لكنيسة المشرق الآشورية بوضع يد البطريرك الراحل مار دنخا، ومشاركة مجموعة من الاساقفة: مار سركيس يوسف، اسقف العراق، مار أبريم خامس، اسقف غربي كندا، ومار عوديشو اسقف اوراها، اسقف اوربا، في كنيسة مار زيا بمدينة موديستو كاليفورنيا مقر كرسيه الاسقفي. وأن يصل أحد للاسقفية من مواليد بلاد الانتشار، فهذا من كاريسما الكنائس الثقافية اللغوية، وخصوصا الاشورية والكلدانية، التي بتواجدها وخصوصيتها، تتربى الاجيال على الدعوة الكهنوتية أو العلمانية.
وابتداءا من سنة 2015 خدم بصفة أمين سر سينودس الكنيسة الاشورية في الغرب. كما أسس دير مار اسحق للرهبان، وهو الدير الوحيد للكنيسة الاشورية عبر العالم. عرف بدفاعه عن حقوق وأحوال المسيحيين في الشرق الاوسط (واشنطن، ايلول 2014). كما التقى، في 9 آذار 2015، ما أخيه في المصاف الاسقفي مار بولس بنيامين، النائب في مجلس الامن القومي، المستشار للعلاقات الاستراتيجية بين رهوديس، حيث تحدثا عن احوال مسيحيي العراق وسوريا، وكذلك عما سمي آنذاك أزمة نهر الخابور. ومن أعماله بحثه المنشور عن لاهوت الاسرار السبعة في كنيسة المشرق الاشورية، والموسوم بعنوان: الاسرار السبعة لكنيسة المشرق الاشورية.
بابل ونينوى
________
وأود أن إعرج إلى الجزء 2 من عنوان المقال، عن الامنية التي عبرت عنها رمزيا بشأن العناق الحضاري بين بابل ونينوى.
فقبل كل شيء أود القول، انه من متابعاتي للتقاربات المسكونية بين جانبي كنيسة المشرق الاشورية والكلدانية، أو حضوري لبعض اللقاءات الشخصية والجانبية، مع من يبقون يُعدّون الاشقاء في الكنيسة الاشورية الشقيقة، وجدت هذه التقاربات، تغلب عليها صفة الصداقة الشخصية من جهة، وتعامل المجاملة البروتوكولية من الجهة الاخرى.
مخاضات الوحدة الكنسية بين الكنائس الشقيقة
____________________________
فإن للأشقاء في كنيسة المشرق الاشورية الرسولية اسباب عدم الاقتراب من الشؤون الوحدوية للكنيسة الكلدانية، على خط الكرسي الرسولي، بقدر ما لهذه الكنيسة (الكلدانية) من قناعة راسخة بارتباطها بالشركة التامة مع الكنيسة الجامعة الرسولية. وهذا من مفارقة المقارنة، ان التوجس من هذا التقارب، أحسبه يشبه التوجس من شيء يأتيني في المخيلة، عندما أتخيل توجيه الكرسي الرسولي لكنيستي انطاكيا المارونية والسريانية بالاندماج، حيث الشركة التامة واحدة بينهما، وللمقارنة المبكية، الليتروجية واللغة الطقسية واحدة، ولا يفصلهما، وأيم الحق، سوى موضوع الكرسي القرمزي والحيز الجغرافي لكنيستين تحملان البشرى الى العالم، لأبعد من محدودية اللغة الطقسية، أو وجود كرسيين قرمزيين وحيزين جغرافيين سياسيين. أي أننا لن نحلم سوى بأن تتوحد الكنيستان البطريركيتان، وبقدرة قادر، مع توحيد الحيز السياسي الجغرافي، والتنازل عن احد الكرسيين فيعرض ريع احد الكرسيين في المزاد العلني لإحدى الجمعيات الخيرية.
استدلالات من مقال للبطريرك الكاردينال ساكو
_____________________________
على أن ثمة ما لفت انتباهي في مقال الكاردينال لويس ساكو، بطريرك الكنيسة الكاثوليكية، الموسوم بعنوان: كنيسة المشرق الكلدانية والاشورية، كنيسة واحدة في الجوهر. حيث جاءت كلمة وردية واراها جوهرية، ويمكن التعامل معها في خطوات التقارب: "المطلوب اليوم ان تحافظ هذه الكنائس على خصوصياتها المشروعة ضمن الوحدة…" وكنت أتمنى أن اقرأ هذه العبارة (المطلوب اليوم ان تحافظ هذه الكنائس على الاختلافات المشروعة ضمن الوحدة).
وهكذا أعتقد، لو التقتا كنيستا المشرق الاشورية والكلدانية، وقبلتا بخصوصيتهما المشروعة المتراكمة عبر الزمن- كأن تكون الارتباط بالكرسي الرسولي فإنهما وأيم الحق ستعطيان الدرس للكنيستين المارونية والسريانية اللتين تشكل عندي ككاهن عدم وحدتهما الشكوك المتواصلة، فكيف بالعلمانيين المؤمنين.
تطلعات التآلف القومي بين أبناء بين النهرين، بين بابل ونينوى
________________________________________
وعليه، وإذ ليس ثمة في الأفق، بوادر وحدة بين الشقيقتين، كنيستي المشرق الاشورية والكلدانية، وإذا لا تحملان كلاهما الهرطقة تجاه الواحدة الاخرى، فهذه دعوة من هذا المنبر الحر، أن يتآلف أبناء بابل ونينوى وتتعانق حضارتهما، على الشأن الثقافي والقومي والسياسي بنظام المجتمع المدني غير الديني والكنسي. وهذا من شأنه أن يثمر خيرا، لبعض هذه العوامل:
سيجد كل من الجانبين كم من العوامل تجمعهما على ارض بين النهرين أكثر بكثير مما يفرقهما.
سيجد الجانبان، ان الاختلافات الطقسية والعقائدية لكنيستيهما قد فرقتهما في المزيد من الفرقة، وهما أبعد من أن تجمعهما.
سينتظم كل من الجانبين في كنيسته، مقتنعا ضميريا، بأنه غير هرطوقي تجاه الاخر، ولكنه لا يطالب كنيسته ان تودي دورًا قوميا - سياسيا لا قبل لها به.
سيحمل كل من الجانبين من أبناء بين النهرين، بابلهما أو نينواهما، سيحملان محمل الجد العبارة التي اطلقها بطريرك الكنيسة الكلدانية في المقال المذكور إذ قال: لنترك موضوع القومية للمعنيين بها، ولنتحمل نحن الاكليروس مسؤولياتنا الكنسية كاملة. وان تبني السينودس الكلداني في 9-14 اب 2021 تسمية ” البطريركية الكلدانية” بالاجماع تصب في هذا المنحى. لتكن بابل عمقا تاريخيا يجمع الكلدان، ونينوى للاشوريين، مع الاخذ بنظر الاعتبار حضارات أخرى متتالية مرت بها المنطقة.
الاتعاظ من عدم وحدة الكنيستين الكاثوليكيتين المارونية والسريانية
_________________________________________
وعشمي إلا يصاب بالاحباط أي من الطرفين أبناء بابل وأبناء نينوى، إن لم تحصل الوحدة بين الكنيستين الاشورية والكلدانية لكل منهما وعندئذ حسبهما أن ينتظرا الوحدة الاندماجية للكنيستين المارونية والسريانية الكاثوليكيتين، ثم ليسمح لأبناء بابل ونينوى بالتساؤل لماذا كنيستهما، كنيسة المشرق، الكلدانية والاشورية، لا تتوحدان. ذلك أن هذا مسار مسكوني روحي إيماني نوراني، لا دخل فيه للسياسات وللخطوط القومية.