تهجير المسيحيين القسري والتغيير الديمغرافي في مناطقهم: كيف, لماذا, وما العمل؟ «
في: 21.11.2021 في 04:31 »
تهجير المسيحيين القسري والتغيير الديمغرافي في مناطقهم: كيف, لماذا, وما العمل؟
" عمّروا عمّروا…. هذا البناء راح يصير النا " قالها احد اهالي السلامية وهو مار في بغديدا حين رأى الانشاءات الحديثة الزاهية قبل زحف داعش الى المدينة - لعل هذا الشخص كان يتنبأ بظهور داعش!
" تلكيف تريد استقلاله ودين محمد بطّالة " رددها التلاكفة مطالبين بوقف زحف الغرباء إلى بلدتهم ولكن……….المطالبة والتنديد والصراخ دون وجود قوة ضاغطة لا يؤدي إلى الحصول على شيء….. فكانت النتيجة تلكيف لم تعد بلدة مسيحية !!!!!
وثم, أليس ما حصل في برطلة مؤخرا يحزن القلب؟ بل يبكي العين! عندما تمر في برطلة اليوم قد ترى أنه مازال هناك اثر لوجود المسيحيين فيها بل اجزم ان اسمها المسيحي وبعض عناوين أطباء يحملون أسماء مسيحية هو أكثر ما يذكرنا بأنها مسيحية. - يوما ما لم نكن نرى غير المسيحيين في برطلة ماعدا في مركز الشرطة!
لو كانت لدينا إمكانات لتوثيق عمليات التغيير الديمغرافي لمناطق شبعنا لعرفنا كم اننا شعب ضعيف نجيد النحيب ولا نجيد التفكير بالحلول والعلاجات, بل نجيد الهروب من المسؤولية ونخشى الاعتراف بالخطأ. ولكن كل بلدة وكل قرية وكل قطعة ارض نخسرها هي شائبة ونقطة سوداء في سجل أبناء الجيل الذي كان شاهدا على فقدانها ولم يفعل شيئا سوى البكاء والنحيب.
ان حدوث عمليات تغيير ديمغرافي لمناطق شعبنا هو غاية وهو نهاية المطاف بعد وسيلة كانت هي الهجرة. اذ ان هجرة أي فرد مسيحي سواء من منطقة ذات غالبية مسيحية او مدن العراق الاخرى يترك فراغا (سكنيا في ترك مقر سكناه, اقتصاديا في ترك مصالحه ومهنته والنشاطات المتعلقة بها, علميا ومعرفيا فالفراغ الذي يتركه فقدان نشاطاته العلمية والمعرفية والثقافية, وفراغات كثيرة منها الاجتماعية والإنسانية وغيرها) هذه الفراغات تشجع الآخرين على ملئها من قبل غير المسيحيين. ولذلك فإن ما يخسره المسيحيين في هذا الشأن يكون من الصعب جدا اصلاحه او اعادته.
يُعرّف المختصون التغيير الديمغرافي تحديدا بأنه ذلك التحوّل الذي يطرأ على البنيان و القوام السكاني لرقعةٍ جغرافية ، ناجماً عن فعلٍ أو أفعال إراديّة من قِبل جهةٍ ما تجاه أفراد أو مجموعات تفقد إرادتها في ذاك التحوّل .ويتناول القانون الدولي مسألة التغيير الديموغرافي تحت مسمّيات التهجير أو الإخلاء أو النقل القسري و يدرجها ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية .
يحدث التغيير الديمغرافي عادة بطريقتين:
الطريقة الأولى : تتمثّل في رغبة جهة ما حكومية, سياسية, او دينية, بشكلٍ ممنهج و مخطّط و وفق تدبّرٍ ما ووفق عامل زمني, على إرغام غير مباشر لسكان منطقة ما على الهجرة أو النزوح من مناطقهم ، و تأخذ عادةً طبيعة مبطّنة أو غير مباشرة، و يتم سلوك هذا السبيل بآليات مختلفة سواءً خدمية أو سياسية أو إقتصادية أو غيرها التي من شأنها التضييق على سكان تلك المنطقة بالقدر الذي يسبب عدم استقرارهم وبالتالي هجرتهم أو نزوحهم إلى أماكن أخرى كما حدث في تلكيف وبرطلة.
الطريقة الثانية : و هي الأكثر خطورةً و بشاعة وتأتي بشكل ممارسات تنفّذها حكومات أو قوى عسكريّة أو شبه عسكريّة أو مجموعات متعصّبة تجاه مجموعات عرقيّة أو دينيّة أو مذهبية أو أي مجموعات مشابهة ذات تميّز أو خصوصية ما ، بهدف إخلاء منطقة معينة من ناسها و إحلال مجاميع سكانية أخرى عوضاً عنها ، أو ما يمكن تسميته بالتهجير الجماعي قسراً ودون سندٍ قانونيّ كما حدث في مدينة الموصل وسهل نينوى إبان سيطرة داعش على هذه المناطق
في كلا الحالتين, فإن التضييق الخدمي والاقتصادي ، من خلال نقص خدمات الصحة و التعليم و غيرها ، و أيضاً سوء الدعم الحكومي لأية منطقة إقتصادياً و منها الدعم الزراعي للقرى والبلدات المسيحية والتي اغلبها تعتمد على الزراعة له انعكاس بدرجة واضحة على إنخفاض الإنتاج وأسعار المنتجات الزراعية ، و بالتالي على الواقع المعيشي ، ما أدّى إلى اضطرار نسبة كبيرة من أهالي تلك المناطق الى الهجرة و النزوح بحثاً عن واقعٍ أفضل. هذا من ناحية, أما من الناحية الأخرى, فأن حالات التضييق الأمني على سكان المنطقة وازدياد دور أو نفوذ المؤسسة الأمنية و الاستخباراتية و الميليشياوية على حساب الدور التشريعي و القضائي و سلطة القانون ، و ذلك تحت أعذار و حجج عديدة و مسميات غايتها الأساس إرهاب السكان و إقلاق راحتهم و حثهم على النزوح والهجرة وهذا كان واضحا في اغلب مناطق تواجد شعبنا خاصة بعد طرد عصابات داعش - من المضحك المبكي قيام اتباع إحدى الميلشيات العسكرية بتهديد أعلى سلطة حكومية في قضاء الحمدانية كان قد منعهم من التجاوز على قطعة أرض زراعية
ولكي لا ننسى, فإن محاباة مكون على حساب مكون آخر ومنحهم امتيازات مقابل خلق عراقيل و معوقات أمام الغالبية من أبناء تلك القرى والبلدات تجسّدت بصفة أبرز في عمليات التوظيف والإسكان وبيع وشراء العقارات من خلال استغلال القوانين العامة التي تسمح بالتملك.
إن تلك العوامل التي تسببت في عدم استقرار شعبنا في المناطق التي يشكل الغالبية السكانية فيها تنطبق أغلبها على أبناء شعبنا المنتشرين في مدن البلاد الأخرى والذين كتحصيل حاصل لعدم استقرارهم في مناطقهم لم يتمكنوا من الحصول على ملجأ لهم في بلدات ومناطق الغالبية لنفس الأسباب لذلك لم يروا طريقا غير الهجرة الى خارج البلاد وترك فراغ اقتصادي وعلمي ومعرفي لكي يتم ملؤه من قبل الآخرين
جدير بالذكر, فأن استملاك الأراضي بقرارات الاستملاك الجائرة وتسجيل العقارات بأسم الدولة دون سند قانوني سليم مثل قانون الإصلاح الزراعي للحكومات المنحلة التي تم حل اغلب قراراتها ما عدا ما يخدم اجندات السياسيين الجدد. ولم يسلم من ذلك حتى الأملاك التي في حيازة بعض مالكيها سندات تمليك عثمانية أو مداولات كتابية غير رسمية وشهود وتطمينات من مخاتير واختيارية تلك المناطق. وفي هذا الصدد نذكر مثالاً ، مصادرة آلاف الدونمات مقابل تعويضات رمزية مخجلة لأصحابها بدواعي إنشاء ما يسمى اسكان عوائل شهداء قادسية صدام وتوزيعها على أبناء مكونات لا تنتمي الى أبناء بلدات شعبنا أحدثت أيضا نوعاً من تغيير التركيبة الديموغرافية لتلك المناطق
المرحلة الحرجة أي ما بعد عام 2003
على الرغم من عدم وجود إحصائية دقيقة لأعداد المهاجرين من أبناء شعبنا منذ عام 2003 إلا أن بعض الأرقام التي ذكرتها بعض المنظمات المدنية و الحقوقية أشارت إلى أنّ نسبتهم تجاوزت المليون فرد .وكانت غالبية تلك النسبة من الفئة العمرية الفتيّة و الشابة التي تعتبر ركيزة البناء الاجتماعي والسكاني، ذلك الإنتقال الذي كان لأسباب واعتبارات مختلفة أهمّها البحث عن العمل ومصادر الرزق وواقع معيشي و خدمي و تعليمي أفضل ، كما لا تخلو تلك الأسباب من الدوافع السياسية والفكرية.
هذه المرحلة التي تتكشّف بعض معالمها و مجرياتها بمرور الأيام تعدّ ربما المرحلة الأخطر والأكثر حساسيةً في تاريخ شعبنا ككل عبر العصور ، مع وجود دلائل واضحة وفاضحة لعمليات تغيير ديموغرافي ممنهجة تعتبرها القوانين والاتفاقيات الدولية جرائم تستدعي المنع و العقاب .
فلا يقتصر ذلك التغيير الديموغرافي على عمليات إسكان الغير، و لا على منع عودة النازحين وخلق إشكالات ومضايقات في وجه عودتهم والتي تعتبر جرائم تطهير و حرب و إبادة ضد الانسانية ، بل هناك جرائم أخرى كثيرة ضحاياها و أهدافها ابناء شعبنا، لعل أبرزها هو ما حدث من عمليات نهب و سلب و تخريب وحرق في المناطق المحررة لأملاك ودور وعقارات شعبنا مضافا إليها اعتقالات و تعذيب و انتهاكات فردية و جماعية مختلفة بغية بث حالة من الذعر والهلع المقصود لإرغامه قسريّاً على الهجرة وترك منازلهم وأملاكهم و إيصال رسالة واضحة في ذات الوقت لمن نزحوا جرّاء الاشتباكات وأثناء عمليات طرد عصابات داعش إلى خارجها و ينوون العودة .
الحالة والصورة تلك من الجرائم تجري كلّها بوضوحٍ تام امام انظار الحكومة التي تدعي أنها عاجزة على منعها وذلك ليس عذرا مقبولا مما يجعل مجالا للشك في نوايا الحكومة والقائمين على العملية السياسية في العراق.
ففي الوصف القانوني يتناول القانون الدولي مسألة التغيير الديموغرافي تحت مسمّيات التهجير أو الإخلاء أو النقل القسري و يدرجها ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية, حيث يعرّف التهجير القسري : (الإخلاء القسري وغير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها ، و هي ممارسة مرتبطة بالتطهير و إجراء تقوم به الحكومات أو المجموعات المتعصّبة تجاه مجموعة عرقية أو دينية معيّنة و أحياناً ضدّ مجموعات عديدة بهدف إخلاء أراضٍ معينة لجهة بديلة أو فئةٍ أخرى )
كذلك فأن نظام روما لعام 1998 يعتبر التهجير القسري جريمة حرب ( إن إبعاد السكان أو النقل القسري متى أُرتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجّه ضدّ أي مجموعة بشرية من السكان المدنيين يُشكّل جريمة ضدّ الإنسانية ) .
اضافة الى ذلك, فإن اتفاقية الأمم المتحدة ( إتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية - 1948) اعتبرت الأفعال الآتي ذكرها اذا ارتكبت بقصد التدمير الكلّي او الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية بمثابة إبادة جماعيّة ( ٣- إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليّاً أو جزئيّاً )
وما العمل:
في الوقت الذي يتحمل السياسيين ووجهاء الشعب مسؤولية العمل على ايقاف التغيير الديمغرافي ومنعه و(مكافحته) لأن لديهم من الوسائل والامكانات المادية والمعنوية وعليهم توجيهها بهذا الاتجاه إلا أن الواقع يقول انهم لا يجيدون سوى صرف الكلام والذي يقع في باب النحيب وهذا لا يعالج المشكلة. بل ليس من العقل القاء كامل المسؤولية عليهم ونترك الشعب أيضا يتهرب من مسؤوليته في هذا الأمر إذ على الشعب أن يتحمل مسؤولية تنمية الشعور الانتمائي والضغط على السياسيين واجبارهم بترجمة اقوالهم الى افعال والتفكير بالشكل الصحيح في كشف الوسائل والطرق والأساليب التي يتبعها القائمين على عملية التغيير الديمغرافي ودراسة أسبابها والعوامل التي تساعدهم على هذا الفعل وإيجاد الحلول لمقاومتها بل ووضع الحلول لكل الاحتمالات التي قد تكون في صالحهم مع مواكبة التطورات على أرض الواقع.
المطلوب من هذا الموضوع:
اولا: على المؤسسات السياسية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بشؤون المسيحيين في العراق تثبيت الوقائع والأرقام ان امكن في (العدد ، الكثافة ، التوزيع ، النمو ، الحجم ، الهيكلية ، التنمية ، التعليم ، التغذية ، الثروات ، الولادات ، الوفيّات ، الدخل) في مناطق تلكيف وبرطلة والمناطق الأخرى التي حدثت فيها عمليات التغيير الديمغرافي والمناطق التي تجري فيها حاليا هذه العمليات في الأزمنة الحديثة و بأعتقادي يمكن الحصول على الكثير من المعلومات من مستندات الكنائس و دوائر النفوس والبلدية القديمة والحديثة وعمل المقارنة ثم الطلب من القانونيين عمل دراسة قانونية وتقديمها الى الحكومات المحلية والمنظمات الدولية ومراكز التأثير على القرار السياسي العالمي.
ثانيا: وفي نفس الوقت, على الشعب الضغط على الحكومات المحلية والمؤسسات السياسية والمنظمات الإنسانية والكنيسة (حيث هذه الجهات هي القابضة على الإمكانات المادية المتوفرة) لتوجيهها نحو القيام بنهضة اقتصادية بغية الاستمكان الاقتصادي والمالي والاجتماعي والمعنوي لأبناء شعبنا - لدينا من الدليل والبرهان ان منطقة بغديدا ذات الموقع الاقتصادي القوي قد استطاعت أن تطبق مبدأ (عدم السماح لغير المسيحيين من شراء أملاك المسيحيين وقد ألزمت مكاتب العقارات في المنطقة بهذا المبدأ - واعتقد حتى دوائر التسجيل العقاري ايضا) في حين المناطق التي جرى ويجري فيها عمليات التغيير الديمغرافي هي شبه فاقدة للقدرة الاقتصادية لذلك فإن أملاك المسيحيين يكون من السهل الحيازة عليها من قبل الآخرين.
ورغم ثقتنا بوعي وثقافة ابناء شعبنا وسلوكهم الأخلاقي العالي إلا أنه يجب مراقبة من تسول له نفسه او يتم شراء ذمته ليلعب دور سماسرة الارض, لذلك يجب ان لاتغفل لنا عين على ذلك.
وفي الختام, وبالنظر إلى الوضع العام في المنطقة نلاحظ هنالك نوايا خفية لدى القوى الكبرى من أجل تغيير ملامح الخارطة السكانية بما يلامس كافة شرائح المجتمع وغالبا باعتماد الطريقة العسكرية ولكن المسيحيين فهم خارج موازين القوى العسكرية حيث لا يمتلكون سوى وحدات عسكرية بسيطة تقوم بمهام الحراسة على بعض مناطق تواجدهم هذا من ناحية ومن ناحية اخرى حبهم للمشاركة ضمن القوات العسكرية النظامية بما يؤمن مساواتهم مع الآخرين ضمن القوى الوطنية.
ملاحظة: كان من الأفضل أن يكتب هذا الموضوع بصيغة بحث ويقدم الى الجهات المعنية ولكن لضيق الوقت لم اتمكن من ذلك ولأهميته كتبت هذه الورقة المختصرة لتكون في متناول من يريد أن يبحث الأمر بشكل تفصيلي أكثر. مع الاحترام والتقدير