July 21, 2012
الانقلابات العسكرية والديمقراطية على حد سواء!
ويمكن تسمية عنوان هذه المقالة بالآتي (هل هنالك فرق بين الانقلابات العسكرية والديمقراطية في بلدي العراق) وسأحاول أن أجد أوجه التشابه بين الصيغتين المذكورة أعلاه بالرغم من الأختلاف الجوهري بين المصطلحين(الانقلابات والديمقراطية) من حيث السلوك والهدف . ولكننا للمقارنة أيضا، فسنحاول ايضا اِيجاد ما اِذا كان هنالك فرق ما بين الانقلابات العسكرية والديمقراطية المنتهجة في العراق وبعض الاقطار الشرق أوسطية التي لاحتها بما يسمّى بالربيع العربي الذي بدأت أوراقه الخضراء تتساقط وقبل أن يأتي الخريف عليها، لسيطرة الثقافة الوحدوية التسلطية (Unitary)، والتي لا تختلف عن سابقاتها من الأنظمة التي حكمت هذه البلدان، وبين الحكومات المشكّلة على أساس الديمقراطية سوى بالشعارات وبتبادل الوجوه. وللمقارنة ايضا مع الدول الاخرى المتطورة التي تنتهج مبادئ الديمقراطية لخدمة شعوبها التي تقاس من خلال سلوك شعوبها وقبل سلوك حكامها، وسنأتي بمثال لشعب نموذجي ديمقراطي بكل معنى الكلمة، ليسهّل علينا ما ذهبنا اليه من قصد في هذه المقالة.
شعب تسعفه أخلاقه ففي خضم الاحداث المروّعة التي مرّ بها الشعب الياباني عندما اِجتاحته أمواج عالية وعاتية من مياه تسونامي والتي أغرقت لأماكن وعدة مدن يابانية وبصورة هستيرية، والتي قتلت وشرّدت للألوف من أبنائها بالأضافة الى مصاحبتها، هيجان المفاعل النووي في اِحدى مدنهم وقبل فترة قصيرة لا تتعدى السنتين . ولكن كان العجب وكل العجب في ردود أفعالهم الانسانية الرائعة والنابعة بالتأكيد من معتقداتهم الدينية (الكافرة مع أسفي) والاجتماعية المدنية، والتي اِنعكست على سلوك الناجين منهم وبقية شعبهم المقدام . ولست هنا في معرض سردها جميعا، بل أكتفي بذكر هذا التقرير الذي صدر في حينها من اِدارة الشرطة اليابانية والمتضمن بقيام المواطنين اليابانيين بأعادة المبالغ التي قدرت بحوالي (86) مليون دولار والتي جمعت من مخلفات جثث الموتى الذين لاقوا حتفهم من جراء غمرهم بالمياه واِستنشاقهم للأبخرة التي تسرّبت من المفاعل النووي والمصمم للاغراض السلمية والتي أصبحت بغير سلميّة وعلى حسابات غير متوقعة، لم يحسب له حساب والخارجة عن اِرادتهم لكونه قدر محتوم.
وما الذي يميّز سلوكهم في ذلك؟ ولكن بالمقارنة، والذي يحدث عندنا في بلدان العالم الثالث ومنها قطرنا العزيز هو قيام المواطنين الذين يسلمون من حوادث الانفجار ومن الذين يهرعون لموقع الحادث ايضا، نسمع عنهم بقيامهم بنشاط تنافسي في عمليات نهب وسلب المجروحين والموتى وبكل جرئة ووقاحة وأمام أعين الشرطة والمسؤولين.
وهذا الفرق في الموقفين جعلني أن أقارن عن أحد الاسباب المهمة التي تجاوزت اليابان محنتها، وما دلالة ذلك الاّ في اِعادة اِعمار المدينتين المدمّرتين بعد تعرّضها الى التفجير النووي في سنة 1945م والذي اِستطاع شعبها بأحيائها وبالتكنولوجيات الحديثة التي ستقيهم من كل عدوان مقبل عليهم، اِن كان نووي او زلزالي طبيعي او تسونامي بحري، والفضل في ذلك يعود بالدرجة الاولى على اِنعكاس صفاتهم الاخلاقية والسلوك الحسن بالتعاون فيما بينهم في أوقات الشدة، اِن كانوا من نفس المدينة أو من القادمين اليهم من المدن الاخرى في بلدهم. والذي يضاعف من المساهمة في ذلك، علمائهم ومفكريهم وقادتهم للتفكير بالابداع والتطوير وذلك لتعويض هذا الشعب الراشد الذي يستحق التضحية بنظرهم وأن يفعلوا المستحيل من أجل خدمته. وهم حاليا متكاتفين لأعمار مدنهم المدمرة نتيجة التسونامي الاخير ووفق مخططات وتصاميم تجعل بناياتها تقاوم هكذا أقدار طبيعية وغير طبيعية مدمرة.
من يصنع من؟ وعليه فأنه ليس الحكومات هي التي تصنع شعوبها، واِنما الشعوب هي التي تصنع الحضارة والتاريخ والتطور في كافة ميادين الحياة ومنها ينعكس سلوك حكامها. وكما قال الشاعر العظيم احمد شوقي (واِنما الامم الاخلاق ما بقيت.. فاِن هم ذهبت اخلاقهم، ذهبوا ). وعليه فأننا قبل ان نعاتب ونتشكى من الحكومات المختلفة والمتخلفة والتي توالت على بلدنا ، فعلينا مراجعة ذواتنا وتصحيح وضعنا ونفسياتنا ، بنخل الطحين عن الزوان في سلوكنا وأعمالنا وقبل أن نشخّص الاخرين. وبعدها ننظر الى حقوق الاخر والذي يعكس ملامحنا المطمورة فيها لعلامات آثار خلق الله فينا، بعد ان خلقنا كبشر جميعا وعلى صورته ومثاله. وبمعنى ذلك، جعل الانسان كائنا حيّا عاقلا وخالدا وسيدا على هذه الارض وعلى جميع مخلوقاتها، عندها سنشعر بأن هذا الانسان مهما كان من اِنتماء ديني أو اِجتماعي أو سياسي أو طائفي، فهو متساو معي في الحقوق والواجبات. ولكي يشعر المقابل بأنه اِنسان وكأي اِنسان متكامل ومن الدرجة الواحدة معي (لا أولى ولا ثانية ولا.. ولا) وله الحق أن يعيش في بلدي أو أي بلد آخر أقابله ومثلما أريد أن أعيش أيضا.
الحكومة حاليا وبعدها فالحكومات التي توالت على بلدنا اِن كانت عبر الانقلابات العسكرية أو المدنية أو بالطريقة الديمقراطية فصدقوني هي نفسها نفسها ، لأنها وليدة هذا المجتمع ومنه أتت واِستلمت زمام السلطة . فأن كان الشعب سارقا حاقدا لايقبل آلاخر(حاشه الطيبين منهم)، فهكذا ستكون حكوماته سارقين لخيرات البلد بالرغم من اِن بلدنا وارداته الشهرية من البترول تصل لعدة مليارات من الدولار(آسف لا تحضرني الارقام الصحيحة)، ولكن هنالك اِحصائية للامم المتحدة تشير الى اِن 23% من أفراد الشعب العراقي يعيشون تحت خط الفقر، ينامون بدون عشاء.. فكيف يحدث ذلك اِن لم تتسرب هذه الواردات من المؤتمنين عليها وهم بغير مؤتمنين، وكشوفات حساباتهم في خارج القطر خير دليل على ذلك، بعد أن كان معظمهم ليس له حساب بنكي ولم يسمع به أساسا ولم تطأ قدماه عتبة تلك البنوك وقبل أن يدخل في سدّة الحكم. وسبب ذلك يعود الى اِن أفراد هذه الحكومات ورثوا سلوكهم من هذا الشعب وكما قلنا (حاشه الطيبين منهم) لا بل اِنتهجوا صفات الحقد والكراهية والصرامة لكل من يقف في طريقهم اِن كانوا صالحين أو طالحين. وبعد أن خليت الساحة لهم ولكنهم في صراع دائم فيما بينهم والبقاء للأقوى وكأننا في شريعة الغاب والعالم في بدايات القرن الواحد العشرين، متستّرين بتسميات طائفية ذات الثقافة الوحدوية المتسلطة ليقتات الاخرين مازاد منهم، ومن مبدأ: هذا اليوم يومنا، وين ما توصل خلّيها توصل. ومن المثل الشعبي القديم (السبع من يعبّي بالسكلّة ركّي).
المطلوب تصحيح البشر وعليه فأن سلوك الانسان هو الذي يتحكم بعظمة اِنتمائه اِن كان الشعب في آسيا أو أفريقيا أو في هونولولو، ولذلك فليس بالمستغرب أن ينهض شعب اليابان ليبني ويعمّر ويعوّض شعبه عن مآسيه، بالرغم من كوارثه الخارقة الخارجة عن اِرادتهم. وبين العراق الذي شعبه المتمثلة بحكومته هو الذي يصنع كوارثه وصعوباته بيديه لأفراد شعبه وما هي المفخخات والمتفجرات التي يروح ضحيتها الابرياء خير دليل على فعلتهم وبأتهام احدهما للآخر وبكل وقاحة وصلافة. بالاضافة الى الخدمات ومنها الكهرباء المنقطع عن الابرياء لأكثر من 9 سنوات ومعظم أموال اِعادته، تذهب في جيوب الحرامية الرسميين وفي حساباتهم الخارجية. وفي حال بقاء هذه الحكومات والتي تتداور على السلطة فيما بينهم، اِن كان في الحكومة المركزية أو اِقليم كردستان وحتى اِن تغيرت أو أتت غيرها والتي ستكون جائعة اكثر وستزداد الكارثة أيضا. فواقعنا سيبقى نفسه، وما علينا الاّ ان نقرأ السلام عليه في بلد ضائع فيه السلام.
اِنّ الموضوع يحتاج برمّته الى تصحيح جذري اِن كان دينيا أو اِجتماعيا أو سياسيا اِن أراد شعبنا الحياة، وبعدها اِقتصاديا لما يمتلكه بلدنا من خيرات طبيعية منّها الله علينا مشكورا (وتخيّل لولاها ما كان ليحدث؟) والتي منها يمكن أن يعيش شعب الهند برمّته ، وليس الصين لكي لا نبالغ. ودمتم
عبدالاحد قلو