سهل نينوى: منطقة آمنة للمسيحيين أَمْ إحتلال حقول النفط؟ -الفصل الثاني-

Mar. 09, 2015







د. عبدالمسيح بويا يلدا

ميزوبوتامية قبل عصر النهضة:

منذ القدم عرفت شعوب العالم بلاد ما بين النهرين لانه كان يقع في وسط الطريق التجاري بين الصين والهند من الشرق و اوروبا من الغرب. سُميَ ذلك الطرق بـ طريق الحرير لان من خلاله كانت اوروبا تستورد الحرير من الصين (اكتشف الصينيون صناعة الحرير بأكثر من الفي سنة قبل الميلاد) حوالي سنة 3000 قبل الميلاد). إشتهر طريق الحرير التجاري منذ القرن الخامس قبل الميلاد والى عصر إكتشاف وسائط النقل الحديثة. طريق الحرير كان عبارة عن خطين رئيسيين بين شرق العالم وغربه وكانت ترتبط بالخطين الرئيسيين شبكة من الطرق الفرعية للدول التي كان الطريق التجاري يخترقها (ممكن طلب معلومت إضافية عن طريق الحرير من كوكل او ياهو بعبارة طريق الحرير او بالانكليزي سيلك رود).

في عصر النهضة الاوروبية بدأت رحلات استكشاف اشعوب الغير المعروفة كالأميركيتين وأستراليا ونيوزيلاندا وعشرات الجزر في المحيطات والبحار. وجرت العادة في وقتها على ضم مدن ودوَلْ الشعوب المـسْـتَــكْشَـفَـة حديثاً الى سلطة الدولة التي إكتشفتها. في اوروبا إشتهرت بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال وهولندا بإستعمار دول واقاليم بعيدة عن حدودهم الجغرافية. بريطانيا لأن بريطانيا كانت قائدة العالم الاستعماري لذلك "حجزت" لنفسها دول ومساحات شاسعة في شرق العالم مثل الهند و استراليا ونيوزيلندا و باكستان ودولاً افريقية و في غرب العالم امريكا وكندا. وكانت الدول الاستعمارية تهتم بالدول الغنية بمواردها او لآهمية موقعها الجغرافي.

واحدة من الممارسات الثابثة ألتي تكررت من قبل بريطانيا كلما إحتلت بلداً أخراً كانت تجنيد ابناء تلك الدول لغرض إستعمالهم في إنجاح إحتلاها والسياسة الثابتة الثانية كانت إختيار مجموعة سكانية مرفوضة محلياً ودفعها للواجهة إعلامياً وفرضها بالقوة على الأغلبية المطلقة التي ترفض الأحتلال البريطاني. عندما هيمنت بريطانيا على الهند أسمتها "درة التاج البريطاني" لأن الهند كانت غنية بمواردها الطبيعية والمعادن الضرورية للصناعة البريطانية. بالأضافة الى ذلك جَـنْـدَـت بريطانيا عشرات الآلاف من الهنود في جيشها لتوسيعه في اسيا والمحيط الهندي.

مع بدء الحرب العالمية الأولى في تشرين أول عام 1914م جلبت بريطانيا قطعات من جيشها في الهند وكان يتألف من خليط من بريطانيين وهنود سموا بجيش الليفي. وبسبب قلة خبرة الهنود في التعامل مع العراق بتنوعه القومي والاثني عمدت بريطانيا الى تجنيد ابناء الفقراء في المناطق المحتله واستخدامهم في قمع تطلعات الشعب العراقي في محاربة الإستعمار البريطاني الجديد الذي أصبح بديلاً للأستعمار العثماني.

في الحرب العالمية الأولى هاجمت روسيا الدولة العثمانية في المنطقة بين أذربيجان وايران وتركيا، بينما هاجمت بريطانيا من جنوب العراق في البصرة.

مع بدء الحرب العالمية الأولى في تشرين أول عام 1914م جلبت بريطانيا قطعات من جيشها في الهند وكان يتألف من خليط من بريطانيين وهنود سموا بجيش الليفي. وبسبب قلة خبرة الهنود في التعامل مع العراق بتنوعه القومي والاثني عمدت بريطانيا الى تجنيد ابناء الفقراء في المناطق المحتله واستخدامهم في قمع تطلعات الشعب العراقي في محاربة الإستعمار البريطاني الجديد الذي أصبح بديلاً للأستعمار العثماني.

وبعد حوالي شهرين تمكنت القوات البريطانية من سيطرتها على البصرة بإسناد من الشركات التجارية البريطانية ومجموعة الجواسيس العاملين في القنصليات البريطانية، إلا أن القوات الغازية منيت بخسائر منكرة على يد القوات العثمانية في موقعين الشعيبة في نيسان 1915 وعلى تخوم مدينة الكوت بوصفها الخط الدفاعي الأخير لبغداد عسكريا، حيث حُـصِـرَت القوات البريطانية أربعة أشهر مما أدى إلى استسلامها للقوات العثمانية في نيسان 1916م. ذلك دفع بريطانية الى جلب قوات إضافية من الهند لِـمواصلة إحتلالها للعراق.

لكن بالنسبة لمُـجْـريات الحرب العالمية خارج العراق، فأن تركيا إنهزمت في جبهتها الشرقية امام روسيا في أذربيجان وشرق الأناضول و في جبهتها الغربية هُـزِمَت تركيا في البلقان و ثم وانهارت ألمانيا حليفة العثمانيون. ذلك ادى إلى تقهقر القوات العثمانية مما فتح الطريق امام بريطانيا للدخول الى العراق حيث وصلت قواتها الى مشارف بغداد في آذار عام 1917م، ثم إلى مشارف كركوك في آب 1918م، و من مدينة الموصل العثمانيون إنسحبوا بدون إقتتال بعد وقف القتال و التوقيع على هدنة بين الطرفين.

إنتهاء الحرب العالمية الأولى وهدنة موردوس بين الحلفاء والدولة العثمانية:

بعد هزيمة العثمانيون في المنطقة العربية وهزيمة المانيا حليفة العثمانيون في أوروبا تم عقد هدنة موردوس بين الحلفاء والدولة العثمانية، بموجب بنود المعاهدة أُجبرت قوات الاحتلال العثماني الى الانسحاب من العراق كلياً وايضاً من الموصل.

بريطانيا حاولت ان تمسك بزمام الأمور في المنطقة العربية من خلال بناء علاقات خاصة مع شيوخ العشائر. في العراق كانت التركيبة العشائرية متنوعة ولم تنجع محاولات بريطانية ان تجمع ولاء كل العشائر تحت قيادة عشيرة واحدة كما حصل فيما بعد في دول الخليج الصغيرة. بالأضافة الى ذلك فأن الشعب العراقي بتنوعه القومي و الديني المحافظ كان يَـرفض الاحتلال البريطاني الذي يختلف قومياً و دينياعن تركيبة المُجتمع العراقي. ثم إن كافة رجال الدين المسلمون السنة والشيعة أفتوا في خُـطَـبْ الجمعة حول ضرورة الجهاد لطرد الاحتلال البريطاني "الكافر" من العراق. بالتأكيد رجال الدين وبشكل عام لا يريدون الانفتاح على الثقافات الاخرى حتى وإن كانت مسالمة و غير إستعمارية حتى لا يحصل وعي سياسي بحيث إن الناس يرفضون فتاوى الشيوخ الغير العلمية والغير المنطقية.

بالإضافة الى التعبئة الدينية العامة في العراق ضد الاحتلال البريطاني كان هناك محور سياسي وعسكري آخر يطالب بخروج بريطانيا من العراق تقوده أعداد كبيرة من الضباط (العرب السنة) ذوي الخبرة العسكرية والسياسية الذين خدموا عقودا في الجيش العثماني و كانوا يطمحون إلى تأسيس جيش عراقي بقيادتهم يٌحافظ على أمن العراق.

الصراع بين بريطانيا والعثمانيين حول السيطرة على الموصل:

في أحداث الحرب العالمية الاولى أُجبر الجيش العثماني على الانسحاب من مدينة الموصل بحسب بنود هدنة مودروس حيث دخلها الجيش البريطاني في 5 تشرين الثاني 1918. طُرحت مشكلة الموصل للمناقشة في مؤتمر لوزان الأول الذي عقد في تشرين الأول 1922 وتقدم الطرفان التركي والبريطاني بمذكرات احتوت على حجج الطرفين وكل واحد منهما يؤكد أحقيته بالولاية. وفي مؤتمر لوزان الثاني 23 شباط 1923 أثمرت ضغوط الحكومة البريطانية بأحالة القضية الى عصبة الامم, وقد بدأت المفاوضات في 19 أيار 1924 في مؤتمر القسطنطينية فيها ذكر المفاوض التركي فتحي بك أسماء بعض الوجهاء الذين يرغبون بانضمام ولاية الموصل الى تركيا، المفاوض البريطاني السير برسي كوكس كذّـب إِدعاء المفاوض التركي وهكذا لم يتم التوصل الى تسوية بخصوص الموصل فأحيلت القضية الى عصبة الامم. قررت عصبة الأمم في 30 إيلول 1924 تكليف لجنة دولية لدراسة المشكلة تألفت من ثلاث أعضاء أحدهم مجري والآخر سويسري والثالث بلجيكي. والملاحظ أن أعضاء اللجنة ينتسبون الى دول صغيرة واحدة حليفة لبريطانيا والثانية لتركيا والثالثة محايدة. ثم تدهور الوضع على الحدود العراقية التركية فعقد اجتماع طارئ لمجلس العصبة في بروكسل يوم 27 تشرين اول 1924 استعرض فيه ممثلا بريطانيا وتركيا النزاع الحدودي بين العراق وتركيا واقترح المجلس رسم خط للحدود يمثل الحد الاقصى لكل طرف يسمح له باحتلاله وأن يحترمه الطرفان عسكرياً وادارياً وكان هذا يمثل قرار المجلس النهائي وقد وافق الطرفان على خط الحدود الذي أصبح يعرف بـ خط بروكسل.

في هذه الفترة كان هاجس الخوف يسيطر علي العراقيين من ضياع الموصل بما فيهم الملك فيصل الذي كتب تقريراَ الى اللجنة يوم وصولها الى بغداد في 16 كانون الثاني 1925 جاء فيه:

أعتبر الموصل للعراق بمنزلة الرأس لسائر الجسد واعتقادي الراسخ هو وأن كان الموضوع تعيين الحدود بين العراق وتركيا الاّ أنه في الحقيقة موضوع يخص العراق كله ولذلك فان سعادة وشقاء أربعة ملايين من البشر هي الآن بين يدي لجنتكم العالمية.

ثم زار الملك فيصل الموصل و كركوك قبل مجيء اللجنة الدولية. وصلت اللجنة الدولية الى بغداد في 16 كانون الثاني 1925. وصلت اللجنة الى الموصل في 17 كانون الثاني 1925. في الإجتماع حصلت بعض الحوادث والمراشقات الكلامية بين مؤيدي الطرفين وحاول بعض السكان الاعتداء على الوفد التركي, لذلك قررت اللجنة أن تجري تحقيقاتها حول الموصل بعيداً عن الموصل. حصل إستفتاء اللجنة في لواء كركوك في 12 شباط 1925 للاستماع الى شهادة الشهود حول هل يريدون بقاء الموصل تحت الحكم العثماني ام وضعها في خارطة العراق. ولم يكن لدى اللجنة التركية قائمة للشهود في كركوك لذلك تم اختيار سبعة أسماء كيفما اتفق وبعد ان تم مقابلة هؤلاء كانت النتيجة إنه خمسة فضلوا العراق من أصل سبعة (رغم أن أغلبية المستفتى معهم كانوا تركمان). واصلت اللجنة استفتاءها في القرى المحيطة بالمنطقة ومرت بالقرى الكردية والعربية والتركمانية وكانت نتيجة الاستفتاء في الارياف وطنيا وأفضل بكثير من داخل المدن والسبب إن أهل القرى فضلوا عدم العودة الى تركيا بسبب كثرة الضرائب التي عانوا منها في ظل الحكم التركي فضلاً عن أسلوب جبايتها. أمة اهل المدن من التجار والبرجوازيوين فأن بريطانيا حاولت إغراءئم بإمتيازات مادية لتنشيط الإستيراد من بريطانيا.

بعد جولات اللجنة في كل من الموصل وأربيل وكركوك والسليمانية عادت مرة أخرى في 5 أذار 1925 الى الموصل لكي تقوم باستفتاء في زاخو ودهوك وقد انتهت العملية بعد عدة أيام وبذلك تكون اللجنة قد استغرقت ما يزيد على الشهرين في ولاية الموصل (لواء كركوك كان يتبع ولاية الموصل).

كتبت اللجنة تقريرها الكامل الى العصبة في 17 تموز 1925 وقُــدِّم الى مجلس العصبة في أيلول 1925 وقد تضمن تقرير اللجنة خلاصة مفادها تثبيت خط بروكسل خطاً نهائياً للحدود بين العراق وتركيا (موصل داخل خارطة العراق) ويكون هذا الحال بشرطين الاول هو أن تبقى المنطقة موضوع النزاع تحت وصاية عصبة الامم المباشرة لفترة يقترحون تحديدها بعشرين سنة والثاني يجب النزول الى رغبات السكان وخصوصاً الاكراد وتعيين الموظفين الاكراد في المناصب الادارية والقضائية والتعليمية وجعل اللغة الكردية لغة رسمية في هذه الادارات والمدارس.

أعترضت تركيا على هذا القرار لذلك أحيلت القضية الى محكمة العدل الدولية في لاهاي لتوضيح صلاحية العصبة وأسلوب اتخاذها للقرار في قضية الموصل وفي أواسط تشرين الثاني 1925 أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي استنتاجاتها بخصوص المشكلة التي قدمتها عصبة الامم ومما جاء في هذه الاستنتاجات- أن القرار الذي صدر عن مجلس العصبة ملزم لكلي الطرفين ويكون تحديداً نهائياً لخط الحدود بين تركيا والعراق ويجب أن يكون هذا القرار إجماعيا ولممثلي الجانبين المتنازعين الحق في الاشتراك في التصويت في مجلس العصبة على أن لايؤخذ صوتهما بالحسبان في حالة تعارضهما مع آراء أعضاء المجلس الآخرين.

وفي 16 كانون الاول 1925 اتخذ مجلس العصبة قراراً تاريخياً بأبقاء ولاية الموصل جزءاً من العراق على شرط أن تعقد معاهدة بين بريطانيا وتركيا حول القضايا الاقتصادية وحول أدارة ولاية الموصل وأن تعطى نسبة معينة من شركة النفط التركية التي تعمل في أراضي الولاية الى الحكومة التركية وأن تعقد معاهدة أيضاً بين بريطانيا والعراق خلال ستة أشهر وبذلك تكون مشكلة الموصل قد حلت نهائيا.

إن أهم ما يلاحظ في ذلك هو إصرار بريطانيا على ضم الموصل الى العراق وكان سبب ذلك هو ما مخمن وجوده من نفط ومن موارد معدنية في أراضي الموصل.

انتهاء مشكلة الموصل تم التفاوض مع بريطانيا حول مساعدتها في حصول العراق على استقلاله التام و قبوله عضواً في عصبة الامم. في 30 حزيران من 1930 تم التوقيع على المعاهدة العراقية البريطانيا التي نصت على عقد حلف بين بريطانيا والعراق لمدة 25 سنة، وفعلاً تم قبول العراق عضواً في عصبة الامم في 3 تشرين اول 1932 وأصبح دولة مستقلة.

وبعد ان تم حل مشكلة الموصل عزم أحرار العرب المنتمين للجمعيات السرية المنادية البى استقلال العراق والولايات العربية الأخرى عن الدولة العثمانية على المطالبة بديار بكر وضمها للعراق لاحقا كونها تاريخيا عربية وتتضمن عشائر عربية كبرى وهي تقع شمال ولاية الموصل.