بين ديالكتيكية " سامي " وتفسيري للنهضة الكلدانية «
في: 15.08.2015 في 09:00 »
بين ديالكتيكية " سامي "
وتفسيري للنهضة الكلدانية
د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي
وقد أطلعت على تعقيب الاخ الكاتب سامي المرقم 39 ضمن تعقيبات مقال الشماس القدير بطرس آدم الموسوم " هل الرابطة الكلدانية هي ثمرة مؤتمري النهضة الكلدانية ؟ " . وأبدى العزيز سامي رأيه وأنا أحترمه وأن أختلف مع رايي كليا . فهنا الكاتب وكل أنسان حر لابداء الرأي في مسألة ما .
كنت أتمنى من الاخ سامي أن يدحض تفسيري للنهضة الكلدانية بأنها نكسة كلدانية بحجج علمية مستندة الى النظريات العلمية ،وبخاصة نظريات ومدارس علم الاجتماع طالما أني مختص فيه .وفي الوقت الذي كونت أنطباع أيجابي عن الاخ سامي لرزانته وهدوئه في أبداء رأيه وبعيدا عن الشخصنة ، ولكن هذه المرة اراه قد خالف قاعدته الذهبية بقوله:
" مقال الاخ العزيز عبدالله رابي ينفي أستيعابه لقوانين الديالكتيك وتحديدا قانون تحول التراكم الكمي الى النوعي ،أضافة لقانون نفي النفي والتطور الحلزوني ،ولعدم استيعابه المقولة الفلسفية للعلاقة بين السبب والنتيجة" ويبرر بنفسه عدم مقدرتي لاني غير ملم بالفلسفة. ولكن مع هذا سيظل أنطباعي أيجابيا.
عزيزي سامي المحترم
الديالكتيكية ،منهج ليس محصورا في الفلسفة فقط ،وأنما هي طريقة تستخدمها العلوم الاجتماعية والانسانية في تفسير الفعل الاجتماعي ،ولكن هذه الطريقة قد عفى عليها الزمن فاصبحت مادة تعطى للطلبة في الاقسام العلمية الاجتماعية كمدخل لدراسة النظرية الاجتماعية أو المدارس الفكرية .فهنا سوف لا أوضح ماهية هذه المدرسة لانه كما يبدو متأثرٌ بها وتمتلك عنها المعلومات وأعتقد كل القراء الاعزاء لهم المام بها لانها معروفة في الوسط الثقافي .ولكن سأهتم بتقديم فكرة مقتضبة جدا عن محاولات تفسير الفعل الاجتماعي ،والنهضة الكلدانية هي أحدى هذه الافعال ،خطوة خطوة .فسوف يتضح لك وللاخوة القُراء الفرق بين مسألة أبداء الرأي لاي كاتب غير أكاديمي مع جل أحترامي للجميع وتفسير الاكاديمي ورأيه ، بالاضافة أنه سيتضح الفرق بين رأي الشماس المحترم بطرس آدم وتفسيري لموضوع النهضة الكلدانية مع جل أحترامي له فهو حر في أبداء الرأي .
دراسة الظاهرة الاجتماعية أو الفعل الاجتماعي مرت بمراحل فكرية متعددة ،بدأً بالمرحلة السحرية ،وثم اللاهوتية ، وبعدها الاستنباطية الفلسفية واخيرا الوضعية التي تحصر نفسها في حدود التجربة وحدها ولا تتجاوز عالم الاشياء العينية التي تدركها الحواس . ،بدأت حينما أنفصلت العلوم عن الفلسفة الام بعد أن أطلع علينا فرنسيس بيكون ورينه ديكارت وسان سيمون نظرياتهم في طريقة دراسة الظواهر تأثرا بالعلوم الطبيعة ،وثم بدات الدراسة الوضعية للفعل الاجتماعي بعد أن أطلق أوكست كومت الفرنسي قانونه الشهير في تطور العقل البشري وسمى لاول مرة في التاريخ " علم الاجتماع " بدلا من الفيزياء الاجتماعية ولو للامانة العلمية أن العلامة أبن خلدون سبق جميعهم باربعة قرون ،ولكن العرب لم ينتبهوا لذلك الا بعد ان نبههم علماء الغرب..وفي البداية الوضعية في الفكر الاجتماعي ولغاية منتصف القرن العشرين كانت أفكار العلماء متأثرة بالفلسفة فكانت دراستهم تمزج بين الاستنباطية والاستقرائية في التفسير.وأقدم نخبة مختارة من هؤلاء لتتبين الخطوة هذه :
أوكست كومت ،وأنطلق من العقل البشري. ماكس فيبر ،أنطلق من القيم ، كارلس ماركس وأنطلق من الحتمية التاريخية المادية المتأثرة بفلسفة هيكل وفيورباخ .أميل دوركايم وانطلق من الحقائق الاجتماعية . وجوج زمل وأنطلق من الشكلية للفعل الاجتماعي ومعه فرديناند تونيز ،وفلفريدو باريتو ،أنطلق من النخبة والقوة .وسيجموند فرويد ،أنطلق من الحتمية الجنسية أي الغريزة الجنسية هي المحرك لنشاط الانسان واساس كل ظاهرة بما فيه الاديان والسياسة .وهربرت سبنسر وأنطلق من البايولوجية بتشبيه المجتمع بالكائن الحي .وتالكوت بارسونز وانطلق من الحتمية الثقافية .وجورج هربرت وآخرون في جامعة شيكاغو أنطلقوا من الرمزية والايكولوجية. وجدنز من اللغة ،وروبرت ميرتون من الوظيفية وكوفمان وآخرون من نفي النفي الصراعية. وهوسلر ، الظاهراتية ،وهناك كم هائل لا اريد أن أثقل على القارىء.
فأنظر أخي القارىء وبالذات أخي سامي على ما قدمته من علماء كل واحد منهم حاول تفسير الظاهرة الاجتماعية من منظور وأجتهاد معين أو حتمية ما كما دونت أمامهم .
وقد صنف المهتمون بالنظرية والبحث العلمي المدارس الفكرية لهؤلاء وفقا للآليات المستخدمة في التفسير النظري وهي : المدرسة الوظيفية ، المدرسة الصراعية ، المدرسة الرمزية . البنائية ، الظاهراتية الابستميلوجية .
وتدريجيا أقترب الفكر الاجتماعي الى الموضوعية أكثر ،فظهرت نظريات تفسيرية أكثر شمولية بعد أن عجزت أفكار المدارس الحتمية في معالجة والحد من المشكلات المجتمعات البشرية ،فعلى أثرها جاءت نظريات أستندت على المستجدات التطورية في المجتمع وعلى تلك النظريات الكلاسيكية المار ذكرها فظهرت ،المدرسة الماركسية الجديدة ومن روادها جورج لوكاس،وثم الماركسية البنيوية وروادها ، لويس التوسير ونيقولاس بولانتزاس ،أنطلقا من البُنى والممارسات فأنطلق ألتوسير في بناء نظريته الماركسية البنيوية من نصوص فلاديمير لينين المقدسة قائد الثورة البلشفية في روسيا وأول رئيس ساهم في تطوير تعاليم كارل ماركس خاصة في مسائل التنظيم ،وقد أضفى على تلك التعاليم ذات المنشأ الاوربي صبغة روسية ، وأستخدم مصطلح النصوص المقدسة ،ويعتبره علماء الماركسية البنيوية استخداما مجازيا وتهكميا في آن واحد .
ونظرية الاختيار العقلاني ، التي تبنتها السياسة الامريكية ولا يزال في سياستها الداخلية والخارجية في تعاطيها مع الدول ،ومنها أشتقت نظرية تبادل المنفعة ومن روادها جورج هومانز وبيتر بلاو وجون الستر وأخرون .والبنيوية اللغوية ومن روادها أيان كريب.
نظرية فرانكفورت الحديثة ومن روادها يورغن هابرماس ،منطلقا من فلسفة اللغة ،التحرر من فلسفة الوعي في تفسير العلاقة بين اللغة والفعل .ونظرية ما بعد الحداثة والتي تؤكد على النسبية في تفسير الظواهر الاجتماعية وليس الحتمية ذات التفسير الاحادي ، أي دراسة تكاملية شاملة الابعاد لكي تتحقق النتائج الموضوعية الحقيقية ومن روادها جدنز وديفيد هارفي ، ويؤكد المنظرون المعاصرين أن كل ظاهرة أجتماعية مسؤولة في تكونها عشرات الاسباب وبعضها المئات ،فلايمكن أن نحتم وجود الظاهرة بفعل عامل واحد .
وأخيرا هناك نظرية مابعد البنيوية وما بعد الحداثة كما يسميها أيان كريب " العالم وقد جن جنونه " ومن روادها ميشيل فوكو ،لو أكتب رأي هذا العالم الفرنسي عن الماركسية التقليدية والحتمية التاريحية المادية والديالكتيكية حتما " ستزعل " طالما أنك متأثرٌ بها فلا أريد ذلك فأقرأها بنفسك من المصدر أدناه .
العلماء والباحثون الاكادميين في يومنا هذا ينطلقون من المدرسة التكاملية الشمولية لدراسة الظواهر الاجتماعية وليس من الحتمية التي عفى عنها الزمن الفكري وتعد الدياليكتية واحدة منها ،فاالاتجاه الحتمي في تفسير الظاهرة الاجتماعية لا يعطينا معرفة حقيقية في كل زمان ومكان ولكل أفراد المجتمع بحيث يكون 1+ 1 = 2 عند رئيس الولايات المتحدة الامريكية وعند الفلاح العراقي سوية بل أنها معرفة نسبية .
تأمل أخي القارىء ، ماذا يحدث في التفكير البشري والكم الهائل من المفكرين والمدارس الفكرية وما توصل العلماء اليه حديثا في كل جوانب الحياة ،ونحن في عصر النسبية فيريد مني الاخ سامي أن أفسر ظاهرة تحول النهضة الكلدانية الى النكسة الكلدانية وربطها بالرابطة الكلدانية العالمية التي تبنى فكرتها غِبطة البطريرك مار لويس بنظرية الدياليكتيكية ونفي النفي التي هي فكرة تبناها المفكرين الكلاسيكيين في دراسة الظاهرة الاجتماعية وتعرضت الى الانتقادات الهائلة شأنها شأن النظريات الحتمية الاخرى ،وأترك النظريات الاخرى المستحدثة .
فمن هنا يبدأ الفرق بين الاكاديمي وغير الاكاديمي في تفسير الظواهر مع جل أحترامي للجميع ، فالاكاديمي يرجع الى ما تلقاه من خلفية نظرية شاملة ومن تواصله مع المستجدات من النظريات والاليات المستخدمة علميا ، بينما غير الاكاديمي يكتفي بأبداء رأيه فحسب ولا غير في ظاهرة ما ، وان كان متأثرا بأيديولوجية معينة فينطلق منها لابداء رأيه .
فلما كتبت مقالي الموسوم " الرابطة الكلدانية ليست ثمرة النكسة الكلدانية " وقبلها مقال آخر عن نفس الموضوع ،حاولت تجنب الولوج في دهاليز التنظير وتطور الفكر البشري لكي لا أثقل على القارىء بما لا يعنيه ،وأنه يبحث دائما عن زبدة الموضوع .وأما لماذا تغير موقفي تجاه النهضة الكلدانية وسميتها بالنكسة الكلدانية ،ساتناوله في مقال عن تفسير المواقف في علم النفس الاجتماعي قريبا .
أعتذر من الاخوة القراء عن كثرة الاسماء ولكن الاجابة كانت تتطلب ذلك للاخوين سامي وفريد وردة.
مصادر مهمة تبين تفاصيل تطور النظرية يمكن مراجعتها للاستفادة:
النظرية الاجتماعية من بارسونز الى هابرماس ، تاليف ايان كريب ،ترجمة د . محمد حسين سلوم .
وباللغة الانكليزية وهو من الكتب الحديثة جدا حول هذا الموضوع :
Modern sociological theory . George Ritzer .2008
المصدر من هنا