البلد : مزاجي : الجنس : عدد المساهمات : 8516تاريخ التسجيل : 16/06/2010الموقع : في قلب بلدي المُحتَلالعمل/الترفيه : طالب جامعي
موضوع: قراءة في واقع الهوية المسيحية في كنيسة العراق 28/11/2010, 1:32 am
قراءة في واقع الهوية المسيحية في كنيسة العراق على ضوء نمو الشعور القومي والطائفي (جزء أول)
أية قراءة منتبهة الى تاريخ بلادنا تكشف على الفور دورا وحضورا كبيراً للمسيحية في العراق. فالمسيحية دخلت العراق منذ نهاية القرن الاول الميلادي. عانت الجماعة المسيحية من صعوبات ومضايقات كثيرة دينية واجتماعية وسياسية. كانت طبيعة الحياة المسيحية تشكل مصدراً للخلاف عند الكثيرين، أفراد وشعوب. حياة المسيحي المتمركزة حول شخص المسيح يسوع والاتحاد الشخصي الحياتي به، كان ينسحب على تصرفات واقوال ومواقف المسيحي اليومية، وهذه كانت تناقض بشكل مباشر الكثير من مبادىء الحياة العامة في الدول والامبراطوريات التي وجدت فيها. هذا ما جعل المسيحية تتعرض الى الكثير من الاضطهادات في القرون الاربعة الاولى وحتى بعدها. ماذا يحدث في العراق؟ منذ عام 2003 والتغير السياسي لا ينفك يضرب كيان الكنيسة والوجود المسيحي. سقوط نظام قائم على الشمولية، ونشوء نظام قائم على التعددية؛ بروز مفهوم الطائفة الدينية والقومية؛ نظام الطائفية السياسية في تقاسم السلطة؛ اهمية المصلحة القومية والطائفية على المصلحة الوطنية؛ غياب مفهوم الخير العام من المجتمع؛ نشوء جماعات اسلامية متشددة؛ أسلمة الكثير من الاجهزة والمؤسسات التابعة الى الدولة؛ اجندات اقليمية وغربية تُفرض بالقوة؛ جهل بالمفاهيم: الديمقراطية، الدين، الشراكة، المؤسسة... الخ. كل هذا أنعكس على واقع الكنيسة في العراق.
كيف وما هي المجالات التي تاثرت بها الكنيسة؟ 1. بروز الروح الطائفية لدى بعض رجال الدين وبعض العلمانيين (القوميون الجدد). حيث بدأ الكثيرون باعطاء أهمية الى الطابع الاجتماعي الطائفي للكنيسة بعيداً عن المعاني الدينية التي من المفترض ان تكون الطائفة خادمة لها. الطائفية بالمعنى الروحي هي اعتبار الكنيسة تكتلاً اجتماعياً في الاساس يقوم تجاه تكتلات أخرى، لا يميزه عن الهيئات الاجتماعية كافة سوى شعائر فُصلت عن مضمونها ولغة أُفرغت من معناها. وقد ظهر هذا في مواقف عدّة منها: التاكيد على التسميات القومية المنفصلة؛ الاحزاب بتسميات قومية بدون مشروع سياسي مدني؛ مواقف كنسية متشنجة وغير مدروسة (فصل الكلدان عن السريان في المعهد الكهنوتي؛ تسمية مؤسسات كنسية على اساس طائفي وقومي...الخ). 2. من اهم الانحرافات في هذه الفترة هو اخضاع الكنيسة للطائفة. فالطائفة للكنيسة وليس العكس. ولكننا شهدنا العديد من رجال ورؤساء الطوائف الذي استخدموا الرسالة الكنسية ومؤسساتها لتقوية الروح الطائفية والوجود الطائفي. هذا ما دفع البعض الى استخدام المبادىء الروحية ومعانيها لخدمة الطائفة، على حساب الحياة الروحية. صارت الطائفة او القومية مصدراً للانتفاخ الاجتماعي والتباهي الفارغ. 3. فصل مقيت وقتّال للحالة القومية والطائفية عن المعنى الروحي والمسيحي الذي كان يجب عليها ان تخدمه وتقويه. يظن البعض بان أمور تخص الطائفة أو القومية يمكن ان تستعمل بشكل بعيد عن الغاية الروحية. استخدام الاوقاف المسيحية في الاستثمارات الزمنية والمدنية وبحثها من أناس لا يعرفون الانجيل ولا يهمّهم أمره. 4. تشويه الهوية المسيحية. اصبح الانتماء الى المسيح يمرّ عبر الانتماء الطائفي والقومي. صار الدفاع عن الطائفة أو القومية هو دفاع عن المسيحية. نسينا كلام يسوع وهو يقول لنا: "الويل لكم" ... "لا تقولوا إن لنا أبراهيم أباً، فان الله قادر على أن يقيم من هذه الحجارة ابناء لابراهيم" (لوقا 3/ جيد. افرغنا الشعائر الدينية من مضمونها. في حديث لي مع أحد القوميين قال لي: "ان القومية مهمة بنظره أهمية الله بالنظر للمؤمن". وهذا باعتقادي هو نكران ضمني لله ووضع الطائفة والقومية في مركزه. انه تقديم الله ذبيحة على مذبح الطائفية والقومية. 5. قتل الحريات. الايمان عطية تجعلني أنساناً حراً. أما القومية والطائفة تسلبني حريتي. ففي نظر بعض الكلدانيين المتزمتين: لا يمكن ان أكون كاهناً كلدانياً إلا اذا كنت بالقومية كلداني. أمانتي للكهنوت تمرّ عبر أمانتي للطائفة الكلدانية. اصبح الموقف الطائفي والاجتماعي يحدّد هويتي الكنسية والمسيحية. وهذا يظهر ايضاً في كثير من الارتباطات الاجتماعية على مستوى الزواج والشراكة في العمل وغيرها، حيث يفرض الانتماء الطائفي والقومي قيوداً على مثل هذه الارتباطات. 6. الدين في خدمة الطائفة. اصبح الله شعاراً وتبريراً لمواقف طائفية وقومية. فقد راينا مواقف طائفية وقومية تسخر الله لخدمة مصالح عامة وفردية. فهناك من ممكن ان يخون مبادئه الدينية من أجل "عزّة الملّة" و"رفعة الطائفة"، ويمكن ان يدوس على الكثير من الانجيل من اجل مناصب أكبر ووظائف ونفوذ وجاه. فيجب ان تأخذ الطائفة حصتها ومكانتها مهما كانت الظروف. الطائفة هي السيدة الاولى. صارت القضية قضية اقتسام مغانم باسم الله. استغلال الشعور الطائفي لتثبيت النفوذ. الاول في الطائفة هو الاول في الكنيسة. للأسف ضرب هذا حتى رجال دين ورؤساء طوائف، خلاف لما كان المعلم يسوع المسيح يريده لتلاميذه: "إن رؤساء الامم يسودونها وعظمائهم يتسلطون عليها، أما أنتم فلا يكون ذلك فيما بينكم، بل من أراد أن يكون فيكم كبيراً فليكن لكم خادماً، ومن اراد أن يكون فيكم أولاً فليكن للكلّ عبداً" (متى 20/ 26-27). وأريد أن اذكر هنا، كيف تورط الكثير من رجال الدين والمتنفذين في جمع أموال مهولة وضخمة باسم الطائفة وفقرائها، ولكنها في الحقيقة تذهب الى جيوب افراد معينة وتمنع الكنيسة من نعمة التطوّر والتقدّم. استغلال حالة الكنيسة المضطهدة والطائفة المضلومة حجة لجمع الاموال، التي في الحقيقة لا تُصرف على ابناء الكنيسة ومن اجل الاهداف الروحية، بل تستخدم لخدمات فردية وخاصة. ان الطائفة أو القومية، إذ تولّه ذاتها، تتغرب عن الله وتتغرب عن الآخرين. فالروح الطائفية والقومية تنحدر بالله الى مستوى أهواء الانسان لكي تجنبه (أي الانسان) عناء الارتقاء والتشبه باخلاق ومشاعر الله. انها تُنزل المدينة السماوية لتحولها الى مدينة أرضية بشهواتها وأهوائها، بدل أن تصعد وترتقي بالارضي نحو السماوي. اصنام جديدة ملئت عالمنا، دخلت الى بيوتنا، تعشعشة في أفكارنا، ولن يُحرّرنا منها إلا العلاقة الصحيحة مع الله وانجيله يسوع المسيح.