ذات يوم ليس ببعيد كنا في مدينة دبي العامرة التي صارت ملاذاً للصوص العراق السمان واثرياء حروبه القذرة ، في دعوة عشاء اقامها احد شيوخ التجارة السياسية بقصره الاسطوري الممتد على مساحة خمسة الآف متر في واحدة من اغلى مدن العالم بأسعار عقاراتها . كانت السيارات الفارهة التي جاءت لاصطحابي الى العشاء توحي بثراء صاحب الدعوة المهول واكثر مما ظننته وتوقعته كثيراً، او ربما لأنني من ذوي الاحلام المحدودة الذين يرون في المليون دولار ثروة مستحيلة لا ينبغي ان يراودنا طيفها حتى في المنام ، لاكتشف في تلك الليلة ان هذا الرقم الخرافي بالنسبة لنا اصبح في عرف وزمن هؤلاء الحيتان بالغ البؤس لا يذكر في حساباتهم ، حد ان أي واحد من هؤلاء اللصوص يمكن ان يدفعه ثمناً لسيارة رياضية واحدة يرغب فيها المحروس ولده على حين ضجر او رغبة عابرة !!! . كان القصر الذي تجولنا في ارجائه الفسيحة -برغبة واصرار صاحبه -صاخباً ببهرجة رسوم غالية والوان ذهب نادرة تزين زواياه واثاثه ومفارشه بطابع ملوكي استعراضي ، انتبهت الى ان مضيفنا ( الامعزب) يتعمد النظر في العيون وهو يطوف بنا في القصر لعله يعثر في وجوهنا الفقيرة المندهشة على نظرة حسد او حسرة تمني يائس ، واعتقد إنها متعة مشتركة لدى كل الاثرياء (( الي صاروا بيوم وليلة اي من جماعة شاف ماشاف )) ، واعتقد انه كان يفترض بي ذلك ، لكنني كنتُ بعيداً جداً عن كل مايدور ، مستغرقا في افكار اخرى وتداعي صور اليمة ، محسوراً مقهورا من سخافة المشهدْ الذي كنا فيهِ ، خاصةً وانا اعلم جيداً من اين له هذا كله وما هي اسرار ومصادر امواله المليارية التي جعلته - على حين فجأة - شيخاً يتغاوى بقصورهُ الممردة ، وهي ليست سوى اموال دول الثراء الخليجي التي استودعوها هذا اللص كي يوصلها لمستحقيها من المهجرين والنازحين والفقراء والمعدومين والأيتام والشيوخ والنساء والصبيان من ابناء المحافظات (الستة ) او كما تسمى بالمدن السنية ، وبلعها (شفطا) بنفس راضية وضمير مرتاح جدا ....(( وتونس ))....!!!!
لهذا كنت ارى في فخامة القصر ظلالا سوداء كثيفه تخيم في زواياه وتلقي على الوانه المبهرجة اثواب حداد ، وشعرت باصوات أنين مبهمة لأطفال جوعى يقتلهم البرد والحر ودموع امهات ثاكلات ما يزلن بانتظار جثث ابنائهنّ المدفونين تحت انقاض القصف الجوي ، تملأ سمعي وبصري ، وصرخات المعتقلين الابرياء في زنزانات الظلم والاستبداد والطغيان الذي مارسه البعض قبل 2014 ....كان مايزال يستعرض امامنا شيخ السياسة حمام السباحة الواسع الذي تتوسطه نافورة ماء ، كنت اراها في تلك اللحظة نافورة دماء ، اهدرها هذا الشيخ المجرم وامثاله بمؤامرات السياسة والآعيب الشياطين كي يبقى مسيل الدولآرات الخليجية دافقاً ثراً في جيبه وجيوب الآخرين الحرام. اشار شيخ تاجر السياسة بيده الناعمة الى القبة العالية التي تتوسط سقف السلم وكانت هناك حاملة اضواء كرستالية طويلة تتدلى من اعلى و تمتد حتى تكاد تلامس الارض ، وتملكني فزع غريب منها حين رأيتها تتبدل في لحظة لتتجسد فيها صورة جثة الأب الانباري المسكين الذي شنق نفسه في مخيم النازحين بعد ان عجز عن توفير الطعام لاطفاله الجوعى في ليلة العيد ،،، كانت الجثة ماتزال معلقة تتأرجح في فناء قصر الشيخ لأن احداً لم يجروء على انزالها بعد !!! ومن بعيد عبر النافذة العريضة لاحت لي زوجة المشنوق المفجوعة واطفاله المرعوبون ينوحون على موت الاب العاجز.....!!
انتيهت اننا ندوس على الرخام الابيض اللامع والسجادات الفارسية الثمينة المنقوشة بكل اشكال الزهور والوان الطيف الشمسي ، ولاحت لي فجأة ارض المخيم الباردة الغارقة بالوحل وهي منقوشة باثار اقدام الطالبات الصغيرة ، كانت صدرياتهن الزرقاء الملوثة بالطين في تلك الطريق العمياء تثقل مسيرهن العاجل لعلهن يلحقن الدرس في خيم الصفوف التي عبث فيها المطر ، كي يزددن علماً وحزناً وبؤساً .....!!! غمرتني نسمة هواء التكييف المركزي المنبعثة من زوايا الحائط الفخم بقصر التاجر بالسياسة فتذكرت جهنم صيف المخيم ، حيث لا يجد الشيوخ والعجائز المختنقين بضيق الانفاس سوى الدعاء المتوسل الى الله ان يأخذ امانته ليريحهم ويريح ابناءهم منهم !!!. وفي الحمامين الرخاميين الملحقين بالصالة الكبيرة احالتني صنابير المياه المطلية بالذهب الخالص الى خزان الماء الحديدي الصدئ الناضح بالماء العسر ، حيث يجب ان تحسب فيه كل رشفة لئلا ينفذ فجأةً فيموت الاطفال عطشاً ، او ربما بأنتظار ان يملأه من جديد بمنية هذا الشيوخ الوغد الذي استلم المليارات من أجل هكذا مواقف !!! وهم غالبا مايصرون ان تكون كاميرات فضائياتهم العاهرة حاضرة لتصور هذا المنجز العظيم !!! مع دعاء اهل المخيم لجناب الشيخ المحسن المتفضل في نشرة اخبار الساعه الثامنه !! . كنت اشعر بالجوع قبل ان اصل الى قصر الشيخ الرئاسي في مدينة دبي إلا ان منظر الصحون الكبيرة التي بدأت تتوالى على طاولة الطعام وهي مثقلة بالقوازي اثارت غثياني وقرفي وتخيلتها في لحظة بعضا من جثث الاطفال المبعثرة الاعضاء والمحترقة بنيران القذائفً في مدن القتال . لذلك اعتذرت عن الطعام بحجة الم في المعدة ولم تنفع معي رجاءات صاحب الدعوة المتكررة حتى ولا من قبيل المجاملة .....(( اصلا انني نباتي ولا ارغب بتناول اللحوم ))....!!!
انتحيت ركناً قصيا لاراقب حفلة عشاء الشياطين تلك ،، كانت الضحكات والاحاديث واصوات مضغ الطعام تتحول في اذني الى صرخات كابوسية تملأ علي زوايا القصر وتجبرني على مغادرة المكان فورا ، وبدا لي الشيخ وحاشيته وقصره وجوقة تابعيه مجموعة من مصاصي الدماء يحتفلون في معبدهم المقدس بمزيد من الضحايا الجدد بينما يقدم كبيرهم قرابينه على مذبح الشيطان !!! هل يبدو ذلك غريباً او مبالغاً في التشبيه حين استحضر صورة مصاصي الدماء في هيئة هؤلاء ...؟؟؟ اذاً فليقترح لي احدكم صفة او صوره او شبهاً سوى ذلك . قطع الشيخ كابوس افكاري حين رفع صوت التلفزيون واشار الينا لمشاهدة ما كان يظهر فيه ،، كانت قناة فضائية (( ممولة من دولة خليجية تدر على تاجر السياسة )) تظهر بعض سيارات الحمل تحمل شعار مؤسسته وتوزع صناديق الاغاثه والتمويل البائسة على سكان احد المخيمات كمعونة ، وكنا نسميها صناديق السبعة دولارات لانه كان يصر ان لايتجاوز مافيها من مواد غذائية عن هذا الرقم التافه . كان المذيع يشير للطفل الذي يستلم الصندوق ان ينظر للكاميرا ويقول الكلمات التي حفظها منهم ، وكان الطفل في التاسعة من عمره شبه حافٍ بملابس بائسة يحاول ان يجيد الدور وهو يأخذ الصندوق وينظر في عين الكاميرا ليبدأ دعاءً متعثر الكلمات بطول عمر الشيخ ووفرة رزقه ...!! التفت الشيخ الينا مبتسماً مزهواً بترديد اسمه مع دعاء الطفل الحافي المرتجف بردا وهو لا يعلم انه يدعو لقاتله وسارقه كي يمنحه الله صحة وعافية ورزقاً وفيراً يعينه كي يسرق اكثر واكثر..... !!! ودون كل الجالسين نظر الشيخ الي باكبر قدر من الود ليسألني : مارأيك في هذا يا سعــد الأوســي !! لم اكن مستعداً ان اجامله في تلك اللحظة ابداً ، وأحسستُ أنني على وشك ان اقـيء في وجهـه سيلاً من الشتائم المقذعه كي اريح نفسي من الهم والغضب ، لكنني آثرت ان اهرول الى حمامه الفخم لاقيء الطعام الذي لم اكله ، بعد ان انقلبت معدتي واصابني الغثيـان ، مخافة ان ينفجر غضبي في وجهه ، فاخرج عن اصول الضيافة والمجاملة التي مازلت نادما عليها ......!!
ملاحظة// الياخذ على نفسه ذنبه على ما اقترفته يداه.....!!
گالُولي ليش رافع راسك و عينك قَوِيّة .. گتّلهم العفو كُلنا بَشَر ولَكِن أنا من القوميّة الكلدانيّة
أسمِي بَدَأ يُرْعِبْ الكَثِيرِينْ وَخَاصَّة في موقع الحُثالة الساقطّين عِنكَاوة كُوم وَلِهذا أُغلِقَ حِسَابي مِنْ مَوقِعهُم