الجمعة 10 آذار/مارس 2017
رياض السندي
– مقدمة
مسيحيو العراق جزء اصيل من الشعب، يحيا وفقاً لمبادئ مسيحية في بيئة إسلامية. وكأي جماعة مسيحية شرقية ساهمت في بناء الحضارة للبيئة التي تعيش فيها. وتعددت أشكال التعايش المسيحي-الإسلامي، إلا أن من المعروف إن المسيحيون إعتمدوا مبدأ التعايش السلمي ونبذ العنف إستنادا لتعاليم المسيح في المحبة والصفح، في حين ظلت البيئة الإسلامية، بيئة عنف إرتدادية، أي إنها سرعان ما ترتد الى الوراء في أي مرحلة حضارية كانت، لتستلهم التجارب الإسلامية السابقة، وترجع بمجتمعاتها الى بدايات عصر الدعوة الإسلامية، معتمدة العنف والتدمير.
وبعد أكثر من عشرين قرناً على ظهور المسيحية، وأربعة عشر قرناً على ظهور الإسلام، ما زالت الحاجة قائمة للبحث عن معيار سليم لبناء المجتمعات العربية على تنوعها للارتقاء في سلم الحضارة. ومن الطبيعي أن يكتسب المسيحي طبائع البيئة التي يعيش فيها، كما يكتسب المسلم الكثير من المفاهيم المسيحية التي لا تتعارض مع معتقداته.
إن الأزمة التي نشأت مؤخرا بين غبطة البطريرك لويس ساكو، بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق، والشيخ ريان سالم الكلداني، قائد كتائب بابليون، الجناح العسكري للحركة المسيحية في العراق التي تنتمي لقوات الحشد الشعبي في العراق، لم تكن الأولى، كما إنها لن تكون الأخيرة، هي أزمة ستتكرر ما دام المعيار الحقيقي لقيام المجتمعات غائباً ومفقودا.
ومن أجل دراسة وضع مسيحيي العراق عموما، وخاصة بعد 2003، إن المشكلة لا تنحصر بهذا الصراع فحسب، بل جملة من الصراعات والأزمات المتلاحقة. وسنحاول هنا دراسة هذه الأزمة وتداعياتها والاستنتاجات التي برزت عنها، وسبل معالجتها منعاً لأي أزمة أخرى في المستقبل، دون دفاع أو مجاملة لطرف على حساب أخر، فالمجاملة لا تبني مجتمعاً صحياً سليماً. فالبيت المسيحي في العراق يعاني من الانقسام، وكما قال المسيح «كُلُّ مَمْلَكَةٍ تَنْقَسِمُ عَلَى ذَاتِهَا تَخْرَبُ. وَكُلُّ مَدِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ يَنْقَسِمُ عَلَى ذَاتِهِ، لاَ يَصْمُدُ”. متى 25:12.
كما يطرح هذا المقال، الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه الجماعات المسيحية في تلك البيئات الإرتدادية، وهو بلا شك دور صعب جداً، لأنه دور بنّاء في بيئة هدّامة، وخاصة في زمن الفوضى الخلاقة.
– فتيل الأزمة
أثارت تصريحات صادرة عن (الشيخ) ريان الكلداني، قائد كتائب بابليون التابعة للحشد الشعبي خلال مقطع فيديو قصير نشر في 15 شباط 2017، أزمة جديدة تضاف لأزمات العراق الكثيرة، قال فيه: –
“اليوم نحن قلنا وأصرينا أن المسيحيون سوف يأخذون بالثأر في محافظة نينوى، وسوف تكون معركتنا في محافظة نينوى هم أحفاد يزيد ونحن أحفاد جون ووهب، معركة ستكون مسيحية مع أحفاد يزيد. التاريخ يعيد نفسه”.
ويلاحظ على الفيديو:
1. إن هذا مقطع مجتزأ.
2. جرى إعادة التصريح مجزءاً من قبل قناة الحدباء، وقد تم حذفه لاحقا. وسرعان ما تناقلته مواقع أخرى منها، موقع قناة البغدادية (http://www.albaghdadia.com/ قناة الشعب العراقي)، وهو موقع الكتروني وعلى موقع الفيسبوك. ونشر في ذات اليوم على موقع مركز إعلام الربيع العراقي (
www.iraqispring.com)، وغيرهما.
3. سبق لقناة الجزيرة بإسبوع واحد، إن نشرت تقريرين حول ذلك. الأول تقرير: فتحي إسماعيل، تاريخ البث: 2017/2/7″ بعنوان “الحشد المسيحي.. مشهد جديد لغياب الدولة العراقية” جاء فيه: “من نافذة الانتهاكات ضد المدنيين شمالي الموصل يجتذب الحشد المسيحي العراقي الأضواء، هذه المرة متوعدا على لسان أحد قادته أبناء القبائل العربية إن لم يغادروا المنطقة خلال 72ساعة، وفي مشهد جديد في مسلسل غياب الدولة وتغول المليشيات.. أما الثاني فكان بعنوان “إنتهاء المهلة الممنوحة لسكان شمالي الموصل” لمراسلها من كردستان أمير فندي، تاريخ البث: 2017/2/10، جاء فيه: تنتهي اليوم مهلة الحشد المسيحي لطرد القبائل العراقية من تلكيف شمال الموصل وسط صمت حكومي رسمي. ويعيش سكان المنطقة، التي تسيطر عليها مليشيات الحشد الشعبي منذ نحو شهر، حالة من الذعر والقلق.. مما مهّد للتصعيد الإعلامي ضد كتائب بابليون.
4. إن هذا الطرح قديم ومكرر، وقد ظهر منذ سقوط الموصل بيد داعش عام 2014، وعلى سبيل المثال، في تصريح سابق للسيد ريان الكلداني لقناة بلادي العراقية بتاريخ 20 مايس 2015 بعنوان “قائد حركة مسيحية تابعة للحشد الشعبي ريان الكلداني يقول لداعش أنتم أحفاد يزيد ونحن أحفاد جون ووهب”، وفيه يقول: ” اليوم نحن تركنا السياسية … إذا تلاحظ اليوم التاريخ يعيد نفسه، حين قاتل جون ووهب مع الامام الحسين، كان ما منتظر أن يأخذ فتوى من رجل الدين المسيحي، ذهب لنصرة العالم… اليوم جميعنا متكاتفين ضد تنظيم داعش الارهابي، وأكررها مرة ثانية هم أحفاد يزيد ونحن أحفد جون ووهب”.
5. إنه يستند الى رواية شيعية تتحدث عن شخصين مسيحيين شاركا في معركة الطف الى جانب الحسين (ع) في 10 محرم 61 ه (12 تشرين الأول 680م)، إلا إن هذه الرواية لا يوجد ما يعززها في مصادر التراث المسيحي الشرقي. ويرد إسم جون هذا في قائمة قتلى معركة الطف مجرداً من إسم والده، بل يشار اليه بصفته (مولى أبي ذر الغفاري)، وإسمه الكامل جون بن حوي بن قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب بن حوي (2). أما وهب، فيرد إسمه ضمن ذات القائمة كاملا، بأنه (وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي). الذي تقول المصادر الشيعية انه شاب بعمر 27 سنة كان قد تزوج حديثاً، وكان يسكن خيمة في صحراء الثعلبية على الطريق الى كربلاء، في منطقة خالية من آبار الماء وتقع هذه المنطقة بعد بركة “أبو مسك ” بمسافة 7 كم، وبعد آبار “شراف” بمسافة 16 كم (3)، وتعدهم المصادر الشيعية ضمن أنصار الحسين، حيث قاتلا معه حتى قتلا.
6. إن خطاب ريان الكلداني يدعو (لأخذ الثأر في محافظة نينوى)، ولم يشر الى أهل نينوى، أو المسلمين فيها تحديدا، سوى بصيغة ضمير الغائب (هم).
– تصريحات متبادلة
وسرعان ما ردّ إعلام البطريركية الكلدانية عبر بيان أو تصريح موجز 15/2/2017 بعنوان: “البطريركية الكلدانية تستنكر تصريحات السيد ريان الكلداني حول الانتقامات من أهالي الموصل”، جاء فيه:
“تستنكر البطريركية الكلدانية بشدة تصريحات السيد ريان سالم الكلداني التي تناقلتها نشرات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي والتي تعلن الحرب على مسلمي الموصل واخذ الثأر من أحفاد “يزيد” زاعما انه ومن معه هم أحفاد “جوني ووهب”. هذا كلام غير مسؤول.
اننا نعلن للجميع ان السيد ريان لا صلة له بأخلاق المسيح رسول السلام والمحبة والغفران، ولا يمثل المسيحيين باي شكل من الاشكال، ولا هو مرجعية للمسيحيين، ولا نقبل ان يتكلم باسم المسيحيين. ان تصريحاته المؤسفة تهدف الى خلق الفتنة الطائفية المقيتة. على السيد ريان ان يحترم اخلاق الحرب ويحترم حياة الأبرياء ونعتقد ان الحشد الشعبي يرفض كذا تصريحات ومواقف”(4).
وقد أثار مقطع الفيديو هذا، وبيان البطريركية أعلاه، زوبعة كبيرة بين مؤيد ومعارض، غاب في ظلّها صوت العقل والمنطق، مع وجود مجموعات الكترونية تتحرك بشكل مجند أو تطوعي تميل لهذا الطرف أو ذاك، فتطبل وتزمر وتركب موجة الدين، والموالاة للرموز الدينية في المجتمعات المتخلفة، بمجرد الإشارة الى شخص معين وإتهامه بالتهمة الجاهلية المعروفة، بأنه “سبّ ألهتنا”، كما يحدث في باكستان والعراق ومصر ودول أخرى، حيث يقتل الشخص ويرجم بشكل بشع عند إتهامه بأي تهمة، مثل: تمزيق القرآن، والكفر بالله، وتحريف آية، وحرق صورة مقدسة. وقد ذهب الكثير ضحايا مثل هذا التحريض الديني.
وأهم ما في هذا البيان النقاط التالية: –
– إنه يعد هذا التصريح بمثابة إعلان حرب على المسلمين، ويهدف الى خلق الفتنة.
– إن البيان يجرد ريان من إيمانه المسيحي.
– حرمان ريان من تمثيل المسيحيين، أو التحدث بإسمهم، أو إعتباره مرجعية لهم.
– إن التصريح يخالف قواعد الحرب.
– يطالب الحشد بموقف رافض لهذا التصريح.
والواقع، إن هذا البيان البطريركي، أقل ما يقال عنه، إنه بيان متسرع ومبالغ فيه الى درجة كبيرة، وإنه يخلط مسائل عدة في بوتقة واحدة، كما إنه يفتقر للموضوعية، كما هو معتاد في أغلب بيانات إعلام البطريركية الكلدانية، التي ما فتئت تصدرها بين حين وأخر في مسائل تندرج ضمن إختصاصها، وفي أحيان كثيرة خارج هذا الاختصاص أيضا. ولم تستطع البطريركية معالجة هذه المسألة الحساسة والحيوية، لما يشكله الإعلام من سلطة وتأثير في عالم اليوم، على الرغم من المناشدات الكثيرة من العديد من الكتاب والمفكرين المسيحيين تحديداً. وقد سبق وأن نشرنا مقالا حول ذلك بعنوان (بؤس إعلام البطريركية الكلدانية) (5)، نشر على العديد من المواقع المسيحية تحديداً، وقد إعتبر العديد إن كلمة بؤس، ذات وقع ثقيل، إلا إنه إتضح فيما بعد، إنها أقل وصف لواقع هذا الاعلام في الوقت الراهن. كما نشر غيري ذلك. إلا أن أمثال هذه الدعوات تثير لدى المدافعين عن البطريركية جدلا سفسطائيا لا طائل منه.
وبالمقابل، أصدر المتحدث باسم كتائب بابليون السيد ظافر لويس بيانا شديد اللهجة، نشرته قناة السومرية العراقية على موقعها الرسمي في اليوم التالي بتاريخ 16/2/ تحت عنوان 2017، “بابليون” تستغرب تصريحات “ساكو” وتصفه برجل الدين “المسيس” وتهدد بمقاضاته، جاء فيه:
أبدى متحدث باسم كتائب “بابليون” إحدى فصائل الحشد الشعبي، الخميس، استغرابه من تصريحات رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم “لويس روفائيل ساكو” والتي استنكر فيها تصريحاً لقائد الفصيل ريان الكلداني، مشيرا الى ان تصريحات الاخير كانت قبل نحو سنة ونصف، فيما وصف ساكو بأنه “رجل دين مسيس” وتصريحاته “مدفوعة الثمن”، وهدد بمقاضاته.
وقال المتحدث باسم “بابليون” ظافر لويس، في بيان تلقت السومرية نيوز، نسخة منه، “نستغرب بشدة أن ينساق لويس روفائيل ساكو وراء الاعيب الإعلام المغرض ويكون ضحية التضليل والتلاعب والتقطيع لكلام قاله الأمين العام لحركة بابليون قبل أكثر من سنة”.
وأوضح لويس أن امين عام بابليون ريان الكلداني “مازال يوكد بأن داعش هم أحفاد يزيد واتباع الخوارج”، لافتا الى أن “كلام الكلداني كان قبل سنة ونصف السنة، ونقلته الآن وسائل علام تحاول البحث عن مادة إعلامية للإثارة”.
واضاف لويس “نستغرب ان ينساق هذا رجل الدين المسيس وراء هذه الحملة المغرضة التي تستهدف النسيج الاجتماعي والديني في الموصل”، مشيرا الى أن “هذا التصريح المغرض للويس ساكو مدفوع الثمن ومن أطراف لا تريد الخير والسلام للعراق وأهله” على حد قوله.
وأبدى لويس أسفه أن “يتحول هذا الرجل إلى مستنقع وعاظ السلاطين وابواق الشياطين ليتخلى عن دوره اللاهوتي وزرع السلام والمحبة في ربوع الوطن ويقحم نفسه في أنفاق الطائفية المقيتة”، مؤكدا “سنقاضيه لكي يرعوي ويتعظ ويعرف حدوده ودوره ووظيفته دون أن يتحول إلى بوق للطائفية ومطية للأصوات السياسية النشاز”.
وكان رئيس البطريركية الكلدانية لويس روفائيل ساكو استنكر، أمس الاربعاء (15 شباط 2017)، بشدة تصريحات قائد فصيل بابليون في هيئة الحشد الشعبي ريان سالم الكلداني والتي أعلن فيها ما قال إنها “الحرب على مسلمي الموصل واخذ الثأر من أحفاد يزيد”، واصفاً هذا كلام بغير المسؤول.
يذكر ان عددا من وسائل الاعلام نسبت تصريحا للقيادي في بابليون وهي القوة المسيحية التي تنضوي تحت قوات الحشد الشعبي مفاده بانه أعلن الحرب على مسلمي الموصل “لأخذ الثأر”.
ويمكن إيجاز ما ورد في البيان، بما يلي:
1. أن ساكو وقع ضحية التضليل والتلاعب الإعلامي.
2. أنه رجل دين مسيس.
3. إنه تحول الى مستنقع وعاظ السلاطين وأبواق الشياطين، متخلياً عن دوره اللاهوتي.
4. إنهم سيقاضون ساكو لكي يرعوي ويتعظ ويعرف حدوده ودوره ووظيفته.
5. يطالبونه أن لا يتحول الى بوق للطائفية ومطية للأصوات السياسية النشاز.
ويبدو من لغة البيان، انه لم يعد من قبل ريان، الذي مازال يخاطبه بعبارة (سيدنا)، أو أي جهة مسيحية أخرى، التي تكن كل الاحترام والتقدير للبطريرك ساكو بإعتباره مرجعية دينية تمثل الكنيسة الكلدانية، أكبر الطوائف المسيحية في العراق. وفي تقديري إن البيان أعد في هيئة الحشد الشعبي، التي لا يخفى على أحد موالاتها لإيران. ويمكن القول إن هذا بيان إيراني صرف.
ورد البطريرك ساكو على البيان أعلاه بعبارة موجزة نشرتها الشرقية في 16/2/2017 بالنص: ساكو يرد على “بابليون”: أنا رجل دين عراقي ولست رجل سياسة ولا أحتاج للمال”.
وإذا كان البطريرك ساكو قد إستخدام إسلوب تجريد ريان من إيمانه المسيحي، وهو شبيه الى حد ما بإسلوب التحريم الكنسي القديم، أو التكفير لدى المذاهب الإسلامية، وبالمقابل إستخدم ريان إسلوب اللجوء للقضاء، وهكذا إستخدمت البطريركية سلاح الدين، فيما إستخدم الحشد سلاح السلطة او سلطة القانون.
وكالعادة فقد إنبرى العديد من الكتاب للدفاع عن وجهة نظر البطريركية الكلدانية في معظمها بدافع الإيمان أو المصلحة لا المنطق، وإستغل الموقف العديد من خصوم البطريرك ومنتقديه التقليديين، وغاب صوت المنطق، كما أسلفنا، باستثناء عدد قليل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
– الإعلام سلاح الطرفين
وعاد طرفا الأزمة الى توضيح أراءهما السابقة، بشكل غير موفق. فأجرت قناة الشرقية في حصادها الاخباري يوم 17 شباط 2017 لقاءا عبر الهاتف مع بطريرك الكلدان ساكو، قال فيه: يعلن حرب المسيحيين على المسلمين، هذا إعلان حرب، كلام غير مسؤول، فهو لا يمثل المسيحيين وليس مرجعية مسيحية. هو مجرد مقاتل في الحشد الشعبي، يجب أن يحترم قوانين الحشد، ويدافع بأخلاقية عالية عن الأراضي العراقية، ويحترم قوانين الحرب، وغير ممكن أن نقبل ايضا بصراع جديد بين الطوائف العراقية على أساس دين أو مذهب، أو حتى عرف. أنا أعتقد أن الحشد الشعبي سوف يتخذ قرارا بكذا تصريحات، وأيضا الحكومة العراقية ملزمة بوقف كذا تصريحات أو إنتهاكات”.
وفي نفس الحصاد تم اللقاء مع ريان الكلداني، الذي أوضح قائلا: “هذا التصريح كان قبل أكثر من سنة ونصف، هذا كلام الفيديو مقطوع. أنا تحدثت قلت داعش هم أحفاد يزيد … أنا لم أقول السنة، السنة هم إخوة لنا…هذا الكلام مقطوع، وهذا الفيديو مقطوع… وأنا صراحة أتعجب على بعض رجال الدين، الذين يتحدثون بكلام، وهم لا يعلمون ما حدث وحصل في هذا الفيديو. أنا لحد الان أقول… داعش وليس أهل الموصل”.
وفي لقاء على قناة دجلة في نفس اليوم، قال ريان: هذه القنوات نقلت الصورة، وسيدنا ساكو تحدث بكلام على خلفية القناة، لا يرجع على الفيديو الحقيقي، ولكن حسب ما وردتني معلومات سوف يكون هناك بيان صادر من قبل لويس ساكو حول هذا التصريح، وسوف يقوم بإعتذار، وإتصل بالقناة الفضائية قال يجب أن تصححوا البيان، وتم تصحيح البيان. وخرجت هذه القناة اليوم صححت الحديث الذي نقل كاملا”.
وفي لقاء على قناة NRT بتاريخ 18/2/2017، تحدث ريان الكلداني، قائلا: ” تم إصدار بيان حول هذا الموضوع. بعض القنوات تحاول أن تؤجج الفتنة الطائفية… فهم التصريح خطأ، تم قطع كلامي… أهالي الموصل أهلنا، ونساء الموصل أخواتنا…أنا قلت إن أهل الموصل لا نريد أن نظلمهم مرتين، مرة نتهمهم بأنهم دواعش، ومرة نتركهم بيد داعش. أنا مسيحي وأفتخر بمسيحيتي، كيف أحد ينتقم من أهله، أنا إبن الموصل. وأنا لا أمثل المسيحيين فقط، أنا أمثل أنا عراقي… وحتى البيان الذي صدر من سيدنا ساكو، أنا آجل له كل الإحترام والتقدير، وصلتنا معلومات إنه رجع الى الفيديو الحقيقي، ولاحظ بعينه إن هذا الفيديو مفبرك، خرجت على هذه القناة، ووصلتني معلومات إنه إتصل بهذه القناة وقال لهم، يجب أن تعتذروا.
وفي لقاء أخر أجرته قناة الغد بريس مع البطريرك ساكو بتاريخ 19/2/2017، تحت عنوان: ” في مقابلة مع “الغد بريس” بطريرك الكلدان: لسنا ضد انضمام المسيحيين للحشد لكننا ضد التجاوزات باسم المسيحية واقترحنا رفع الديانة من البطاقة الوطنية”، جاء فيه: –
*رغم ما تذكرونه فقد رفضتم ان يتم حمايتكم من قبل قوات اجنبية او حتى مليشيات محلية… لماذا؟
-هذه ليست ثقافة المسيحيين، حماية المسيحيين وغيرهم واجب الحكومة، المليشيات واحدة من المشاكل خاصة المليشيات المنفلتة في بغداد نفسها، هناك خطف وتفجير وقتل، والمسيحيون مكون بسيط فلماذا يشكلون فصائل مسلحة؟ وكيف يمكن أن يحموا كل سهل نينوى؟ خصوصا وان سهل نينوى منطقة تماس ساخنة بين العرب والاكراد، وصراحة انا ارى هذا الامر غير مقبول، وسهل نينوى ليست حدودا بين بلدين كي يتم حمايتها بقوات دولية بل هي دولة واحدة، وهذا الامر لن تقبل به لا حكومة المركز ولا حكومة الاقليم، وانا اقترحت ان يكون في سهل نينوى مكتب اممي للمراقبة، وكذلك فأن المسيحيين سينخرطون في القوات المسلحة وحتى البيشمركة، اما خلق كيانات منغلقة على ذاتها فهذا نوع من الموت.
*خرج تصريح من حضرتكم يدعو المسيحيين الى عدم الانخراط في الحشد الشعبي.. ما مدى دقة هذا التصريح؟
-ابدا، هذا التصريح غير دقيق، لكن هناك بعض المسيحيين في الحشد الشعبي ينتحلون اسماء مسيحية، أسماء كلدانية مثل الشيخ الكلداني، الحشد الشعبي لا يحتاج الى تسميات متعددة، الامر به خطورة، هناك اكثر من شخص يدعي انه مسيحي ويتجاوز على الناس، بعض هؤلاء الناس اسرى ويتم وضع الاحذية على رؤوسهم واهانتهم، هذا الامر لا تقبله الديانة المسيحية، لسنا ضد انضمام المسيحيين الى الحشد الشعبي لكننا ضد التجاوزات باسم المسيحية، والامر لا يتعلق بالمسيحيين بل نرفض التجاوزات مطلقا.
*لكن لواء بابليون استقبل حضرتكم في تلكيف حينما زرتموها بعد التحرير؟
-انا تفاجأت صراحة ووبختهم لأني رأيت صورة للإمام علي عليه السلام، مع صليب مسيحي، فالأمر لا يحتاج الى رمز ديني لان الحشد الشعبي جاء ليحرر المنطقة او جزءا منها، عموما هذا لا يعني انني اؤيدهم بأي شكل من الاشكال، نحن مع كل القوى الرسمية العربية او الكردية التي تساهم في دحر داعش، احيانا يقع اللقاء بأشخاص نتيجة الاحراج ومن التقيته هو من اهل تلكيف اساسا.
وهنا تثور جملة تساؤلات: لماذا ينتقد البطريرك الكلداني ساكو كتائب بابليون فقط، وهي واحدة من سبع فصائل مسيحية مسلحة؟ وهل يمّثل ريان الكلداني مسيحيي العراق سياسياً، لا سيما وإن إسم تنظيمه السياسي هو الحركة المسيحية في العراق؟ وهل يمّثل البطريرك ساكو جميع مسيحيي العراق دينياً؟ وهل يمّثلهم البطريرك الكلداني سياسياً؟ وقبل هذا وذاك، أين مسيحيو العراق في زحمة هذا الصراع كله؟
هذه الأسئلة وغيرها سنجيب عليها من خلال استعراض كافة جوانب الموضوع، لإعطاء صورة واضحة عن وضع المسيحيين في العراق في الوقت الراهن ومنذ عام 2003.
– الحاضر الغائب
أما الحاضر الغائب في هذا الصراع، فهم مسيحيو العراق، الذي يتحدث طرفي الصراع وأنصارهم بإسمه. فمن المعروف إن مسيحيي العراق يعشون الان أوضاعا صعبة بعد تهجيرهم من معقلهم التاريخي الثاني مدينة الموصل، بطريقة مشابهة لذات السيناريو الذي حدث عام 1915-1917 عندما أقتلعوا من معقلهم الحصين قوجانس في جبال حكاري التركية أيام الدولة العثمانية، بعد أن غادره قرابة 150 ألف مسيحي، ولم يصل الى العراق سوى ثلث هذا العدد.
ومنذ ذلك التاريخ فقد إتخذوا من مدينة الموصل الأثرية حصناً لهم يعوضهم عن معقلهم السابق الذي فقدوه وللأبد، إلا إنه وبعد مرور مئة عام تقريبا، تكررت نفس الهجرة من محافظة نينوى التي إحتلها تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، والمعروف إختصاراً ب (داعش) في 10 حزيران 2014، وإمهلوا المسحيين فيها بإتباع قواعد الشريعة الإسلامية القديمة التي يرجع تاريخها الى ما قبل منذ 1437 سنة تماما، وهي إما دفع الجزية، أو إعتناق الدين الإسلامي، أو المغادرة، فغادرها جميع مسيحيي الموصل تقريبا بعد منحهم مهلة إسبوع واحد تنتهي في 18/7/ 2014، وفقا لبيان صادر من هذا التنظيم، الذي خيرهم بين: 1- الإسلام. 2- عهد الذمة (وهو أخذ الجزية منهم). 3- فإن هم أبوا ذلك فليس لهم سوى السيف، بحسب البيان.
وفرغت المدينة من وجودها المسيحي الذي إستمر طيلة 1800 سنة، فغادرها نحو 25 ألف شخص، وبذلك انخفض عدد المسيحيين من حوالي مليون و400 ألف في عام 2003 في أزهى عصورهم، الى قرابة نصف مليون حاليا، أو 400 ألف شخص، ما يعني هجرة أكثر من ثلثيهم، أي حوالي 71,5 %، ولم يبقى منهم سوى 28,5 % من المسيحيين سكان العراق. (7)
– الصراع على تمثيل المسيحيين
إن المدقق لتصريحات الطرفين السابقة وتوجهاتهم السياسية يكتشف إن جوهر هذا الصراع هو تمثيل مسيحيي العراق، فمن يمثل هذه الفئة من الشعب العراقي الأخذة في التناقص؟
فريان سالم صادق الكلداني، الذي أضفى على نفسه لقب (الشيخ) مدعيا إستمداده من بطريرك الكنيسة السابق عمانوئيل دّلي، هو مسيحي كلداني من ناحية القوش التابعة لمحافظة نينوى وقائد كتائب بابليون وهي الجناح العسكري للحركة المسيحية في العراق، إحدى تشكيلات الحشد الشعبي التي تتلقى الدعم العسكري من الحكومة العراقية، آخر 800 متطوع انضم لهذه الكتائب تدربوا في 3 معسكرات مقامة في بغداد ومحافظة صلاح الدين (الشمال). ويوضح الكلداني أن مشاركة مقاتليه في المعارك تتم “تحت إمرة أبي مهدي المهندس”، الذي يعد من أبرز قادة الفصائل الشيعية، ويتولى رسميًّا مسؤولية نيابة رئاسة “هيئة الحشد الشعبي”، ويبلغ عدد مقاتليه اليوم 1000 مقاتل جميعهم من المسيحيين العراقيين. وقد كشفت عدة مصادر أن طهران تشجع قيام تحالفات رمزية عابرة للطائفية ضد تنظيم داعش، وذلك من خلال إنشاء ميليشيات صغيرة من الأقليات داخل صفوف «وحدات الحشد الشعبي»، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الجماعات المسيحية «كتائب بابليون» و«كتائب روح الله عيسى بن مريم»، إضافة إلى الفصائل السنية الأصغر حجمًا.
كتائب بابليون هي حركة وقوات مسيحية كلدانية وهي احدى فصائل الحشد الشعبي في العراق يقودها ريان الكلداني، وقد تأسست هذا الفصيل في ديسمبر سنة 2014، بعد أن قام تنظيم الدولة الاسلامية بالسيطرة على الموصل وسهل نينوى، شاركت هذه القوات بمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية مع فصائل الحشد الشعبي الأخرى في عدة محافظات من بابل وديالى والأنبار وصلاح الدين ومحافظة نينوى وكان من ضمن المناطق التي حررتها دير مار بهنام مع قوة عراقية. (8)
– إنكار البطريركية الكلدانية للحركة وعدم شرعيتها
وقد سبق للبطريركية قبل عام تقريبا، إن أصدرت البطريركية الكلدانية بياناً بالعدد 49 في 13 مارس 2016 تؤكد فيه ان لا علاقة لها بكتائب بابليون ولا بقائدها ريان الكلداني ولا تمثلها وان ممثليها الرسميين هم أعضاء مجلس النواب العراقي فقط. هذا نصه: –
“تؤكد البطريركية الكلدانية الا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بكتائب بابليون او غيرها من الفصائل المسيحية المسلحة ولا بالشيوخ الكلدان.
كان مثلث الرحمات البطريرك الكردينال مار عمانوئيل الثالث دلي قد منح كتبا رسمية لبعض الأشخاص استغلوا مرضه، يعلن فيها انهم شيوخ، لكن منذ تسنم غبطة البطريرك الحالي مار لويس روفائيل ساكو مهامه وجه كتاباً الى المراجع الحكومية يعلمها بانه لا يوجد للكنيسة الكلدانية شيوخ يمثلونها، انما مرجعيتها السياسية هي الحكومة العراقية وان ممثليها الرسميين هم أعضاء مجلس النواب.
ولم يستقبل غبطته أحدا من هؤلاء ولم يمنحهم أي كتاب أو تخويل”. (9)
كما تم إنكارها من قبل أعضاء مجلس النواب ومنهم عماد يوخنا ويونادم كنّا حيث صرح النائب ان رئيس هذا الفصيل المسلّح لا يمثّل المسيحيّين والكتائب التي يقودها تمثّله شخصيّاً وهو بعيد عن المسيحية ولا يمثلها، كما ان الكنيسة الكلدانية أكّدت فيهما تخلّيها عنه وأنّه لا يمثّلها وبقي البعض في الأوساط العامة يعتمده كمقاتل مسيحيّ يمثّل المسيحيّين.
وبينما يؤيد الكثيرون موقف غبطة البطريرك الجليل مار لويس ساكو في عدم مباركة تشكيل جماعات مسلحة خاصة بمكون معين حتى ولو ارتبطت بقوات معترف بها مثل الحشد الشعبي والبيشمركة، لكنهم ينتقدون أيضاً صمت البطريرك على القوة التي شكلتها البيشمركه باسم قوات سهل نينوى أو قوات الزوعا من الأحزاب (الكلدانية والسريانية والآثورية) ويقولون إنه طالما توجد مجموعات مسلحة تمثل المكونات والأحزاب فانه لا يجوز الاعتراض على ريان الكلداني”. (10)
– تدخل أم عدم تدخل؟
ومن جهة أخرى، فانه لا يخفى على أي متابع طموحات البطريرك السياسية، ومنذ عام 2003 شارك بلعب دور سياسي، فترشح عضوا في مجلس محافظة نينوى نائباً عن مسيحيي الموصل. أما مواقفه من القضايا السياسية فهي متباينة ومتناقضة وتثير جدلا في معظم الأحيان، مما يضطره للتوضيح دوما، وغالباً ما يأتي التوضيح ليثير جدلاً أكبر.
وعلى الرغم من صدور تصريح بطريركي بعدم التدخل بالسياسة، إلا إن المواقف تشير الى خلاف ذلك، فبتاريخ 14 – 4 – 2013 صدر عن اعلام البطريركية الكلدانية في بغداد وبتوجيه مباشر من غبطة مار ساكو توضيحا رسميا في غاية الاهمية والموضوعية والحكمة يخص موقف الكنيسة الكلدانية من العمل القومي والسياسي حيث نص: (لا يمكن لمؤسسة كنسية بحجم الكنيسة الكلدانية ومسؤوليتها ان تزج نفسها في العمل القومي والسياسي على حساب رسالتها هذان المجالان من اختصاص العلمانيين)، كما إن البطريرك ذاته سبق وإن أنذر كهنة الكنيسة الكلدانية بعدم التدخل بالسياسة وفصلها عن المسيحية في تصريح لصحيفة الزمان بتاريخ 22/5/2013، جاء فيه: –
البطريرك ساكو ينذر بطرد الكهنة الداعين إلى الدولة الكلدانية
بابا الفاتيكان يدعو إلى فصل السياسة عن المسيحية وانشقاق في كنائس العراق
رفض البطريرك لويس ساكو أمس الضغوط التي يتعرض لها من قساوسة ورجال دين ومراكز قوى في داخل العراق وخارجه بتزعم حزب للكلدانيين أو دعم مثل هذا الحزب الذي يدعو الى إقامة الدول الكلدانية في الصلوات والخطب الدينية.
ودعا في رسالة تلقتها وكالة انباء الفاتيكان الى فصل الكنيسة عن السياسة. وأكد ساكو في رسالته ان العمل السياسي من حق العلمانيين فقط ولا يمكن للكهنة ان يكونوا نشطاء أو اعضاء في تيارات أو أحزاب، لأن مهمتهم الكهنوتية هي خدمة الجميع من دون استثناء.
من جانبها قالت مصادر مقربة من ساكو لـ الزمان ان الرسالة التي وجهها ساكو مدعومة من بابا الفاتيكان وبعلمه واطلع عليها قبل نشرها.
وأوضحت المصادر في تصريحاتها ان ساكو يرفض الاصوات التي تنادي بالقومية الكلدانية وتلغي السريان والآشوريين والأرمن في العراق.
وأضافت المصادر ان الكردنال ساكو يرفض ان يجعل الكنيسة صوتا للقومية الكلدانية على حساب رسالتها الدينية”. (11)
وبعد سنتين، وتحديدا في 10/05/2015، وعند ترأس البطريرك لويس ساكو لندوة تعريفية عن الرابطة الكلدانية في بغداد، قال بالحرف الواحد:
“وأعتبر البطريرك الكلداني وجود خمسة فصائل مسلحة مسيحية، ثلاثة منها ضمن الحشد الشعبي وواحد تحت لواء حزب البارتي وأخر مع الاتحاد الوطني الكردستاني دليل على أنشطار الموقف المسيحي في العراق ولا وجود لمرجعية سياسية حقيقية تمثله مما دفع بالكنيسة لسد هذا الفراغ”. (12)
ثم عاد ثالثة لتوضيح موقف الكنيسة من السياسة، من خلال مقال بعنوان (البطريرك ساكو يكتب: جدل الكنيسة والسياسة والموقف المبدئي)، نشر على موقع أبونا الألكتروني، جاء فيه:
” يكمن الفساد والخروج عن الموقف الانجيلي المبدئي، عندما تنتقل الكنيسة الى سدّة الحكم وتتحول الى قوّة سياسية وعسكرية تحكم باسم الدين كوحدة مشتركة كما الحال اليوم في بعض دول منطقتنا.
أجل قد تنتقد البطريركية أداء وتبعية البعض، لكنها أيضا لا تريد ان تكون قوة ومرجعية سياسية. والبطريرك لا يسعى ابدا ليكون زعيما قوميا للكلدان ولا قطبا سياسيا للمسيحيين. يكفيه ما له من مسؤوليات واعباء، لكن من واجبه كأب وراعٍ وفي ظل البيئة السياسية والاجتماعية والامنية الحالية على اثر الصراعات المتعددة وظهور داعش وتداعياته، ان يدافع مثل معلمه المسيح عن المظلومين والمقهورين والمهجرين والفقراء، وان يدعو الى تحقيق المصالحة الوطنية والشراكة الفعلية لبناء دولة قوانين عادلة ومؤسسات، ووطن شامل يحتضن الكل على حدّ سواء. من هذا المنطلق بعينه، وبغية ان “نبقى معًا” دعا الى تكوين مرجعية سياسية مسيحية من نخب وأحزاب وتنظيمات ذات اقتدار لتكون الصوت السياسي للدفاع عن حقوق المسيحيين الاجتماعية والسياسية الكاملة، وتقوم بدور وطني رائد بالتعاون مع المرجعيات السياسية الاخرى. وهذا المنطلق بحد ذاته، يبين ضحالة ما يشاع من آراء غير واقعية، والعقبة امام تشكيل كذا هيئة هو التشدد القومي والطائفي!
لا غرو ان للناس آراء وتطلعات مختلفة ومتباينة، وترضية الناس غاية تدرك، الا أننا نستطيع أن نخلص الى القول بأن المرجعية المسيحية ان تشكلت والرابطة الكلدانية ستخففان من وطأة عمل البطريركية لمتابعة تفاصيل شؤون المسيحيين اليومية!”. (13)
والى جانب الكثير من الأقوال التي تشير الى عدم تدخل البطريركية في الشأن السياسي أو تولي المناصب، إلا إن الأفعال تأتي في غالب الأحيان على النقيض من تلك الاقوال، وقد برز هذا الموقف بوضوح على صعيد الإدارة الكنسية، وخاصة بعد الانسحاب من مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق، بسبب رفض منح الرئاسة لبطريرك الكلدان.
وكان إعلام البطريركية الكلدانية قد سبق وأصدر توضيحا حول ذلك الانسحاب وعلى موقعه الرسمي في 18 يناير 2017، قائلا: “صراحةً، لو لم يتم نشر بيان المجلس في وسائل الإعلام بعبارات غير موفقة لما كنا قد علّقنا. كانت البطريركية الكلدانية قد قدمت طلبا بتغيير التسمية والنظام الداخلي في 14 اذار 2016، لكن المجلس لم يستجب. فما كان من الكلدان سوى الانسحاب حفاظا على كرامتهم وحقوقهم. ثم عاد غبطة أبينا البطريرك مار لويس روفائيل ساكو من جديد ليقدم مشروع متكامل ومدروس … وتضمن المشروع في (ب) منه على تشكيل هيئة إدارية يكون بطريرك الكلدان رئيسا لها. (14)
في حين أبدى البيان الإعلامي الصادر عن مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق، المرقم م ع/1-2017 الصادر في 3 كانون الثاني 2017، أسف المجتمعون لقرار غبطة مار روفائيل الأول ساكو الكلي الطوبى المسبق (13 كانون الأول 2016) بسحب الكنيسة الكلدانية الشقيقة بسبب طلبه رئاسة المجلس خلافا للنظام الداخلي”. (15)
– مواقف مثيرة للجدل
أصدرت البطريركية الكلدانية جملة من المواقف في مسائل سياسية متعددة، أثارت جدلا كبيراً في كل مرة. وهذا لا يعني بالضرورة أن جميع هذه المواقف خاطئة أو غير صائبة، على الأقل في جزء منها، إلا إن الطرح لم يكن موفقاً من ناحية جهة الطرح وأسلوبه. ومن هذه المواقف السياسية، على سبيل المثال لا الحصر: –
• دعوة جميع المسيحيين لتبني مصطلح “المكون المسيحي”
وجّه البطريرك الكلداني لويس ساكو يوجه نداء الى المكون المسيحي في العراق في 16 كانون الأول/ديسمبر 2016، جاء فيه: – “لقد حان الاوان ليتبنى المسيحيون مصطلح “المكون المسيحي”، وهذا لا يتعارض مع الهويّات الخاصّة التي تمتدّ جذورها إلى الاف السنين، ولا ينبغي تضييع الوقت في تجاذبات الهويّات؟”.
إن إعتماد هذه التسمية يتطلب موافقة جميع الطوائف المسيحية في العراق، والمنضوية تحت هذه التسمية، التي ليست حكراً على طائفة الكلدان. (16)
• ساكو ينتقد قرارات ترامب ويصف مطالبته بتعجيل قبول اللاجئين المسيحيين بـ”الفخ”
انتقد بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس روفائيل الأول ساكو، اليوم الثلاثاء، قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحظر سفر مواطني سبع دول إسلامية للولايات المتحدة، وفيما وصف طلب ترامب بتعجيل قبول اللاجئين المسيحيين بـ “الفـخ”، محذراً من حركته “التمييزية” التي ستنعكس على مسيحيي الشرق الأوسط.
وأشار ساكو إلى أن “المسيحيين في المنطقة لا يريدون تمييزهم على بقية السكان فيما يتعلق الأمر بالهجرة على أساس ديني وعرقي لكي لا تحصل خلافات مع الآخرين”، مضيفاً “نحن لا نريد امتيازات وهذه هي تعاليم ديننا وتوصيات البابا فرانسيس الذي استقبل مهاجرين من منطقة الشرق الأوسط في روما من مسيحيين ومسلمين دون تمييز”. (17)
• دعوة أتباعه للانضمام الى الجيش العراقي والبيشمركة، وعدم الانضمام للحشد الشعبي
بطريريك الكنيسة الكلدانية يحث أتباعه على الانضمام الى الجيش العراقي أو البشمركة بدلا عن ‘فوضى الميليشيات’. وقال البطريريك ساكو لوكالة الصحافة الفرنسية “اذا اراد المسيحيون حماية بلداتهم عليهم الانضمام الى الجيش او الى قوات البشمركة (الكردية). الميليشيات دليل على الفوضى”. ويشير ساكو بذلك الى مجموعات مسيحية مسلحة تشكلت لحماية البلدات المسيحية التي ينسحب منها تنظيم الدولة الاسلامية في شمال العراق، على غرار “كتيبة بابل” المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي. (18)
ثم عاد وأنكر ذلك بعد شهرين في مقابلة مع قناة الغد بريس بتاريخ 20/02/2017، في معرض رده على السؤال التالي، وكما يلي: –
“خرج تصريح من حضرتكم يدعو المسيحيين الى عدم الانخراط في الحشد الشعبي.. ما مدى دقة هذا التصريح؟
-ابدا، هذا التصريح غير دقيق، لكن هناك بعض المسيحيين في الحشد الشعبي ينتحلون اسماء مسيحية، أسماء كلدانية مثل الشيخ الكلداني، الحشد الشعبي لا يحتاج الى تسميات متعددة، الامر به خطورة، هناك أكثر من شخص يدعي انه مسيحي ويتجاوز على الناس، بعض هؤلاء الناس اسرى ويتم وضع الاحذية على رؤوسهم واهانتهم، هذا الامر لا تقبله الديانة المسيحية، لسنا ضد انضمام المسيحيين الى الحشد الشعبي لكننا ضد التجاوزات باسم المسيحية، والامر لا يتعلق بالمسيحيين بل نرفض التجاوزات مطلقا”. (19)
• البطريرك ساكو يدعو إلى حماية المسيحيين في العراق
دعا بطريريك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق لويس روفائيل ساكو المجتمع الدولي إلى «حماية المسيحيين» الذين شردتهم الحرب «لمساعدتهم على العودة إلى ديارهم». وحضر القداس زعيم «المجلس الإسلامي الأعلى» عمار الحكيم وعدد من أعضاء المجلس.
ودعا المسيحيين إلى عدم الانضمام إلى مليشيات مسيحية مثل «كتيبة بابل» المنضوية تحت مظلة «الحشد الشعبي» الذي يضم فصائل شيعية مسلحة تحظى بدعم إيراني. قال «إذا أراد المسيحيون حماية بلداتهم عليهم الانضمام إلى الجيش أو إلى قوات البيشمركة (الكردية)… المليشيات دليل على الفوضى». (20)
• البطريرك ساكو يرفض الحماية الأجنبية
*رغم ما تذكرونه فقد رفضتم ان يتم حمايتكم من قبل قوات اجنبية او حتى مليشيات محلية… لماذا؟
-هذه ليست ثقافة المسيحيين، حماية المسيحيين وغيرهم واجب الحكومة، المليشيات واحدة من المشاكل خاصة المليشيات المنفلتة في بغداد نفسها، هناك خطف وتفجير وقتل، والمسيحيون مكون بسيط فلماذا يشكلون فصائل مسلحة؟ وكيف يمكن أن يحموا كل سهل نينوى؟ خصوصا وان سهل نينوى منطقة تماس ساخنة بين العرب والاكراد، وصراحة انا ارى هذا الامر غير مقبول، وسهل نينوى ليست حدودا بين بلدين كي يتم حمايتها بقوات دولية بل هي دولة واحدة، وهذا الامر لن تقبل به لا حكومة المركز ولا حكومة الاقليم، وانا اقترحت ان يكون في سهل نينوى مكتب اممي للمراقبة، وكذلك فأن المسيحيين سينخرطون في القوات المسلحة وحتى البيشمركة، اما خلق كيانات منغلقة على ذاتها فهذا نوع من الموت. (21)
ــــــــــــ
يتبع