جامع كـتاب سفر التكـوين يدرج في كـتابه قـصة أخرى بعـد قـصة خـطيئة الإنسان الأول الـفـصل 3، وهي قـصة خـطيئة قـتل قايـين لأخـيه هابـيل الـفـصل (4/1-16) . القصتان منذ البداية تـشرحان خـطيئة الإنسان ضد الله وضد الـقـريب ، التي يمارسها الإنسان المؤمن المخلوق على صورة الله ومثاله ، مما تجعـله بعـيداً عن مملكة الله ودستورها (الوصايا).
القـصتان مرتبطتان بقـضية العهـد الإلهي لشعب إسرائيل (أنا أكـون لكم إلهاً، وأنـتم تكـونـون لي شعـباً)، صورة هذا العهـد الكلمات العشر (الوصايا). مَن ينـقـض هذا العهـد هو الإنسان سواءاً كان ضد المؤسس (الخالق) وهو الله، أو ضد الإنسان الآخـر (القريب) الذي هـو شريك مع الله في هذا العهـد.
قـصة بين الواقع والخيال:
من المقـدمة أعلاه نلاحظ أن الكاتب منذ مطلع كـتابه يضع لوحي الشريعة أمام إسرائيل بإسلوبٍ قـصصي منسوج من المثولوجـيا (الأساطير)، يشرح واقع شعـب إسرائيل العشائري أمام العهـد الإلهي المرتبط به مع الله. إذن، نحـن أمام خيال قـصصي ممزوج بواقع إيماني وعهـد إلهي.
قـصة قايين وهابيل (تك 4/1-16) تـشرح واقع إسرائيل العشائري والعـبادي في زمن قـبل الملوكـية من القرن السابع قـبل الميلاد، من صراع قـبَلي، وعـبادات مختلفة، قـد تصل إلى حـد القتال فـيما بينهم، وهـدر الدم مقابل دم الآخـر. الكاتب يطرح قـضية شعـبه ويجـد لها حلولاً بموجب إيمانهم بالله وعهـدهم المقـدس معه وشرائعه التي من الواجـب أن يَحـيَـون بموجـبها كـشعبٍ ينـتمي إليه.
الكاتب هنا يعـطي الحل لشعـبه بمنظور إلهي، بالرغم من الحسد والغـيرة والصراع والـقـتل والخطيئة، والإصرار على تطبـيق القانون العشائري على القانون الإلهي، يقـول أن الله يفضل الحياة على الموت، وكـيف أن الله بالرغم من خطيئة الإنسان يعـطي ديمومة الحياة ونموها. لـذا يضع الرب علامة لقايـين لئلا يضربه كل من يجـده.
خاتمة:
قـصة قايين وأخيه هابيل هي واقع حي يعـيشه الإنسان على مدى العـصور، من حسد وغـيرة والصعـود على أكـتاف الآخـرين، وخطيئة مستمرة داخل الإنسان ناتجة عـن عـدم القناعة بعمله وعمل الآخـرين، مما تدفعه أحياناً الى الضغـينة والحـقـد التي تـدمر أخيه الإنسان وتـقـتله، ليس فـقـط بالدم، لكن بتـشويه السمعة أو الإنـتـقاص من إنسانيته وشخصيته أمام الآخـرين.
الإنسان بسبب خطيئـته دائماً يرى مجريات الحياة بموجب منظاره الضيق والسلبي التي تحـدد مساره في الحياة وتـقـلص مداركه في أن يرى الحياة بنموها وتطورها من أجل الأفـضل. أما إذا غـيّر الإنسان إتجاهات أنظاره وبإيجابية كما يكـشفها لنا كاتب سفر التكـوين نحو عهد الله المقـدس وكـلماته العشر، سوف تـنـفـتح أمامنا الحياة بكل ما تحـويه من نمو وتطور وفائدة تجعل البشرية في تـقـدم مستمر وحياة أفـضل.
من يقف في صف كنّا وآغجان فأنه مشارك في تهميش وإستلاب حقوق الكلدان