15 نوفمبر 2019 | الكاتب:يقين
22 يوما مضت على بدء التظاهرات الشعبية الحاشدة في العراق في موجتها الثانية والتي كانت قد بدأت في الـ 25 من تشرين الأول/ اكتوبر الماضي، وبعد مماطلة حكومية ونفي لاستهداف
المتظاهرين بأسلحة فتاكة، اتهم وزير الدفاع “نجاح الشمري” في مؤتمر صحافي عقده في باريس الخميس 14 من تشرين الثاني/ نوفمبر طرفا ثالثا (لم يسمه) بقتل المتظاهرين والقوات الأمنية على حد سواء.
تصريحات وزير الدفاع أثارت جدلا كبيرا في الأوساط الشعبية العراقية واعتبرت أنه اعتراف من الشمري بأن إيران هي التي تقف وراء قتل المتظاهرين في بغداد والمحافظات.
طرف ثالث
- اقتباس :
“العتاد الذي أصاب المتظاهرين لم تستورده أي جهة عراقية، بل حتى أن قنابل الغاز المسيل للدموع و
القنابل الدخانية لم تدخل البلاد عن طريق الحكومة”
لم تأتي تصريحات الشمري من العاصمة العراقية بغداد، بل جاءت خلال مؤتمر صحفي للوزير الشمري عقده في باريس الخميس الماضي واطلعت على تفاصيله وكالة “يقين”، إذ أكد بكل وضوح على أن البندقية التي تستخدمها
القوات الأمنية الحكومية في مواجهة المتظاهرين يمكنها إصابة شخص على مسافة تتراوح بين 75 إلى 100 متر كحد أقصى، بينما بعض المتظاهرين الذين قتلوا بالرصاص كانوا يبعدون عن القوات الأمنية أكثر من 300 متر، بحسبه.
وعزز الشمري تصريحه بالإشارة إلى أنه وبعد تشريح جثث المتظاهرين الذين قتلوا من قبل الطب العدلي، وبعد استخراج المقذوفات من أجسامهم، وجدت اللجان المختصة أن العتاد الذي أصاب المتظاهرين لم تستورده أي جهة عراقية، بل حتى أن قنابل الغاز المسيل للدموع و
القنابل الدخانية لم تدخل البلاد عن طريق الحكومة العراقية، بحسب قوله.
في السياق ذاته نشرت وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) توضيحا لوزارة الدفاع حول تصريحات وزير الدفاع “نجاح الشمري”، إذ نقلت الوكالة أن من قصدهم الشمري بعبارة “الطرف الثالث” هم عدد من الأشخاص الذين حملوا السلاح واستهدفوا المتظاهرين والقوات الأمنية وهم مجموعات خارجة عن
القانون تلاحقهم السلطات، بحسب نص التوضيح الذي اطلعت عليه وكالتنا.
على الجانب الآخر، يقول النائب في
البرلمان “أحمد الجبوري” في حديثه لوكالة “يقين” إن وزير الدفاع “نجاح الشمري” يدافع عن حكومته بتبرئتها من قتل المتظاهرين ويؤكد على أن المقذوفات وقنابل الغاز التي اخترقت رؤوس المتظاهرين لم تكن الحكومة قد استوردتها.
وتساءل الجبوري عن دور وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية في حماية المتظاهرين وإلقاء القبض على القناصة ومطلقي قنابل الغاز أو من أدخلها إلى العراق بحسب إدعاءه، لافتا إلى أن تصريحات الشمري أتت لتفضح التدخل
الإيراني في قمع المتظاهرين العراقيين وأن من يقتل المتظاهرين جهات ذات ولاء إيراني، مبينا أن توضيح وزارة الدفاع وتفسيرها لتصريحات وزيرها أضاف مزيدا من التأكيد على أن تصريحاته أحرجت الحكومة والمنطقة الخضراء، بحسبه.
اتهام واضح لإيران
- اقتباس :
“من يقمع التظاهرات هم
الميليشيات التي ترتدي زي القوات الأمنية ومكافحة الشغب”
تأتي تصريحات وزير الدفاع “نجاح الشمري” لتضيف مزيدا من التأكيد على أن من يقمع التظاهرات هم
الميليشيات التي ترتدي زي القوات الأمنية ومكافحة الشغب، إذ يقول الخبير الأمني “حسن العبيدي” في حديثه لوكالة “يقين” إن تصريحات وزير الدفاع جاءت من باريس وليس من بغداد، وهذا ما يؤكد على أن الرجل لم يكن بمقدوره أن يصرح بهكذا تصريح من داخل العراق.
ويضيف العبيدي أن ما تطرق إليه الشمري صحيح وواقعي، إذ أن الأجهزة الأمنية العراقية ووزارتي الدفاع والداخلية لم تستورد بالفعل أي أسلحة لمكافحة الشغب بخلاف الرصاص المطاطي ورشاشاته والقنابل المسيلة للدموع المتعارف عليها والتي لا يزيد وزن الواحدة منها عن 50 غراما في الحد الأقصى، لافتا إلى أن قنابل الغاز المسيلة للدموع والقنابل الدخانية التي استخدمت في قمع المتظاهرين في موجة
التظاهرات الثانية هي من النوع العسكري المستخدم في الحروب ضد التحصينات والملاجئ وفي تحرير الرهائن، إذ أن وزن قنبلة الغاز المستخدمة حاليا 250 غراما وتستخدم عند محاولة قوات النخبة تحرير الرهائن، إذ أن وزنها الكبير ومداها يساعد على اختراق الزجاج المقسى للأبنية التجارية، ولا يمكن استخدامه في فض التظاهرات في الشوارع لفعاليته الكبيرة والمميتة.
ويختتم العبيدي حديثه لوكالتنا بالإشارة إلى أن الجهة التي تملك مثل هكذا قنابل هي إيران، والدليل أن هذه القنابل منتهية الصلاحية منذ عام 2014، إذ أن إيران كانت قد استوردتها من دول الاتحاد السوفيتي السابقة تزامنا مع احتجاجات الثورة الخضراء في إيران عام 2009، وبقيت كميات كبيرة منها في المخازن
الإيرانية من دون استخدامها، وبالتالي ومع موجة التظاهرات العراقية الثانية زودت إيران ميليشياتها بهذه القنابل منتهية الصلاحية لقمع متظاهري العراق وثورتهم، بحسب العبيدي.
سياسيا، رجح أستاذ العلوم السياسية “صالح البياتي” في حديثه لوكالة “يقين” أن التخبط الحكومي واضح في هذه التظاهرات، إذ أن تصريحات جميع المسؤولين تأتي من دون دراسة، وما صرّح به الشمري يثبت ذلك، لافتا إلى أن إيران وبتدخلها الوحشي في قمع التظاهرات العراقية أضرت بحلفاءها في
المنطقة الخضراء.
وكشف البياتي عن أن الحكومة الحالية بزعامة “عادل عبد المهدي” باتت تلعب على عامل الوقت في تراجع حدة التظاهرات الشعبية في ساحة التحرير، لافتا إلى أن هذه الاستراتيجية التي تتبعها حكومة بغداد حاليا كانت نتيجة اجتماع قائد فيلق القدس الإيراني “
قاسم سليماني” مع القادة الأمنيين والسياسيين في بغداد، وجاءت أيضا بعد فشل القمع الذي انتهجته القوات الحكومية في سبيل إنهاء التظاهرات، بحسب البياتي.
وعلى الصعيد الدولي، وفي تقرير جديد لها، أعلنت منظمة العفو الدولية الأسبوع الماضي في تحديث لتقريرها عن مصدر القنابل القاتلة المستخدمة ضد المتظاهرين
العراقيين أن السلطات الحكومية استخدمت قنابل مسيلة للدموع من صنع النظام الإيراني وذلك وفقا لأدلة جديدة حصلت عليها المنظمة.
- اقتباس :
“الحكومة الحالية بزعامة “عادل عبد المهدي” باتت تلعب على عامل الوقت في تراجع حدة التظاهرات الشعبية في ساحة التحرير”
وأشارت المنظمة في تقريرها الذي اطلعت عليه وكالة “يقين” أنها أجرت مزيدا من التحقيقات على القنابل الدخانية التي يبلغ حجمها 40 ملم والتي استعملت في قمع التظاهرات العراقية، إذ أظهرت الأدلة الجديدة أن الجزء الأكبر من هذه القنابل الفتاكة من صنع مؤسسة الصناعات الدفاعية
الإيرانية، وهي من نوع M651 و M713.
وأكدت المنظمة على أنها حصلت على أدلة من مصادر ميدانية للتظاهرات العراقية، لأربع وفيات إضافية بسبب القنابل الإيرانية والصربية، إذ حدد خبير المنظمة العسكري أنواع قنابل الغاز المسيل للدموع المستخدمة كنوعين مختلفين مصمّمين على غرار القنابل العسكرية، ويبلغ وزنها 10 أضعاف عبوات الغاز المسيل للدموع المعروفة في فض الاحتجاجات، مما أدى إلى إصابات مروعة ووفيات عند اطلاقها مباشرة على المحتجين
وأوضحت المنظمة أنها تلقت صور الأشعة المقطعية لمتظاهرين اثنين قتلا في بغداد وذلك من قبل عاملين في المجال الطبي في بغداد، وتؤكد الصور التي حصلت عليها المنظمة على أن الوفيات ناجمة عن ارتطام شديد بالرأس، بحسب تقرير المنظمة.
تستمر
الاحتجاجات العراقية ويستمر معها الارتفاع في أعداد الضحايا بين قتلى ومصابين، بعد أن سجلت مفوضية حقوق الإنسان العراقية مقتل ما لا يقل عن 320 متظاهرا وإصابة ما لا يقل عن 15 ألفا آخرين.