محاكمة وتبرئة
المُخْتـَطـَف في دير ربان هرمزد - ألقوش
(4)
بقـلم : مايكل سـيـﭙـي
سـدني
لستُ أكـتب عـشوائياً لأيّ كان وإنما أكـتب لأولئك الذين يـبحـثـون عـن الحـق لأساهِم معـهم في البحـث عـنه فإذا وجـدناه تحـرّرنا من العـبودية فأقـول: رغـم التعـبئة العامة والهائلة التي تبـنـّاها الشـيوعـيّون في ألقـوش للرأي العام الألقـوشي والتهم الفارغة التي روّجـوها ولسنوات ضد والدي، إلاّ أنّ هـناك أسئلة منطـقـية ومُحـيِّـرة ليس لديّ جـواب لها وهُـم كـذلك عاجـزون عـن الإجابة عـليها، مثلاً: لماذا لم يُـقـتـَـل في داخـل ألقـوش وهـو في نـظـرهم عـنصر خـطـير جـداً عـلى الحـزب الشيوعي بمناظـراته الفـلسفـية وخـطاباته الحـماسية ومؤلفاته الأدبـية ومناصبه الحـكـومية وقـدراته المالية في وقـت كانـت مثل هـذه العـمليات في غاية السهـولة عـلى الرَبُـع الملثمين ليلاً و (سَـوّوها) في غـيره! ومثـلما (سَـوَوها) في أكـثر من واحـد وإخـتـطـفـوه فـلماذا لم يَـخـطـفـوه حـياً من داخـل ألقـوش لأجـل المساومة أو المقايـضة به سـواءاً معـنا نحـن عائلته فـنبادله بدينار واحـد فـقـط نـقـتـرضه من الجـيران مثـلما إقـتـرضنا لقـرطاسيتـنا! أو مع الحـكـومة العـراقـية لإطلاق سراح قادتهم الكِـبار من السجـون أو أيّ مطـلب آخـر من الوزن الثـقـيل بقـدر وزن والدي؟ ولكـن - منذ أنْ إخـتــُـطِـفَ إلى الشمال - عـلِمـنا شيئاً واحـداً وهـو أن الإخـوة الشيوعـيّـين تـنـظيمياً كانوا بمثابة نزلاء مقاتلين عـند الأكـراد وبالتالي لا يمكـنهم أن يُـدَبِّـﭽـوا في الساحة الكـردية كـما يحـلو لهم فهـناك يـدٌ أعـلى منهم وليس بإمكانهم التـصرف بـرَهـينة وصَلـتْ إلى الجـبال الكـردية، فالسجـين عـندهم كان تحـت حـكم الأكـراد وهم الذين يحاكـمونه حـتى وإنْ كانـت قـضيته تخـص غـيرهم فإنهم أصحاب السلطة ويخـضع لإجـراءاتهم وهـذا كان في صالح والدي أدّى بالنـتيجة إلى تـبـرئته وإطلاق سـراحه الذي أحـبط آمال الشيوعـيّـين الألقـوشيّـين وعـكـَّـر مزاجهم، ورغـم أنهم لم يجـدوا تهمة جـديدة كـمبرّر لتـصرّف جـديد مشين ضده يقـومون به أمام الرأي العام الألقـوشي، إلاّ أنهم إستـمرّوا عـلى نهجهم العـدواني ونـظرتهم السوداء إليه بفارق بسيط وهـو سـقـوط كل الحجج للوشاية به عـند الأكـراد أو قـتله عـلى أيديهم، كل ذلك كي لا يعـتـرفـوا بخـطأ السنين بسبـب صلافـتهم، وأعـيد ما قاله المرحـوم هادي حـيدو لوالدي (إنْ كان لهم حـق عـليك فـقـد أخـذوه منك، وإنْ كان لك حـق عـليهم إتركهم لله) فـردّ والدي عـليه قائلاً: أنا تاركهم لله من زمان.
إن ظروف الحـركة الكـردية شأنها شأن أية حـركة ثورية في العالم كانـت مشغـولة بالكـفاح المسلح مع الحـكـومة المركـزية ولم تكـن الفـرص متاحة أمام الثوار الأكـراد للدراسات الجامعـية أو غـيرها داخـل العـراق، وعـليه فإن حـل المشاكـل الداخـلية الطارئة عـندهم كان يـناط برجـل متـزن من الشيوخ أو شخـص عادي ثائـر مقاتل شجاع موثوق به مِن قِـبَـل القـيادة الثـورية الكـردية لـذا فالحاكم في قـرية خـورّك لم يكـن دارساً القانون وإنما كان حـكـيماً متـفهـِّـماً منطـقـياً رزناً يحـل المشاكـل بعـقـلية طابعـها عـشائري شعـبي ولكـن بضمير حي وليس بطريقة (طِـﮔــّا ﭽـيلة) المُـتهـوّرة.
من جانب آخـر لم يكـن الأكـراد يعـرفـون والدي ولا هـو يعـرف أحـداً منهم، إذن ما الذي جاء بهذا الرجـل إلى المنطقة الكـردية مخـتـطـَـفاً، ما هـو الذنب الذي إقـتـرفه وهـل هـو عـنصر خـطـيـر فعلاً؟ ثم ما هي التهمة الموجّهة إليه، ولما كانـت البَـيّـنة عـلى مَن إدّعى شرطاً قانونياً ومنـطـقـياً، طـيّـب مَن هـو الذي يـدّعـيها عـليه، وما هي تلك البـيّـنة؟ (أم أن هـناك سـهـواً أو خـطأ في الموضوع مثـلما حـدث لأستاذ قـدير وشجاع ونـزيه في قـلب محـلة سـينا كادَ بل أوشكَ أن يُـهـدَر دمه البريء والسبـب لأنه لم يتمايل مع رياحها السياسية - إسألوا أهـل العـلم القـدامى إنْ كـنـتم لا تعـلمون)! إن أسئلة كهذه متوقعة أن تـدور في ذهـن الحاكم ولهـذا فإن الشيوعـيّـين الألـقـوشيّـين في الجـبال - وعـوائلهم معـهم في تلك الأيام - كانـوا أذكـياء فـتهـيؤوا لها بذكاء الأشرار أيضاً وفي إتجاهـَـين إثـنين، أولاً التملـّـق أمام الأكـراد للحـصول عـلى كـلمة عـفـرم، وثانياً تـدريـب شـهود الزور بهـدف إيقاع أقـصى وأقـسى عـقـوبة ممكـنة بحـق والدي فـقاموا:
(1) بتـوسيع التهـمة الألقـوشية المزعـومة عـلى والدي المتهم، من متابعـته الشـيوعـيّـين فـقـط في ألقـوش للإيقاع بهم .... إلى مراقـبته حـركة الثـوار الأكـراد بصورة عامة و معهم الشـيوعـيّـين.... إذن صارت القـضية تهـمّ الأكـراد أيضاً.
(2) تـوفـير وتـدريـب صبـيان أبرياء ألقـوشـيّـين كـشهود في المحـكمة بعـد تـلقـينهم نـصوصاً يرددونها كـمحـفـوظة أمام الحاكم الكـردي ظـناً منهم بأنه سيأخـذ بها عـلى إعـتـبار أن الطفـل بريء لا يعـرف الغـش والخـداع وإن ما يقـوله هـو حـقـيقة.
(3) إستـطاعـوا إقـناع ودفع شاهـد آخـر ألقـوشي بالغ العـمر (كان عـلى ﮔــَـد إيديهـُمْ وإخـتاروه لأنهم يعـرفـون طـينـته ... صُـدُﮒ خـبـيث بأقـصى معاني هـذه الكـلمة) من معارفـنا السطـحـيّـين في كـركـوك لم يـبنِ صلات وثيقة مع الأكـثرية لتـكـَـبُّـرِه وإعـتبار نـفـسه من طبقة خاصة في حـين قال لي المرحـوم بـيلو وزي (أبو ثائر) لاحـقاً إنه أضحـوكة بـين الرفاق جـماعـتـنا حـيث عـرضَ مـرة عـلى المرحـوم توما توماس إقـتراحاً وقال لماذا لا نـتـدخـل ونحـل الإشكال بـين ماوتسي تونـﮒ وخـروشوف ؟
إذن هـناك شاهـدَين في المحـكـمة عـند الحاكم الكـردي: أ - الصبـِـيّان الإثـنان ..... ب - الرجـل الراشـد.
وإسمحـوا لي قـبل أن أدخـل إلى المحـكـمة وتـصوير مَـشاهـدها فـقـد يُـطـرَح السؤال التالي: هـل حاول والدي الإستـنجاد كـما يقـول المثـل بـ (ﮔِـشّاية) كي يرجع إلى البـيت سالماً؟ في الحـقـيقة والدي لا يعـرف غـير الألقـوشـيّـين ولما كانـوا هم الخـصم والحَـكم فـبمن يستغـيث؟ نعـم كان يشاهـد الرجال الألقـوشـيّـين الملتحـقـين هـناك وشاهـد إمرأة من معارفـنا القـدامى وهي التي سـلـّـمتْ عـليه، فهل يطلب منهم النجـدة وهم المتـكالبـين عـليه؟ ولكـن مع ذلك لمحَـتْ عـيناه مرة المرحـوم توما توماس الذي يعـرفه من أيام كـركـوك، وإنطلاقاً من ثـقـته بما كان يُـحـكى عـن مكانـته في المنطقة سأله إنْ كان بإمكانه أنْ يعـمل له أيّ شيء، فأجابه المرحـوم جـواباً قـصيراً: (( عـبو، إنهم لم يأتـوا بك عـندي!)) كـلام حـلو ومنطقي، إنّ الرجُـل قال كلام حـق لأنهم لم يـؤتَ بوالدي المُـخـتــَـطـَـف عـنده، إذن لا يمكـنه أن يعـمل له شيئاً؟ ويمكـن للقارىء أن يحـلل تلك الإجابة القـصيرة بعِـدة إحـتمالات:
( أ ) إنّ الرجـل توما شخـصياً لم يتهم والدي يوماً ولكن - ﭽَـمْ حَـلِـﮒ يـسِـدْ - فـربما لم يرغـب بالدفاع عـنه مستـنداً إلى ما يُـنقـَـل إليه من الظـنون ... لأن رجاله المثـقـفـين الذين كان يعـتمد عـليهم والشعـب الألقـوشي المتعـلم والساذج أقاموا الدنيا وأقـعـدوها في إتهامه ولكـنه قـصَّـر في واحـدة فـقـط وهـي أنه لم يسألهم يوماً عـن المستمسك المادّي والملموس باليـد ضد والدي المتهم كي لا يأخـذ ظـنونهم مأخـذ الجـد!!!
(ب) لم يرغـب بالتـنازل أمام الحاكم الكـردي من أجـل إنسان ألقـوشي بسيط فإن هـذا التـنازل يحـفـظه لنـفـسه في المستـقـبل لقـضية أخـرى أكـثر إستحـقاقاً وربما لشخـص أقـرب إليه
(ج) يمكـنـنا أن نـقـول لم يكـن بـيـده سـلطة فـعـلية عـدا القـتالية فـيتـوقع أن الحاكم الكـردي سـيردّ طـلبه، وبالعامية نـقـول - ما يْـدوس تـخـتة ﭽُـرّوكْ -
(د) إن المشـكـلة لم تـعـد شـيوعـية بل دخـلتْ في القـناة الكـردية
(هـ) ولكي نـنأى بأنـفـسنا عـن إحـتمال الخـطأ في كل تلك التخـمينات نقـول ربما لم يرغـب المرحـوم توما في إبـداء أية مساعـدة لوالدي لغاية في نـفـس عَـمّـو يعـقـوب، ومع ذلك نـقـول الله في عـون المضـطـَـهَـدين.
دخـل والدي المتهم مكان المحـكمة ونوديَ عـلى الشاهـد الأول ( 1 ) صَبـِـيّان إثـنان ألقـوشـيّان (والداهما وقـوران رزنان هادئا الطبع ومن معارفـنا القـدامى ولكـن لا أدري ماذا أقـول هـل أنّ تـدريـب ولـدَيهما صار خـلف ظهـرهـما .... أم أن الزمان غـيّـرهـما!) وقـف الصبـيّان وأصابعـهما تـتـحـسَّـس الحافات السفـلى لقـميصَيهـِما، وسُـئِـلا عـن معـلوماتهما بشأن هـذا الرجـل؟ فأفادا كـليهما بالنـشيد التالي: رأينا هـذا الرجـل في البـيادر الشرقـية من البلـدة واقـفاً عـلى الطريق المؤدية إلى دير ربان هـرمزد وقـت الغـروب - إنـتهى النشيد. ويا لها من تهمة مدروسة مِن قِـبَل محـنـَّـكـين ..... دِ ﮔـولوها بشكل واضح يا أطفال، أنّ الكـبار عـلـَّـمونا أن نـقـول أن هـذا الرجـل كان يراقـب حـركة الثـوار الأكـراد والشيوعـيّـين من وإلى ألقـوش والدير! بعـد لويش هـذا التمويه الطـفـولي البريء؟ فـسأل الحاكم والدي عـن ردّه فـقال: من عاداتـنا في مجـتمعـنا الألقـوشي أن أهـل كـل محـلة يـذهـبون إلى بـيادرهم لأنهم تـرعـرعـوا وكـبـروا فـيها ونـقـلوا حـنطـتهم وشعـيرهم إليها ودقــّـوها وصَـفــَـوها عـليها فـصارت هي الأماكـن المفـضلة والمألوفة لديهم والعـزيزة عـليهم مثل بـيتهم، وليس ممنوعاً أن نـذهـب إلى البـيادر الأخـرى إلاّ أنـنا نـشعـر كـغـرباء فـيها، فأنا إبن المحـلة التحـتانية وبـيدرنا يقع في الجهة الجـنوبـية من البـلدة (جهة المسلخ وماكـنة الطحـن) فإذا أردتُ الخـروج إلى الهـواء الطلق خارج البـيوت والأزقة فأنا أذهـب إلى هـناك حـيث بـيدرنا ولا أذهـب إلى بـيادر الجهة الشرقـية أو الغـربـية لأن وجـودي فـيها سيكـون نشازاً غـير مألوف ولم يسبق لي أن ذهـبتُ ووقـفـتُ في تلك المواضع أبداً وعـلى الإطلاق ولا الآخـرون يأتون إلى بـيادرنا، ولكـن لنـفـتـرض إفـتـراضاً أنـني ذهـبتُ إليها مرة، طـيِّـبْ هـل في ذلك مشكـلة؟
وتعـليق مني وأقـول: إنّ الصبـيّـين ليسا من جـماعة البـيادر الشرقـية ولهـذا لم ولن يذهـبا إليها للنـزهة طول عـمرهـما في ألقـوش!.
فـقال الحاكم: هاتوا الشاهـد الثاني ( 2 ) فـلما جاء سأله: ماذا تعـرف عـن المتهم؟ فأجاب الشهم: شـوهِـدَ هـذا الرجـل وهـو يغادر ﮔـراج ألقـوش صباحاً إلى الموصل وبعـد نصف ساعة جاءت الطائرات وقـصـفـتْ قـرية (عـين بقـرة - عَـنــْـبَـقــْـرِ)! فـسأله الحاكم: كم تستغـرق السفـرة بالسيارة من ألقـوش إلى الموصل؟ قال: حـوالي ثلاثة أرباع الساعة ( 1963 ) فـقال الحاكم الكـردي: إذن ((منـذ مغادرته ألقـوش وحـتى وصوله الموصل وذهابه إلى الجهات المعـنية ثم من هـناك تـنطلق الطائرات وتصل قـرية عـين بقـرة وتـقـصفها )) تـكـون قـد مرّت مدة ساعة أو أكـثر وهـذا معـناه أن الطائرات كانـت قـد طارت من مطار الموصل وقـصفـتْ القـرية ورجـعـتْ إلى قـواعـدها وهـذا الرجـل لا يزال في الطـريق وليس واصلاً إليها بعـدُ!! ...... ثم واصَـل الحاكم تحـقـيقه وسأل مرة أخـرى الشاهـد الألقـوشي الذي لا يستحي: هـل عـندك شيء آخـر؟ فـقال أخـونا الحـلو: ذهـب هـذا الرجـل إلى قـرية بـيندوايا (قال والدي: نعـم ذهـبتُ) وصار يـبحـث ويفـتـش هـنا وهـناك فإتجه نحـو ساقـية المياه الجارية فـوق الطاحـونة حـيث كان توما توماس يغـتسل وملابسه ورشاشه مركـونة عـند الحافة، فـلما لاحـظه خـرج توما من الساقـية فـوراً وحـمَل حاجـياته معه ودخـل البستان بسرعة كي يُـخـفي نـفـسه عـن هـذا الرجـل! فـقال الحاكم: ما نوع السلاح الذي كان يحـمله هـذا الرجـل؟ أجاب الشاهـد الذكي وقال: لم يكـن مسلحاً! قال الحاكم: إذن لماذا إنهزم تـوما منه، إن أمثال توما لا يخافـون من أمثال هـذا الرجـل فأنـت كـذاب، أخـرج من هـنا يا (((صـَيْ - باللغة الكـردية))) ولما إنـتهى الشـهـود من شهاداتهم المزوّرة أحـس الحاكم الكـردي الذي لم يدرس القانون بأنها مـفـبركة، ولما إنـفـرد والدي معه، حـكى له عـن بعـض الأسباب الشخـصية الدفـينة التي لا يعـلمها غـير الله والتي تـقـف وراء الوشاية به وخاصة من قِـبَـل الرجـل الذي إستـقـبله في الدير حـين وصوله مخـتـطـَـفاً وتـَـشَـفـّى به قائلاً (ها، كِـمّـيثولوخ؟ وِخـْـوا بـِجْـيالا إلـّـوخ بْـليلِ تـْـفِـقـْلان بْـيوما – ها، أتـوا بكَ؟ كـنا نبحـث عـنك في الليل فـصادفـناك في النهار) عـنـدئـذ قال الحاكم لوالدي: أخي إذهـب بسلام إلى بلدتك وعائلتك، فـقال له والدي: كـيف أذهـب وأمشي كـل هـذه المسافة من قـرية إلى قـرية وأنا أرتـدي قـميصاً وسروالاً (ملابس غـير كـردية) فـربما يراني أحـد من بعـيد ويعـرف أنـني لستُ كـردياً ويشـكّ بي فـيرميني بطلقة، فـقال الحاكم ماذا تريد؟ قال والدي: عـلى الأقـل يأتي كـردي معي ويوصلني إلى جـبل ألقـوش، فـعـيّـن رجلاً آثورياً ( *** ) يعـرج قـليلاً في مَـشـيـِه وأوصله إلى حـيث شاء ونـصحـوه أن لا يدخـل ألقـوش عـلى طريق تـرابي خـوفاً من الألغام، فـذهـب إلى حـقـول الحـنطة ومن هـناك إلى الطريق المبلط ووصل مداخـل ألقـوش نهار 24 أيلول 1963 وكـله أمل أن يستبشر خـيراً بعـدَ تلك المأساة ولكـنه لاحـظ أن هـناك نـقـطة سيطرة وتـفـتيش حـديثة أوقـِف عـندها ولم يكـن يعـلم بأنّ تغـيُّـرات حـصلتْ في البلدة خـلال فـترة غـيابه منذ أن غادرها إلى قـرية بوزان قـبل 37 يوماً عـند إخـتـطافه، وبالإضافة إلى ذلك شاء حـظه العاثر أيضاً أنْ في تلك الساعة بالذات حـدثـتْ مشكـلة كـبـيرة وخـطـيرة في المنـطـقة عـن طريق الصدفة سوف نـذكـرها بالتـفـصيل في مقالنا القادم (5). وليكـتب الآن الكــُـتــّاب الأحـداث الذين يزمـِّرون بالأبواق كـتلاميذ الكـشافة، تعـليقاتهم الركـيكة كي نستـمتع بها كـحـكايات الأطـفال.
( *** ): سار الآثـوري المُـرافـق مع والدي من قـرية إلى قـرية ومن حـقـل إلى حـقـل وأثـناء طريقهما إلى ألقـوش مَـرّا من عـند قـرية يرأسها أحـد الشيوخ الأكـراد، وهـناك قال الآثـوري لوالدي: يَـسُرني أن أكـلمَ هـذا الشيخ ليسجـنك عـنده فـترة أخـرى! فـقال له والدي: لماذا يا أخي تـطـلب لي الشـر، فأنا لستُ مصدّقاً نـفـسي حـين سَـلِـمْـتُ من الشيخ الأول وعائلتي لا تعـرف مصيري ولا أي خـبر عـني، فـكـيف تـزج بي في سجـن الشيخ الثاني ومَن سيخـلصني منه، دعـني أذهـب بسلام، ولكـن الآثوري ألحَّ وألحَّ .... فـصار والدي يتوسـل به كالعـبد إلى أن إقـتـنع. مرتْ أعـوام وأعـوام وفي أحـد الأيام ووالدي يمشي مع أخي في منـطقة البتاويّـين - بغـداد صادف وجهاً لوجه ذلك الآثوري الذي خاف من والدي (في بغـداد!) خـوفاً لا مثيل له وصار يُـقـبِّـل ويُـقـبِّـل بأخي!! فـقال له والدي: أخي إذهـب بسلام ولا تـخـف فأنا لستُ مثـلك.