الكلدان يدفعون الثمن!
(1)
هنالك عدة عوامل تتطلب توافرها عند تكوين مجتمع ما ان كان ناجحا من عدمه، وعليه عند الرجوع الى اي مجتمع ناجح فأن علاقات المحبة والتسامح والالفة تكون سائدة بين افراده بعد ان يأخذ القانون مجراه في التطبيق وبصورة عادلة للجميع، وذلك يعود بالتأكيد على وجود عناصر مشتركة تربط ابنائها ببعضها ومنها اللغة والتاريخ والدين والتراث والعادات والتقاليد وهذه كلها مجتمعة تشكل ما يسمى بالقومية: التي هي ايضا ايديولوجية وحركة اجتماعية سياسية نشأت في هذا المجتمع. الا ان المتعارف عليه وفي تكوين هذه البلدان العديدة التي توجد فيها عدة قوميات متعددة في كل بلد منها. وتكمن قوة هذه القوميات فيما بينها او في نسيج كل واحد منها بمدى ألفتها وتعلقها بتاريخها ولغتها ودينها الذي يشترك غالبيته فيه لكل قومية منها. فان المجتمع الذي ترتبط قومياته بالوطن يتطلب ان يكون هنالك مبدأ قبول للاخر فيما بينهم، سواء كانت احدى هذه القوميات هي الاكثرية او الحاكمة والقوميات الاخرى ان كانت اقل عددا او نفوذها محدود، ويأتي ذلك عن طريق تشكيل احزاب مشتركة او منظمات مدنية او ثقافية بين هذه القوميات على شرط ان تكون اهدافها خدمة المجتمع بصورة عامة، وبالنتيجة خدمة الوطن الذي ينتمون اليه وليس خدمة قوميتهم او مذهبهم فقط .
ان هذه المقدمة اردتها ان تكون مدخلا لنا نحن المسيحيين في بلدنا العراق الذي ندعي بأنتمائنا لقوميات ومذاهب دينية مختلفة، سبّبَها اصغر مكون فيها وهم الاخوة الاثوريين وذلك لانهم سبقوا المكونات الاخرى في تنظيم الاحزاب بالاضافة الى ادعائهم لانتمائهم لقومية عريقة في التاريخ لا تربطهم بها اية رابط لا من بعيد او من قريب، ومحاولتهم ايضا الغاء وتهميش المكونات الاكبر منهم عدة وعديدا، بعد ان استغلوا علاقاتهم سواء مع حكومة اقليم كردستان او الحكومة المركزية في بلادنا العراق. وفعلا استطاعوا ان يكثروا عددا (بعد ان كان عددهم لايتجاوز العشرات) وتحت مسميات مختلفة بعد ان كسبوا افراد من المكون الاكبر من المسيحيين وهم الكلدان وكان ذلك بالسهولة بعد ان اغدقوا عليهم بالمال وبسبب ضعف انتمائهم لقوميتهم الكلدانية. وبذلك اصبحت هذه الاحزاب او التكتلات التي اتخذت تسميات نشاز كالتسمية القطارية التي ربطوا ثلاث قوميات تحت مسمى واحد بالاضافة الى الحزب الاثوري المتعصب المسمى (زوعا)، اصبحوا الان القوة المؤثرة على تكويننا المسيحي بحيث استغلوا ذلك في تنفيذ اجنداتهم مستغلين بعض المناطق الكلدانية الكثيرة بأعدادها التي سمحت لهم بالتغلغل فيما بينهم محاولين تهجينها ومنها بناء عمارات سكنية لجلب الغرباء الى تلك المناطق لطمس هويتهم الكلدانية ومنها محاولة انجاز مشروع الابراج الاربعة السيء الصيت والكل عارفة تفاصيله ومن هم من ورائه.
وبذلك يكون الكلدان قد دفعوا الثمن، ويعزى ذلك ايضا الى امور اخرى ومنها:
1- عدم اهتمام الكنيسة الكلدانية المتمثلة برجال الدين والمدارس الكلدانية المسيحية في العراق بقوميتنا الكلدانية التي كانت تصاحب هذه التسمية اسماء كنائسنا فقط، ولكن لم نسمع اي تفسير او بحث او مقالة من اي رجل دين اوعلماني ورع بالتاريخ يعطينا فكرة ما عن تاريخنا ولماذا ورثنا هذه التسمية؟.
2- عدم التركيز على تعليم اللغة الكلدانية في كنائسنا وبالصورة المطلوبة لغالبية منتسبيها ان لم يكن جميعها فقد كان يتقنها بعض الشمامسة وليس جميعهم والتي كانت متداولة اثناء القداس وصلاة الرمش والصلوات الاخرى للمناسبات التي معظمها أُستعين بالعربية بدلا منها.
3- حتى ان اللغة المحكية فيما بيننا ولنقل انها السورث اصبحت غريبة على بعض البيوت ان لم تكن معدومة لكونها بالية وفلاحية (كما قالوا) ولا تلائم تعليمهم وثقافتهم وهم في المدن بعد ان تركوا قراهم ومناطقهم في السهل والجبال. ولذلك حلت العربية محلها، والذي اصبح من السهولة ان تحل اللغات الاخرى محلها في بلدان المهجر.
4- لم يطبق اي منهاج تدريسي من قبل المختصين في الكنيسة الكلدانية لحث الطلاب في تكملة التخصص بعد الثانوية لدراسة التاريخ ومنها تاريخ حضارتنا الكلدانية الزاخر بالمحافل والانجازات الفلكية والعلمية والتشريعية لعظمائنا ومنذ نزوح ابينا ابراهيم من اور الكلدانية الى يومنا هذا، الا في بعض الفتيفتيات الصغيرة من هنا وهناك والحاصلة مؤخرا والمتأخرة جدا.
5- لم يكن هنالك اي تنظيم او حزب سياسي يمثل الكلدانيين وبصورة علنية طيلة الفترة الماضية من خمسينات القرن الماضي والتي عشناها وذلك لغاية سنة 1992 على ما اعتقد، عندما شكل الحزب الديمقراطي الكلداني وفي شمال العراق وبتزكية الاحزاب الكردستانية الفاعلة هناك.
6- حصر الحكومة المركزية في العراق على تحديد قومية المواطن بقوميتين لا ثالث لهم مطلقا وهي العربية والكردية وتم تطبيق ذلك في استماراة الاحصاء السكاني بالاضافة الى عدم تداول غيرها في الاماكن الرسمية والمواقع الحكومية.
نعم ربما تكون هنالك امور اخرى يتذكرها احد اخوتنا الكلدانيين ساهمت في تهميش الكلدان، واكون شاكرا ان ذكرها في ملاحظة او مقالة يذكرها لفائدة القارى.
لقد كان جلّ اهتمام الكنيسة الكلدانية في تنشئة ابنائها دينيا من خلال التعليم المسيحي والاخويات والندوات والمدارس المسيحية التي كانت موجودة وقبل تأميمها، نعم لقد كان ذلك من واجبها الرئيسي ولا يوجد لذلك اي اعتراض، ولكن كنا نتمنى ولو بأقل اهمية ان يرافق هذا التعليم اللغة الكلدانية وتاريخ وحضارة الكلدان ليكون كليهما مصاحبين للبعض، التي كنت اعتقد ان لم اكن جازما بنجاح كل تنظيماتنا الكلدانية الحالية والسيطرة على زمام الامور بحيث لا تسمح الظروف من اي كلداني ان يركع امام اغراء المتأشورين في وقتنا الحالي ومهما كان الثمن. لأن اجمل ما يكون في الحياة وحسب رأيي هو التزام الفرد بدينه وقوميته وعن فهم وادراك.
سأستأنف ماتبقى من مقالتي في الجزء الثاني منها، ارجوا منكم المتابعة وشكرا
عبدالاحد قلو