Feb 11, 2008
إنّ المِكْـيالــَين رمـز الرجـل ذي الوجـهَـين
بقـلم : مايكل سيبي / سـدني بتأريخ 14/11/2005 كـتــَـبْـتُ قـصيدة قـصيرة بلغة السورث المحـكـيّة الألقـوشية حَـولَ الزائغـين الطامعـين بهـذه الـدنيا والذين يكـيلون بمكـيالــَين وسـجّـلـتــُها بصَوتي بلحـن حـزين ، تـصِف سـلوك الإنسان المتربّي في الوديان المتموّجـة ، والذي عـندما يكْـبـر يتعامَـل بالبَـيْـع والشـراء بالطرق المتعـرّجة فـيغـلـب عـنده الإنحـراف حـين يتسابق طـمعه مع طـموحه فـينـقاد إلى سرقة الأتعاب بطــُرق فـنــّـيّة وذكـيّة . وقـد كـتـبتُ لاحـقاً مقالاً جاء فـيه : ( إن الطـمّاع وطموحه لا يتعارضان بل يترافـقان نحـو خـط الأفـق الذي لا يمكـن معانقـته ) . يمكـن قـراءته عـلى الرابط
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,163533.0.html .
وعَـنيتُ في ذلك أن الطـمع ! وهـو دافـع يقـود الإنسان إلى ممارسات سـلبـية مُـدانة ، لا شأن له كـما لا يعـرقـل دافـع الطموح الإيجابي المقـبول بل يشـتركان بالإتجاه ، ومعـنى كِـلـَيهـما الرغـبة في إمتلاك ما هـو فـوق الإشباع ، ذلك الذي لا حاجة إليه عـلى المدى البعـيـد المنظور ومَن يقـع في أسْـرهـما ليس له حـدّ للإشـباع ، فالأفـق عـنده هـو خـط ّ النهاية الذي مهـما سار إليه ملتزماً كان أم مخالفاً ، عـلناً أم خـفــْية فإنه يـبقى بعـيداً عـنه . وهـناك أقـوالٌ مأثـورة بهـذا الشأن مثـل ( ما أثرى ثـريّ إلاّ عـلى حـساب الفـقـير ) المنسوب إلى عـلي إبن أبي طالب ، وآخـر منسوب إلى ماركـس ( ثوروا فإنكـم سوف لن تخـسَروا سـوى أصفادكـم ) ، أما قـول المسيح ( بالكـيل الذي تكـيلـون يُـكال لكـم ) فإنه تـنبـيه إلى أصحاب الخان المُـسْـتــَـغِـلــّين وأساليـبهـم الخـفـية والدنيئة في التعامل مع الناس وجـمع المال الحـرام . ولِـمَن لا يعـرف أوَضـّح أنّ الخان في الزمن الماضي كان بمثابة ( مركـزاً أو مكـتباً للبـيع والشراء ، مكاناً للتبادل التجاري ، عَـلاوي) كما كان فـندقاً أيضاً ، لم تـتوفــّر فـيه وسـيلة كَـيْـل أو وزن الحـبوب بالجـملة فـكان البـديل عـبارة عـن حاوية خـشبـية متوازية المستطيلات تــُعـتبر مكـيالاً وبمثابة وحـدة قـياس أبعادها تـتقارب من ( 12 × 28 × 48 سـم ) سُـمّـيتْ عُـلبة . كان صاحـب الخان يوصي النجّـار بأن يعـمل له مكـيالـَين إثـنين :" العـلبة الكـبـيرة " بها يكـيل الحـبوب عـند شـرائها فـيحـصل عـلى كـمية كـبـيرة بثمن قـليل حـراماً ، من البائع الذي زرع وحـصد بتعـب وجُـهـد البـدن فـيـبـيع محـصوله بإبتسامة لـيُـعـيل عائـلته ، أما " العـلبة الصغـيرة " فإنه يستخـدمها حـراماً ثانية حـين يكـيل بها تلك الحـبوب - بكـميات أقـل وبتسـعـيرة أعـلى - ليَـبـيعَـها للكادحـين الآخـرين العاملين بعـرق جـبـينهـم والذين لا يمتهـنون الزراعة وبفـرحة الآباء لأولادهـم يشـترون ، وبالنـتيجة فإن صاحـب الخان وبقـذارة ضميره الميّـت هـذا يسمح لنفـسه بسَرقة الطرفـين بقـلق والخـوف يملأ قـلبه من داخـله ليحـقـق منهـما ظـلماً ربحاً فاحـشاً كـتحـصيل حاصل ! ( يغـش الناس في وضح النهار ويقـولون له - بـيتك عامر ) ، ويحـلو الوصـف الدقـيـق الآن إذ تـذكـّـرْتُ أن صاحـب الخان الشهـم هـذا حـين يكـيل لنفـسه كان يجـعـل عـلبته ( الكـبـيرة ) أفـقـية دلالة عـلى عـدالته ! ولكـنه حـين يكـيل لغـيره كانت عـلبته ( الصغـيرة ) مائلة ، لماذا - أترك الإجابة للقارىء ؟ إنّ أولـئـك أشباه رجالٍ وليسوا برجال ، غادرونا ولم يأخـذوا أرباحهـم الحـرام معهـم ولم تــُخـْـزَن عُـلـَـبُهـم في مثـواهـم ، ولكـنهـم تركـوها عـندنا آثاراً لتـدلّ عـليهـم وتحـكي عـنهـم ، أما نحـن فـفي كـل ديوان نـذكـرهـم بآثارهـم ! فـهـل يصرخـوا عـلينا ويُعاتـبونـنا مِـن قـبورهـم ؟ وفي كـتابتي لقـصيدتي المشار إليها ، وظــّـفـتُ فـيها فـكـرة صاحـب الخان وإزدواجـية مكـياله الرنـّان وسلوكه الحـسّان ، مُـبَـيّـناً أن الطريق الترابية للمُـكـْـتــَـفـين القانعـين ، والمبَـلـّطة للمَيسورين النهّـامين ، متوازيتان وتـتوحّـدان عـند ملتـقى الترابيّـين ( يا بَرناشا مْأوﭘـْرا بْريلوخْ وْ لأوﭘـْرا بْـدَأرتْ ـ يا إنسان من التراب تــَـكَـونــْـتَ وإلى التراب تــَعـود ) فـينالون في النهاية كـأس الفائـزين ويشربون أنخاب الأبـدية أجـمعـين ، إلاّ أن الفارق بـينهـما هـو إطمئـنان الفـؤاد كالمتواضعـين وراحة الضمير كالـوديعـين ، وفاءاً لتعـب الكادحـين الذين كافـحـوا بجـهاد المخـلصين . أما مَن يتمنى هـطول المطر عـلى سطـحه دون غـيره فإنه ( فاقـد الضمير لا يخـطىء ) وعـن هـذا كـتبتُ مقالاً سابقاً بشأنه يمكـن قـراءته عـلى الرابط
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,112482.0.html إنّ القـصـيدة هي أمامكـم تـفـضلوا لقـراءتها :
تِـشـْـبوحْـياثا تا آلاهـا بــِشـْـمَـيّـاثــــــــــــــــــا إلــّـدْ أرأ شـْلاما وْ صَـوْرا وْ كـُـلْ طاواثـــــــــــا
تا بْـنــَـيْـناشا بْـگو كـُلْ عِـدّانِه وْ يوماثــــــا بارخْ مارَنْ لــْـكِـنــْـشا دِيّـوخْ بْآذي بْـريثـــــــــــا
آذي بْـريثا مْـليثا مْـﭘصْـخـوثا وْ بــِسْموثــــــا آذي بْـريثا إيـبا حَـشـّا وْ مَـريروثـــــــــــــــــــــــا
هادَخـيلا دُنــْيـيه مْـليثا مْـخـَجـْـبَــنــْـياثــــــــــا خايـيه ﭘـْـليـئِـه مْـكـيوِه وْ طاواثا بْــمَـسّـاثــــــــــا
أذ مَـسّـاثا خـْـديگِــد عُـلــْبـِه دْ خـَــنــَواثــــــا كـُـلْ مَـرْواثا كـْـزاوِنْ خِـطــّـِه بْـعُـلــْبـِه رَﭘـْـثـــــــا
بْـگو أذ عُـلــْبــِه بــِزْدوثا كـْـراخِـشْ تا موثـا مْـﭽـيهْـوا وْ نيهْـوا دْ آنيه سْـنيـقِه بْـگو خـَيوثــا
كـُـدْ كِـمْـزابنْ كـْـمَـﭘـْـلِـخْ هـونا دْ أتـيروثــــــا كـّـايــِلْ بْـعُـلــْبــِه زورْتا وْ لِـبّـا مِـلــْيا زْدوثـــــــــــــــا
مْـآنيه سْـنيـقـِه ﭘـْـليخـِه وْ قِـنــْـيــِه بــِقــْـمَـصْياثا وْ بْـخـَـرْثا دْ خايــِه كـْـقــَـرْوي لــْموثا بْـگو ﭘـصْخـوثا
كـُـلاّنْ أخـْـني ووخْ بــِرْخاشا بْـأنْ أورْخاثــا هاوِخْ سْــنـيـقـِه يانْ أتـيرِه بْـگو خـَـيـوثــــــــــــــا
كـُلاّنْ بْـخـَـرْثا زيلِـخْ طــَمْـأخـْـلِه أذ موثــــــا وْ هادَخْ كـُلاَنْ كـْـﭘـيشِـخْ خـْـأخـْـذاذِه بْـمَسّـاثـــــــــا
(( ترجـمة بسيطة للقـصيدة ))
المجـد لله في السمـــــــــــــــــــــــــــــــــــاوات وعـلى الأرض السلام والأمل وكـل الخـــــــــــيرات
لبني البشر في كل الأزمنة والأيـــــــــــــــــــام بارك يا رب شعـبك في هـذه الدنيـــــــــــــــــــــــــــا
هـذه الدنيا مليئة من الفـرح والطــــــــــــــيـبة هـذه الدنيا فـيهــــــــــــــــــــــــــــــــا حـزن ومـرارة
هـكـذا هي الدنيا ملـيئة من الحـسابـــــــــــــات والحـياة مقـسّمة بالمـــــــــــيزان إلى آلام وخـيرات
هـذا الميزان شبـيه بمكـيال الخــــــــــــــــــــان كـل صاحـب خان يشـتري الحـنطة بالمكـيال الكـبـير
بهـذا المكـيال يسلك بخـوف نحــــــــــو الموت من تعَـب وشقاء المحـتاجـين في الحـيــــــــــــــــــاة
حـين يـبـيع ، يستخـدم ذكـاء الثـــــــــــــــــراء يكـيل بالمكـيال الصغـير والقـلب مــليء من الخـوف
من أولئـك الذين تعـبوا وجاهـدوا بحـفـنــــــات وفي نهاية الحـياة يقـتربون من الموت فـرحــــــــين
جـميعـنا نسير بهـذه الطرقات ( نحـو الموت ) سواءاًُ كـنا محـتاجـين أم أثـرياء في الحـيــــــــــــــاة
وكـلنا في النهاية ســـنذوق طعـم هـذا المـــوت وهـكـذا جـميعـنا نصبح متســـــــــــاوين في الميزان