2012/4/19
هل حقا أن الكلدان في غيبوبة ؟؟
تعرض الكلدان منذ ربيع عام 2003 الى حملات منظمة للنيل منهم من جهات متعددة ولا سيما التي ظهرت وأنتعشت نتيجة الأحتلال بسبب مواقفهم الثابتة والمبدأية من نتائج الأحتلال وما سببه من دمار للبلد في كافة قطّاعاته الخدمية والصناعية والتعليمية والأمنية وحتى السياسية , ولعل موقف غبطة البطريرك الكاردينال مار عمانوئيل الثالث دلّي وما يصرّح به دوما في مختلف المناسبات واللقاءات التي يجريها غبطته من أن الموقف الكلداني من مجمل الأحداث والأوضاع التي أستجدت ما بعد 2003 أنما هو موقف الوطني الحريص على لحمة الشعب العراقي بمختلف كياناته وقومياته ومذاهبه والمبدأ الذي يلتزم به دائما في تصريحاته هو ((
لقد عشنا مدة أربعة عشر قرنا بروح التسامح والأخوة , متقاسمين العيش وبانين سوية أمتنا الحبيبة , لا يجب أن نستسلم للقوى المظلمة التي تأتي من الخارج لكي تدمّر وحدتنا الوطنية )) وهو يقول هذا ومعه الكلدان في العراق والعالم بصفته الحارس والراعي الأمين على وطنه العراقي أولا وعلى أبناء كنيسته ثانيا .
تمثل الرئاسة الكنسية لبطريركية بابل على الكلدان رأس الهرم في الرئاسات الفرعية المتمثلة بالأبرشيات في العراق والعالم ونستطيع تشبيه العلاقة بين الرئاسة البطريركية والأبرشيات بمثابة القائد العام في ساحة المعركة ( الروحية ) وهو يضع الخطط الأستراتيجية لأدارة هذه المعارك ويمتلك صورة كاملة عن مجمل العمليات الحربية مع قوى الشر , بينما راعي الأبرشية نستطيع تشبيهه بقائد الوحدة الفرعية الذي يملك تصورا عن قاطع عمله فقط , لذلك ليس من واجباته التدخل في مهمات القائد الأعلى ويفرض عليه رأيه أستنادا على ما يملكه من معلومات تخص ساحة عمله فقط وتعميمها على مجمل ساحات المعارك بل قد يُطلَبْ منه أستشارة ما , هذا فضلا عن مبدأ مهم آخر ولا سيّما في العلاقات الكنسية بين الرئيس والمرؤوس وهو مبدأ الطاعة والتواضع (
أحملوا نيري وتتلمذوا لي فأني وديع ومتواضع القلب )) متي 11 : 29 .
وهذه الروح الوطنية ليست من صفات الكلدان فقط , بل يتميّز بها أيضا كافة مسيحيوا العراق ولا سيّما أخوتنا السريان الذين تتماثل مواقف رئاساتهم الكنسية مع الكنيسة الكلدانية ولعل تصريح الأب الفاضل روفائيل القطيمي في أعقاب مذبحة كنيسة سيدة النجاة في بغداد يعتبر مثالا واضحا على ذلك حين صرّح للصحافة بقوله ((
نحن المسيحيين أبناء العراق ومتجذّرين في العراق , لذلك أقول لكم أن ما يمس العراق يمسّنا وما يضرّ العراق يضرّنا , عشنا منذ طفولتنا في محلة واحدة في تكاتف مع الأخوة المسلمين في الجامعة , الوظيفة , العمل .... ولم نشعر بأية فروق لأننا نشعر كشعب واحد )) .
ولكن مع الأسف ظهرت بعض الأقلام لبعض الكلدان الذين أغرتهم المناصب والكراسي ليركبوا موجة أعداء الكلدان الذين أرادوا النيل من رئاستنا الكنسية بسبب مواقفها الثابتة والمبدأية في الدفاع عن أبناء كنيستهم الكلدانية ظاهرها الحرص على الكنيسة وباطنها السير في طريق أعداء الكنيسة وعلى مبدأ ((
سأضرب الراعي لتتبدد الخراف )) مرقس 14: 27 , ومن بينها ما يكتبه الأستاذ سمير شبلا بين حين وآخرمن مقالات فيها الكثير من الغمز واللمز كما جاء في مقاله (( ما بعد الكاردينال )) وكأنه القَيِّم على شؤون الكنيسة متناسيا وهو الشماس أن من أهم صفات الشماس الذي يريد أن يخدم في الكنيسة هي الطاعة وعدم التدخل في شؤون ليست من أختصاصه , فموضوع رئاسة الكنيسة ليست أنتخابا سياسيا والناخبون ليسوا سياسيين يوازنون بين مصالحهم أو مصالح ناخبيهم في أختيار رئيسهم , بل أن ناخبي رئيس الكنيسة هم مدفوعون من الروح القدس في أختيارهم لأبيهم الروحي , وبعد أختيارهم له , عليهم واجب طاعته وتنفيذ تعاليمه وليس كما يفترض الأستاذ سمير شبلا أن يفرضوا رأيهم عليه , وواجبهم في حالة ظهور خلل (لا سامح الله) في عمل البطريرك فليس عليهم سوى تكثيف مساعدتهم له والصلاة من أجله وطلب عون الروح القدس الذي سيكون كفيلا في تصحيح الخلل ( أكرر لا سامح الله ) .
وفي مقاله الأخير ((
الكلدان في غيبوبة )) يقع الأستاذ سمير شبلا في نفس أخطاء البعض من الشمامسة الذين يستخدمون آيات من الكتاب المقدس في غير أهدافها التي نزلت فيها خدمة لدعم رأيهم وهو ما أورده من نص للأصحاح الثاني من العدد 22 من أنجيل مرقس التي ينص ((
ما من أحد يجعل الخمرة الجديدة في زقاق عتيقة , لئلا تشق الخمرالزقاق , فتتلف الخمر والزقاق معا , ولكن للخمرة الجديدة زقاق جديدة )) وهذه الآية التي لا علاقة لها بما يريد أن يدعم بها رأيه وحسب تفسير كبار مفسّري الكتاب المقدس , ومنهم القديس كيرلّس الكبيرنزلت لليهود الذين كانت قلوبهم زقاقا قديمة , لا تسع خمرا جديدة , أما القلب المسيحي فقد وهبه المسيح بركات روحية فائقة , وفتح الباب على مصراعيه للتحلّي بمختلف الفضائل السلمية والسجايا العالية . فأين هذه الروحية من دعوة الأستاذ شبلا ؟ .
ويورد الأستاذ شبلا صفات يريد توفرها في البطريرك ويعددها (
الجرأة , الشجاعة , محبوب من ... ) وهذه الصفات نراها في أبطال افلام الكاوبوي , أو في رؤساء الأمريكان !! وليس في رئيس الكنيسة الكلدانية التي أهم صفة يجب توفرها فيه هي (
التواضع , الصلاة , الصوم , والدفاع عن رعيته وحقوقها لحد الأستشهاد ) , ويضيف صفة أخرى غريبة هي ((
يقرأ الواقع كما هو !!! )) أي أنه يرضى بالأمر الواقع وتسلّط القوة الغاشمة حتى لو كانت شرّيرة (
وهي بالتأكيد كذلك ) وأن يساير الظلَمَة ويسكت عن سالبي حقوق رعيته الذين (
واقعهم كما هو ) أنهم نصّبهم المحتل وسلّم الأمور بأيديهم دون أستحقاق !! .
ولم يفُتْ الأستاذ شبلا دغدغة مشاعر أعداء الكلدان حينما يورد شعار (
يا مسيحيوا العراق أتحدوا) وهي أشارة الولاء لحاملي التسمية القطارية والتي أعتادوا على ترديدها بمناسبة أو غير مناسبة وهم يتعامون عن الحقيقة الثابتة بأن الكلدان هم من يدعون الى الوحدة بين جميع مكونات الشعب العراقي , ويحاربون التجزأة والتقسيم الذي يدعون له حاملي هذا الشعار والسائرين في خطى الأحتلال. أما أذا كان الأستاذ شبلا يقصد الوحدة المسيحية , فلا أعتقد تغيب عن باله حقيقة أن الكلدان هم المتّحدين مع أكثر من ( 1200 ) مليون مسيحي كاثوليكي , وأذا كان البعض من أبناء كنيسة المشرق الكاثوليكية قد حُسِبوا على المذهب النسطوري لفترة محدودة نسبيا ولأسباب تاريخية سياسية , فأنهم عادوا الى جذورهم الأصلية الممثلة في كنيسة المشرق ووريثتها الكنيسة الكلدانية , الكنيسة التي أسسها مار أدي ومار ماري تلميذي مار توما الرسول , وفي هذه المناسبة لنصلّي جميعا من أجل عودة البقيّة الباقية من أبناء كنيسة المشرق الى حضن كنيستهم الدافىء , كنيسة مار بطرس الرسول , الصخرة التي بنى عليها المسيح له المجد كنيسته .
كلمة أخيرة بصيغة أستغراب للأستاذ سمير شبلا ( الكلداني ) ويشاركني العديد من أبناء أمتنا الكلدانية وهي سبب خلو كتابات الأستاذ شبلا عن أي أشارة أو تلميح أو نقد أو أعتراض على الهجوم الذي تشنّه بعض الجهات السياسية وحتى الدينية الآثورية على القومية الكلدانية معلنين صراحة وبملى الأفواه بعدم وجود شعب أسمه كلداني وأن كل مسيحي في العراق , هو آثوري !!!
بطرس آدم
19 نيسان 2012