Nov 10 2008
إجراءٌ مُجحفٌ لا سابقة له !
الشماس كوركيس مردو
لقد صُعـقَ الكلدان بما أعلنه السيد سركيس أغاجان في آخر مقابلةٍ له مع موقع عنكاوا . كوم ، حيث قال (( إنَّ لجنة صياغة الدستور الكردستاني ، وافقت على تثبيت حق الحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري في مسودة دستور اقليم كردستان ، وقرَّرت اعتماد تسمية < الكـلدان السريان الآشوريين > بدون واو العطف ، أينما يرد ذكر شعبنا )) .
لأول مرة في تاريخ الشعوب تـُسـوِّغ جهة مُعيَّنة لنفسها هي لجنة صياغة الدستور الكردستاني حذفَ التسمية القومية التاريخية لشعبٍ عريق وأصيل هو " الشعب الكلداني " مِن دستورها الإقليمي ، وتُقرِّر اعتمادها حسب هواها مُلصقة ًبها تسميتـَين اخريين غير قوميتـَين لتشوِّهانها ، وهنا السؤال يـطرح نفسه : هل سألـتْ اللجـنة الموقرة الشعبَ الكـلداني عن طريق ممثـليه الكنسيـين منهم أو العلمانيين فيما إذا كان يقبل بهذا الإجراء المُجحف ؟ وهل تعتبر اللجنة الشعب الكلداني مغلوباً على أمره الى هذا الحد حتى يقبل بكُلِّ ما يُملى عليه ؟ وما هو تأثير أتباع التسميتَين اللتَين لا صلة لهما بالقومية وعددهم مُشتركاً لا يتجاوز الـ 20 % مِِن مجموع المسيحيين ، بينما الكلدان يُمثِّلـون الـ 80 % لكي تُدرجهما الى جانب التسمية القومية الكلدانية ! وهل ذكر التاريخ تسمية ً ثلاثـية لشعبٍ ما ؟ إن السريان والآثـوريين منذ أن تبنّى كُلٌّ مِنهما تسمية ً خاصة به في الماضي البعـيد انـفصلا عن الكـلدان فلا يجمع بـينهما وبين الكـلدان سوي الـدين وهما يختـلفان عن الكلدان بأشياء كثيرة مِنها : المذهب ، اللهجة اللغوية ، الطقس الكنسي ، العادات ، الأعياد والمناسبات والخصوصيات الاخرى .
للشعب الكـلداني سجلٌّ تاريخي ناصع يمتد عميقـاً في التاريخ العراقي القديـم مِنه والحديث ، لقد كان إسهامُ أسلافه في بناء حضارة بـلاد ما بين النهرين الأكـبر مِن أيِّ شعـبٍ رافـدي آخر ، ولا زال أحفاده حتى يومنا هذا يُساهمون بكُلِّ همةٍ وإخلاص في تطوير حضارة وطنه الأصيل العراق ، ولكنَّه وللأسف كان جزاؤه التهميش والإهمال منذ قيام الحكم الوطني عام 1921 وحتى سقوط النظام البعثي الديكتاتوري عام 2003 ، فاستبشر خيراً بقيام نظام ٍ ديمقراطي يضمن حقوق كافة أطياف الشعب العراقي ومن بينها الشعب الكلداني في العدل والمساواة ، وشُدَّ ما كان ظنـُّه خائباً حيث دارت الدوائر عليه ، ليس باستمرار التهميش والإهمال فحسب ، بل تعدّى ذلك الى تعرُّضه لأبشع أنواع الإرهاب مِن قتل ٍ واختطافٍ وابتزاز وتهجير وتفجير لكنائسه ، وقد شمل هذا المسيحيين الآخرين كالسريان والآثوريين ، ولكنَّ نصيبـَه كان الأوفر ومعاناته أكبر بحكم تعداده الكبير وتواجده في كُلِّ ركن ٍ مِن أرض العراق .
ليس بإمكاننا إنكار مواقف السيد سركيس أغاجان الإنسانية تجاه شعبنا المسيحي الذي طالته يدُ الإجرام والإضطهاد ، بل نـُثمِّن عالياً ما بذله مِن جهودٍ مشكورة بتقديمه مُختلف الخدمات الضرورية في مجالي العمران والعون المالي لأبناء شعبنا المُضطهد والمُهـجَّر مِن أماكن سكناه في مختلف أرجاء العراق ، كما لا ننسى دوره السياسي الكبير في تثبيت الحكم الذاتي في دستور اقليم كردستان ، ولكنَّ هذا لا يُبرِّر سلب حرية وإرادة الشعب الكلداني ومصادرة أغلى ما يعتزُّ به وهو هويته القومية . وهذا العمل وللآسف الشديد يُذكرني بالدور المُغزي والمُعيب الذي مارسه السيد يونادم كنا خلال عام 2003 لإلغاء القومية الكـلدانية النبيلة والأصيلة ، واستخدم في سبيل ذلك مُختلف الأساليب الملتوية سعياً لتثبيت فرضيته الآشورية العقيمة ، فهل يُريد السيد أغاجان إنجاح ما فشل به السيد يونادم ؟
بالرغم مِن اختلاف السيدين سركيس أغاجان ويونادم كنا في الرؤية والمنهج ، لكنَّهما مُتـفقان في مُعاداة القومية الكلدانية ويعملان على إلغائها ، وليست مواقف السيد كنا بهذا الصدد بخافيةٍ على أحد ، حيث غرَّرَ بعددٍ مِن أبناء الشعب الكلداني واشترى ضمائرهم بالمال والمُغريات والوعود ، وجعل مِنهم أبواقاً تُزمِّر وتُطبِّل للفرضية الآشورية . أما السيد اغاجان فقد حـوَّل فضائية عشــتار الى فضائيةٍ آشورية مئة ً في المئة : شعاراً ولهجة ً وأزياءً وإحياءً للتراث الآشوري ، وأسدل الستار على كُلِّ ما يتعلق بالشعب الكلداني واستبعَـدٌه مِن أنشطتها وكأنه لا يملك تُراثاً وتاريخاً واسماً مهيباً وهوية ً أصيلة !
عزيزي اغاجان ، ليس بإمكانـك ولا بإمكان أيِّ أحـدٍ آخر القـول ، بأننا شعبٌ واحدٌ ، فمنذ أن استـبـدل أسلافُ آثوريي اليوم تسميتهـم ( الكلدان النساطرة ) في منتـصف القرن التاسع عشر بـتشجيع وإغراءٍ وضغـط ٍ مِن قبل البعـثات التبشيرية الأنكـليكانـية ( الإنكـليزية ) وتبنـوا التسمية الآثـوريـة التي حوَّلها أحفادهم الى ( الآشورية ) في العقـود المتأخرة مِن القرن العشرين ، أصبحنا شعبـيـن مُنفصلين ، نختلف عن بعضنا في المذهب والعادات والتقاليد واللهجة والزي ما عدا الدين ، فكيف يُمكن إلغاء كُلِّ ذلك لنكون شعباً واحداً ، إن هذا الأمر قد أصبح واقعاً ملموساً ووضعاً أثبـته الزمن الطويل ومِن المستحيل تغييره .
كيف تُريد مِن الكلدان أصحاب الرقم الأصعب في المُعادلة المسيحية أن يوافقوا على إلغاءِ اسم قوميـتهم الكـلدانية أو إلصاق ِ أسماءٍ اخرى إليها غريـبةٍ عنها ؟ إن كافة المنظمات الدوليـة تعـترف بوجودنا القومي في بلادنا الأصلية بلاد ما بين النهرين ( عراق اليوم ) ومنذ العصور الفارسية والعباسية والعثمانية ، وإن الدولة العراقية تعترف بنا كقوميةٍ كلدانيةٍ أصيلة وقد أدرجتها في الدستور ، فهل مِن الإنصاف والحق أن يأتي قوم يدَّعي أخوَّتنا ويسعى الى إلغائنا !
إن التسمية ( الكـلدان السريان الآشوريون ) لا تصلح نهائياً لإعتبارها قومية لشعبٍ واحد ، يرفضها الواقع والمنطق . إننا نـُناشدكم ونـُناشد المسؤولين في اقليم كردستان رئيساً وحكومة وبرلماناً ،حيث نعلم يقيناً بأن هدفهم هو ترسيخ الديمقراطية في الإقليم لكي ينعم أبناؤه تحت ظلالها بالحرية والمساواة في الحقوق والواجبات ، أن يعملوا على إعادة النظر في هذه المسألة ، ودرج التسمية القومية الكلدانية متميِّزة ومستقلة عن أيَّة تسميات اخرى ، وكما طالب الحبران الكـلدانيان الجليلان المطران إبرهيم أبرهيم والمطران سرهد جمو في مذكرتهما المشتركة الموجهة الى المجلس الوطني الكردستاني بتاريخ 27 / 10 / 2008 . مع الشكر والتقدير .
الشماس كوركيس مردو