آن الأوان لقيادة مسيحية جادّة
عاشت المسيحية العراقية بخصوصيتها المتمثّلة بالأخلاص والتفاني في خدمة الوطن الذي نشأت وتربّت فيه, هذا كان ديدنها في كافة العقود والأجيال السابقة رغم تعرّضها للأضطهادات على مرّ التاريخ بسبب خصوصيّة ونُبل أيمانها الذي أكتسبته وتعلّمته من مبادىء مخلّصها الرب يسوع المسيح ( له المجد ) سلاحها الوحيد تعاليمه عن المحبة والغفران والتواضع, لذلك كانت تتنَفَّس الصعداء في ظل حكومات عادلة وبعكس ذلك تتعرّض لأضطهادات في ظلّ حكومات جائرة, ورغم تقديمها للشهداء بأعداد هائلة الاّ أنها تمسّكت بأيمانها ومبادئها, ومن الغريب أن جميع هذه الأضطهادات كانت تتم بأسم الدين سواء كان ذلك في بداية أنتشار الأيمان المسيحي في الدولة الفارسية أو الرومانية أو في العصور الحديثة في الدولة العثمانية أو في العصر الحالي نتيجة سيطرة الأسلام السياسي, فضلاً عن ممارسات الأحزاب القومية الشوفينية الطامعة بأراضي وقُرى المسيحيين مستندين على قوّتهم الغاشمة في بلاد تفتقر الى القانون والعدالة .
لم تتغيّر أحوال المسيحيين نحو الأفضل بعد الأحتلال الأمريكي عام 2003, بل أزدادت سوءاً أذا ما قورنت بما كانت عليه في العهود السابقة بسبب أنعدام القانون ومبدأ الفوضى الخلاّقة التي نشرها المحتل , ورغم تعيين ممثلاً للمسيحيين في مجلس الحكم , الا أنه لم يكن له أثر أيجابي لأن تمثيله لم يكن الا لفئة قليلة من المسيحيين , وبذل جهوده فقط لتنفيذ أهداف طائفته وحزبه , بينما ظلّ الغالبية من المسيحيين دون تمثيل في النظام الجديد , ولم يكن الأعضاء الخمسة في مجلس النواب بحال أفضل من الممثّل في مجلس الحكم لأقتصار تمثيلهم أيضاً على النسبة الضئيلة من المسيحيين , وترك أكثر من 80% دون تمثيل حقيقي في الدولة والحكم ولا سيّما بعد خروج الممثّل الوحيد للمسيحيين الكلدان ( الأستاذ أبلحد أفرام ) من مجلس النواب في أنتخابات عام 2010 .
فقد المسيحيون الكثير من حقوقهم نتيجة الغبن الذي أصابهم من أستحواذ الكتل الثلاث الرئيسية على مقاليد السلطات الثلاث لعل أخطرها كان ما سُمِّي بالكوتا المسيحية , حيث أعتبِرَ المسيحيين جميعهم من قومية واحدة رغم مخالفة ذلك في دستور الدولة الرسمي , ومنحوا خمسة مقاعد في البرلمان المركزي وكان ذلك الغبن الثاني لأن أستحقاقهم من المقاعد النيابية لا يقل عن خمسة عشر مقعداً أستناداً الى عدد نفوسهم , وقياسا بالمكونات الأخرى للشعب العراقي وبأعتبار مقعد واحد لكل مائة ألف مواطن , وكانت نتيجة ذلك حصول الآثوريين والسريان على حقهم في عدد المقاعد الخمسة , وحرمان الكلدان من مقاعدهم العشرة التي يستحقونها أستناداً الى عدد نفوسهم, وكان ذلك سبباً كافياً لعدم أعتراض النواب المسيحيين الخمسة على ما سُمِّيت بالكوتا المسيحية , وعليه وتصحيحاً لهذا الخلل فأذا كان لا بد من الكوتا فيجب أن تكون قومية وليست دينية كما هي الآن , ولنفس تلك الأسباب أيضاً تم ألغاء المادة (50) من قانون مجالس المحافظات . الذي كان سبباً آخر في تردي أحوال المسيحيين لعدم وجود صوت حقيقي لهم لا في البرلمان المركزي ولا في مجالس المحافظات وتخبّط الأصوات المسيحية الغير كلدانية في البرلمان ودفعهم الى مشاريع تهدف الى تقسيم العراق تحت مسمّى المحافظة المسيحية تارةً وأخرى بمحافظة سهل نينوى مما زرعت بذور الشك لدى مواطنيهم العرب من أن المسيحيين يعملون على تجزأة العراق أو في أحسن الأحوال فأنهم متورّطون في تنفيذ هدف الأكراد في قضم أجزاء من محافظة نينوى وضمها الى منطقة الحكم الذاتي في كردستان العراق, ولعل ذلك كان سبباً مُضافاً لما تعرّض له المسيحيون في الموصل وبقيّة أنحاء العراق .
ولم يكن ما تعرّض له الكلدان من تهميش ومحاولة ألغاء الأسم القومي ومصادرة لغتهم الكلدانية بتسميات غريبة ومركبّة وتشكيل كيانات سياسية هزيلة بأقل تأثيراً سلبياً على المسيحيين , ذلك بتعطيل ومصادرة الجهد الأكبر للقوة المسيحية من الساحة السياسية , ولا يتطلّب الأمر ذكاءً خاصاً ليصل الى نتيجة أن وجود العدد الحقيقي للأستحقاق النيابي للمسيحيين في البرلمان العراقي كان سيكون له الأثر الأيجابي والفاعل لضمان الحقوق المسيحية التي سُلبت دون وجود مدافع عنها.
لقد آن الأوان للكتلة الأكبر من المكوّن المسيحي ( الكلدان ) والتي تمثّلها على الساحة السياسية الكلدانية المكونات التالية :-
1 – الحزب الديمقراطي الكلداني 2 – الحزب الوطني الكلداني 3 - التجمع الوطني الكلداني 4 - المنبر الديمقراطي الكلداني الموحد 5 - المجلس الكلداني العالمي 6 - الأتحاد العالمي للكتّاب والأدباء الكلدان
أن تتحرك وبجدية, وأن يتم توحيد الجهود لما يقارب من مليون كلداني في العراق ودول المهجر , وأن تتوحد جهود الأحزاب والتنظيمات الكلدانية التي جميعها لها نفس الأهداف الأستراتيجية وفي مقدمتها التسمية القومية واللغة الكلدانية وأعتبار العراق كلّه وطن الكلدان ولا يزال وكما نوّه بذلك غبطة البطريرك الجديد مار لويس روفائيل الأول ساكو من أن (أن الكنيسة الكلدانية وهي تفتتح مرحلة جديدة من مسيرتها التاريخية العريقة والأصيلة تريد تأكيد تجذرها في شرقنا العزيز وخاصة البلد الأم العراق) هكذا هم الكلدان متجذّرين في العراق لأن لا وطن آخر بديل عنه, ويأمل أبنائها في المهجرأن يروا اليوم الذي يعود الأستقرار والأمان اليه وتنبثق حكومة وطنية مخلصة لها القدرة على الدفاع عن نفسها وعن حدودها ومواطنيها دون أن تكون تابعة لأية دولة سواءً مجاورة أو بعيدة , حينها سوف يعود الكثير من أبنائه الذين أضطرتهم ظروف أنعدام القانون والأمن وقبله الحصار الجائر الى مغادرته, وحينها فقط يتم توحيد الجهد المسيحي بتكاتف جميع الأحزاب والتنظيمات المسيحية للقوميات الثلاث وبتبادل الأحترام بين جميع المكونات المسيحية ( الكلدان والسريان والآشوريين ), حينذاك سوف يُنظَرْ اليهم نظرات الأحترام والتقدير من بقية مكونات الشعب العراقي .
بطرس آدم
21\2\2013