Jun 24, 2013
ما أحلى أن يسكن الإخوة معاً، بأمان
بقـلم: مايكـل سـيـﭘـي
سـدني
ما أكـثر الأحلام في هـذه الأيام، تــُـشغِـل الإنسان في المنام، راحة بعـد تعَـبِ الـنهار كأنه في سفـرة وإستجـمام، يسمع أحلى هـديل الحـمام وضواعَ الـكـرَوان وأصوات أسراب الـصـقـور العـظام، مع الأحـبة والرفاق في وئام .... إلاّ أنَّ نشاز نعـيـب الغـربان شـوَّه هارمونية الأنغام، وأثارني فـدفعـني لأسأل أهـل الفال والعِـلم والجان والآنام، عـن لغـز هـذه الرؤى الغـريـبة كـيف تجـمع بـين زقـزقة العـصافـير وتغـريـد الـبلابل في الحـديقة بجانب بَـحَّة بلغـم الغـربان اللـئام؟ فـقالـوا لي لا تحجـب الزغاريـد بل إستمع إلـيها فـفـيها إنسجام، ودَعْ الأخـرى تعـوي في قـَـيْـئِـها بما عـنـدها من سوء الهـضم، وضيق الـنـفـَـس وصعـوبة الـفهم، فهي كالحجـر الأصم لا يتـكـلم إلاّ ما يُـنـقـش عـلى سطحه ويُـعَـلـَّـم، يُـواري عـن أنـظارنا ما في داخـله المخـفـي ويَـضم.
قالوا لـنا: مَن يـدري، فـقـد تبعـث الأحلام إلهاماً عـنـد كـثير من الأقـوام، فـينـسجـون قـصصاً لأجـود الأفـلام، وتجـمع الكـثيرين إلى سفـينة نوح من أولادَ الخاصة وأبناءَ الـذوات والعَـوام، لـنـكـون في ترتيـب وإنـتـظام، حـتى نرى غـصن زيتون في منـقار الحـمام، عـنـدئـذ نـطـمئن ونمشي بسلام، فـقـلتُ: آمنا بالله الـذي يخـلق الناس والأصنام، لن نـُـقـصِّـر في القـول والفـعـل والـفـكـر والإيمان عـلى الـدوام.
ثم حـلمتُ بصوت طـنين أشبه بغـرغـرة مريض سكـران يتمرغـل في قاع الـوديان، ولكـني إكـتـشـفـتُ أنـني متـوهِّـم وغـلطان، حـين رأيتُ أبو سمرة الـولهان يطرق رأسه عـلى الجـدران متـنـقلاً بـين الحـيطان، فالأخ لا يعـرف طعـم السُكـَّـر ولا الخـبز الأسمر ولم يـذق الـرز العـنبـر ولكـنه يجـيـد الهـذيان، فـقـلتُ في حـلمي ماذا به هـذا الحَـيران؟ أجائع هـو أم عـطـشان؟ ألم يكـتـفِ بالخـمسة مضافاً إليها العـشرة من جـرعات التخـدير في أرض ناحـوم وزهـور نيسان، كي يستـلقي منـتـشياً خامـداً كالـنعـسان؟ أين الرفاق من أصنافه الغـربان، أليس له أخ، خال، عـم وإبن عم، أو زميل أو واحـد من الجـيران؟ فـفي النوائب يحـتاج المرء إلى أن يسكـن مع غـيره كالإخـوان، وأنا لا زلـتُ في الحلم تـذكـَّـرتُ مزمور داود وهـو يقـول: ما أحـلى أن يسكـن الإخـوة معاً.....
ولكـن حـذاري حـذاري أقـول لكـل مَن يُـصافح الـزوّار والخلان: لا تـخـتـرق حُـرمة الـدار وتـفـلتْ من الإطار لـتـلقى في نار البركان... أقـول نعـم كـلـنا نعـمل في الـكـرْمِ ونستـظل سـوية تحـت الزيتـون والرمان، ولكـن لكـل منا خـصوصياته عـزيـزة عـلـيه يضمها في الضمير والـوجـدان. أنـظر فـينا: بَـياض الأسنان، شَـعـرَنا وعـيونـنا بألـوان، وشـرايـينـنا تـنبض بتـناسق الميزان، إنها هِـبات الخالق يعـتـز بها الإنسان، نكافح في الحـياة من أجـل لقـمة العـيش بمحـبة القـريـب دون أنْ نـفـكـر بالصولجان، فـمِنـّا مَن يعـمل في المصنع وآخـر في الـبستان، يُـنادى بإسمه ــ لا بإسم غـيره ــ عـنـد خالق الأكـوان، وكـل منا يعـتـز بشيء يملكه (كإعـتـزاز العـريس بعـروسه) فلا يُـشاركه بها غـيره عـلى الـفِـراش أيَاً كان، ومَن لا يـدرك معـنى كلامنا فـلـيـذهـب إلى الشـطآن، ليتـطـهَّـر في جـوف الحـوت ويكـتـسب خـبرة يونان، عـسى أن يُـقـذفَ عـلى الساحـل مجـدَّداً فـيستـنـشق هـواءاً نـقـياً ويشفى من حالة الغـثيان. والآن نـقـول لكـل ساذج تائه في الصحـراء ظـمآن، ونـكـرّر الكلام بهـِمّة الشجعان وبالمجّان:
ما أحـلى أن يسكـن الإخـوة معاً، دون أنْ يتبادلـوا عـرائسَهم عـلى فِـراش العـفة والطهارة والـنـزاهة عـلى مـرّ الأزمان.
نـقـول لـمالك الحـزين، منـقارك معـقـوف منـذ أيام ماضيات، أنتَ تبحـث عـن دودة مجَعَّـدة في مستـنـقـعات، فـما الـذي جاء بك عـند منابع مياه صافـيات، ونـضيف لمن يهـمه الأمر: حـين نكـتب بإسمنا الصريح عـلى المنابر مرفـقـين صورتـنا عـلى المنائـر، لا نهاب الوضيعـين الواقـفـين عـلى الأرصفة ولا قـرقعة المبـتـذلين كأبواق الصغائر، سـواءاً كانـوا مجازين بوُرَيقات من سـوگ المريـدي أو خـرّيجي ساحة الهـرج والمَعابر، ومَن له ردٌّ أو تعـليق أو كلام السـوَفان الـدائر، فـلـيعـرض ما عـنـده من نـتانة المقابر، ولـدينا المرشحات الواقـيات من غاز الـنشادر، لـنـرُدَّ عـليه بكـل إستعـداد وأمان بلا ستائر.