عذراً غبطة البطريريك : سيظل كياني الأصيل يشير لإسمي الجميل
بقلم : د . صباح قيّا أتذكر جيداً الحفل البسيط الذي أقامه في القسم الداخلي أحد الزملاء من أهالي الجنوب العراقي خلال المرحلة الجامعية بمناسبة تبديل إسمه من " شناوة " إلى "هشام " ,. وما أن أنهى المدعوون تناول الكيك وشرب المرطبات , حتى بادره كل واحد منهم ’ وكأنهم على اتفاق مسبق , .. شكراً شناوة .. إنشاءالله د . شناوة . لم تتجاوز ردة فعله النظرة الشزرة وابتسامة العتاب . وظل إسمه الأصلي ملازماً له بحيث إذا ذكر إسم د . هشام , لا بد من إضافة " شناوة " ’ كي يعرف السامع من هو المقصود . وبذلك أصبح إسمه المتداول بين زملائه ومعارفه " د . هشام شناوة " . والحق يقال , لم يغضب لذلك أبداً , ربما لدماثة خلقه وبساطته وتواضعه أمام الصغير والكبير من ناحية , ولقناعته بأن ذلك إسمه عند ولادته . وأملي أن يكون ما زال على قيد الحياة متمنياً له عمراً مديداُ ...
لا شك بأن القليل من القراء من لم يسمع بالفيلسوف الفرنسي " روجيه جارودي " ( 17 تموز 1913 – 31 حزيران 2012 ) , والذي يقال أن والده كاثوليكي وأمه يهودية , ورغم ذلك نشط في باكورة شبابه في إحدى الحركات البروتستانتية , ثم انضم إلى الحزب الشيوعي , وعاد بعدئذ إلى الكثلكة , وأخيرا أعلن الإسلام عام 1982 . وقد صاحب إعتناقه الإسلام ضجة إعلامية كبيرة واستبدل إسمه الأول من " روجيه " إلى " رجاء " , وتم الإبقاء على لقبه كما هو " جارودي " , وربما لتلافي تسميته " جريدي أو جردي أو جرادي " والتي هي الأقرب للقبه . و تلاشى التعظيم والتبجيل بعد أحداث 11 أيلول حين عبر عن رأيه الفلسفي " كيف يجب أن يكون الإسلام " , والذي لم يرق للغالبية العظمى من المرحبين به سابقا , فلذلك لم يحصل وقت مماته على الضجيج الذي صاحبه بدء إسلامه , وبالأحرى مات منسياً أو شبه منسيٍ ....
ومن الغريب العجيب أن تبرز " الظاهرة الجارودية " في التقلب الفكري بشكل أو بآخر بين عدد من أبناء رعيتنا الكلدانية , وبالأخص عند من كان يحمل منهم الفكر الأممي الماركسي في زمن ما . فبعد فشله الذريع في زعزعة الإيمان المسيحي وتهميش الكنيسة الكلدانية متمثلة بكهنتها ورهبانها الذين قاوموا كل محاولاته لإبعاد الرعية عن الحضور والمشاركة بألأنشطة الكنسية المتنوعة ’ ارتبط البعض ممن لم يتعظ من حركة التاريخ , للأسف الشدبد , بتنظيمات مرحلية ظناً منه أنها من الممكن أن تفلح في تحقيق ما أخفق قبلاً من تحقيقه , ألا وهو محو الإسم الكلداني أو إحتواءه , والذي كان عقدته المحكمة التي سدت أمامه كافة الثغرات التي من الممكن النفاذ خلالها لكسب التأييد او حتى مجرد التعاطف البشري أبان عصره الذهبي . فلذلك بقي الموقف السلبي راسخاً في أعماق نفسه رغم تبدل الظروف العامة والخاصة وتجدد المفاهيم الوطنية والقومية .
وهكذا ساهم الجاروديون الجدد في دعم هذا التوجه الوهمي بأساليب ملتوية , فواحد نقل الجنائن المعلقة من بابل إلى نينوى ’ وآخر يصر على أن ألقوش قلعة آشورية , وثالث يدعي أن ملوك بابل قدموا من نينوى ... ولو صدق القول فيعني أن ما كتبه المؤرخون عن القرون الماضية كله كذب في كذب , وأن الشكوك تحوم حتى حول مصداقية الكتاب المقدس وأعمال الرسل وسيرة القديسين ... وربما تكون حتى ولادتي بدعة , فمن يعلم هذا الكيان الذي أنا فيه لمن ؟ ... عجيب أمور , غريب قضية ...
لا يزال المشهد الذي شاهدته من على شاشة التلفاز في بغداد الحبيبة ماثلاً أمامي . ٍسألت نفسي : لم عقب عضو ما يسمى بمجلس الحكم المحلي قائلاً " كلدو آشور " , حين قدمه المذيع كممثل للآشوريين فقط . بصراحة , لم أقتنع في حينه بتلك التسمية المركبة , وبقيت على ما كنت عليه رغم محاولة قسم من الجاروديين وآخر من المبهورين بوهم الوحدة والدولة الموعودة من التأكيد عليّ بأن ذلك التنظيم يهدف جمع الكلدانى والآشوري في بودقة واحدة من أجل الحصول على حقوقهما المشروعة ... وسمعت أيضاً جملاً معسولة أخرى ’ لم تغير من تفسيري الشخصي بأن تسمية " كلدو آشور " ليست إلا أداة تستطيع بواسطتها ألأقلية العددية أن تنال المكاسب المحددة في أجندتها باستغلال الأكثرية العددية المتمثلة ب " كلدو " . وقد أثبتت ألأيام صدق حدسي .
لقد أيقن البعض من دهاقنة سياسة هذا العصر الرافديني بأن التسمية الثنائية لا تكفي بحد ذاتها لتهميش الغالبية الكبرى من مسيحيي العراق , فتفتقت عبقريته , وبإسناد جيوبه المكتنزة من أموال الوطن الجريح , ليضيف كياناً ثالثاً مولداً تسمية هجينة أخرى لا تضاهبها غير الجمهورية الزائلة والمسماة : الجمهورية الليبية العربية الديمقراطية الإشتراكية الشعبية .... , ولسان الحال يقول : أطال الله إسمك بدل عمرك . ولايمكن إنكار الحقيقة الواضحة بأن كلا التنظيمين يضم مجموعة لا باس بها من " الجاروديين " , وهنالك أيضاً من غرر به وتلطخت يداه بما استلمه يهوذا الإسخريوطي ثمناً لخيانته معلمه .
ألمضحك المبكي أن تلك الحزيبات المهجنة سقطت في وهم استراتيجي عندما ظنت أن غبطة البطريريك الكلي الطوبى لويس ساكو يميل إليها , وربما يخدم ضمناً أجندتها , والطامة الكبرى أن عدوى ذلك الضلال انتقلت إلى قسم من القوميين الكلدان , فاهتزت ثقته , وضعفت قابليته في تقدير الموقف بالإتجاه السليم , وانقاد إلى نداء عواطفه ، وبذا صدرت منه ردود فعل معاكسة ً وصلبة جداً سيندم عليها حتماً مهما ادعى خلاف ذلك ... لقد غابت حقيقة بسيطة جداً عن الطرفين المتناقضين بأن غبطته كلداني وانتخب بطريرك الكلدان على العالم , ويتبع كنيسته حوالي 85 % من مجموع المسيجيين العراقيين الموزعين بين البلد الكسير وأرض الشتات , ويشهد لجهوده الروحية والوطنية الغريب والقريب .... إن قصر البصر الملازم لتلك الأطراف هو السبب الجوهري لتفسيرهم محاولات الوحدة بين فئات الشعب المسيحي على أنها محاباة لجهة ضد أخرى ... أثبتت الأحداث المتعاقبة خيبة أمل التسميات المهجنة وأزلامها .. أصبح الإسم القطاري مثاراً للسخرية , وأفل نجم الإسم الثنائي ... أعلن الإسم الكلداني الكنسي القومي في مسودة النظام الداخلي للرابطة الكلدانية ... أقترحت الفوارز لوضعها بين مقطورات القطار المتهرئ .
أستميحك عذراً يا غبطة البطريريك لأقول مهما سيقبل في الدستور من تسميات , سيظل كل كيان يشير لإسمه الأصيل الذي حمله أبواه من أجداده المسجلين , والذي جبل عليه خلال سنين حياته ’ وآمن به وما يزال ’ وكما بقي " شناوة " ملازماً ل " هشام " على مدى الزمان .. , والحليم من الإشارة يفهم .
إعتذاري الشديد لزميلي الأقدم الدكتور هشام ...