بقلم :د . صباح قيّا الثلاثاء 14-10-2014 ممكن القول ، بصورة عامة ، بأن حجم المعلوماتية العامة أوسع عند المواطن العراقي مقارنة بقرينه من بلاد الغرب . قد يكون البعض ناجما عن المناهج الدراسية ، والبعض الآخر بسبب طبيعة الفرد في ميله للتزود بكل ما من شأنه أن يساهم في إشباع رغبته بالمعرفة والتي تمكنه من المشاركة بالأمور الحياتية من جوانب متعددة . وقد ظهر ذلك جليّا في حديثي مع زميلة لي في العمل من أصول فليبينية حيث أبدت استغرابها وتعجبها لذكري مفردات بسيطة عن بلدها وأحوال الساكنين فيه ، وأكدت ، من خلال اختلاطها وتجربتها في بلاد المهجر ، بأنها من النادر أن تصادف من يعرف موقع موطنها الأصلي وعاصمته ، فكيف بتفاصيل الديانة السائدة والمستوى المعاشي هناك .... نعم .. ما يثير اهتمام المواطن الغربي مصالحه وكيفية تحقيق طموحاته الذاتية والسبل التي تؤمن له حياة رغيدة ، وتظل معرفته عن أية دولة ما بقدر تأثير أحداثها على مصالح دولته وأمنها الأقتصادي والسياسي والعسكري , والذي يلعب الإعلام دوراً رائدا ً في تعميق مفاهيمه سلباً أم إيجابا.
ما يدعو للقلق في الوقت الحاضر هو انحسار الولع الثقافي عند الأجيال المتعاقبة في أرض الشتات ، وهيمنة التطلعات المادية اللامحدودة أحياناً ، والسعي الدؤوب لتأمين المتطلبات الشخصية والعائلية عند غالبية المهاجرين ، مما يجعل فقر التثقيف الذاتي والعزوف عن حضور النشاطات التعليمية المتنوعة ظاهرة مميزة . ولا غرابة أن نصل يوما ما إلى مرحلة يعزف فيها القلم عن الخوض في مواضيع ذات الإهتمام الشامل أو المشترك خارج دائرة الكسب الشخصي ، وتنحصر الكتابة في حيز ضيق يسدد خدمة نفعية لصاحبه وشركائه فقط .... فكما أختفت في الأمس القريب نتاجات مهجرية أبدع في خلقها جبران ونعيمة وأبو ماضي وغيرهم ، فأيضا ستزول تدريجياً كتابات الجيل الحالي وما يليه ولن نجد من يقرأ أو يكتب بعدئذ ما من شأنه توسيع مدارك الفرد وصقله بالنفائس الثمينة من علوم وآداب .
من المهم الوصول إلى القمة ، ولكن الأهم الصمود فيها ... ذلك أحد مبادئ الحرب الثابتة .. بل بالأحرى مبدأ حياتي أساسي في سعي الأنسان لتحقيق هدفه ولنيل مبتغاه . وفي خضم الصراع بين الخلفية الثقافية لمهاجر اليوم والغد مع البؤس الثقافي لجيل مهاجري الأمس وما قبله ، برزت الرغبة في تأسيس كيان ثقافي كخطوة جريئة لنقل الموهبة الثقافية من عرين الأجداد إلى بقعة محددة من بلاد الغربة ... تم تسميته " ألصالون الثقافي الكلداني " تيمّنا بصالون العلامة الأب أنستاس الكرملي . سيمد الصالون ذراعه لكافة التنظيمات الثقافية في عموم كندا خاصة وأمريكا الشمالية عامة كي تتوحد الجهود ويثمر عنها " ألإتحاد الثقافي المسيحي " ....
ألقيت القصيدة أدناه عند افتتاح النشاط الثقافي للصالون وفي باكورة نتاجه الأول " مهرجان الأدب والفن " .
قصيدة أهلاً بالحضور
د. صباح قيّا
أهلاً بهذا الحضورِ من جمعنا الواعي منه نستقي الرأيَ وجوهرَ الإبداعِ
لولاكمُ لما صار لفعلنا شأنٌ ولا تعانقت أوراقُنا بيراعِ
حتى الكلماتُ لا تسمعْ لها أذُنٌ ولا العيونُ تبصرُ روعةَ الإشعاعِ
ولا الحناجرُ تشدو لحنَ شاعرِها أو أناملٌ تعزفُ أعذبَ الإيقاعِ
ولا الأنوفُ تشُمُّ عِبقَ أُلْفَتِنا أو لسانٌ يذوقُ حلاوةَ الأطباعِ
هوذا الكلدانيُّ صالونٌ تزهو به ثقافةٌ للفكرِ وجهٌ بلا قناعِ
يتخطّى سُبُلَ الصعابِ مجاهداً أن يدْرَءَ المهاجرُ شبحَ الضَياعِ
مهدُ الحضاراتِ عراقُنا إلهامُهُ تهفو له النفسُ رغمَ نكْباتِ الصراعِ
قد الفناها زماناً غابرً تشريداً وذبحاً ليومنا هذا بلا انقطاعِ