البلد : مزاجي : الجنس : عدد المساهمات : 8494تاريخ التسجيل : 16/06/2010الموقع : في قلب بلدي المُحتَلالعمل/الترفيه : طالب جامعي
موضوع: من معالم مدينة الموصل الحدباء : سوق الصفّارين 20/3/2011, 9:59 am
من معالم مدينة الموصل الحدباء : سوق الصفّارين . . بقلم أزهر العبيدي
تميزت مدينة الموصل منذ القدم بمصنوعاتها المعدنية التي انتشرت في عدد من الدول العربية والأجنبية
وحفظت العديد منها في المتاحف المشهورة مثل متحف الفن الإسلامي في القاهرة والمتحف البريطاني ومتحف اللوفر ومتحف برلين ومتحف اسطنبول. وازدهرت هذه التحف في عصور الحضارة الإسلامية كافة وبخاصة في العصر العباسي، فقال عنها المستشرق ستانلي لين بول أن لها أسلوبا خاصاً يتميز باستعمال الإشكال الآدمية والحيوانية ومناظر الصيد المختلفة، وأشار أيضا إلى أن مدرسة الموصل كان لها اثر كبير في مدارس المعادن الأخرى. وقال الباحث كونل أن الموصل تولت الزعامة في صناعة المعادن خلال القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي .
ومن هذه الصناعات التي اشتهرت وعرف صناعها المهرة، علبة معدنية لإسماعيل بن ورد الموصلي، وشمعدان لعلي بن عمر بن إبراهيم الموصلي، وطست وإبريق لأحمد الذكي النقاش الموصلي، وإبريق شجاع بن منعة الموصلي. وهناك تحف صنعت في دمشق والقاهرة وجدت عليها أسماء صناع من الموصل إذ فرّ الكثير من الصناع الموصلة إلى دمشق ومنها إلى القاهرة بعد الغزو المغولي للعراق. منها إبريق حسين بن محمد الموصلي، وشمعدان علي بن كسيرات الموصلي، وإبريق وطست علي بن حمود الموصلي، وشمعدان علي بن حسين بن محمد الموصلي. وزينت هذه التحف الرسوم الزخرفية الكتابية والهندسية والنباتية والحيوانية. ومنذاك حتى عصرنا الحاضر تطورت هذه الصناعات وظهرت نماذج بأشكال أخرى، وتوسعت مساحة العمل لتجد عند منتصف القرن التاسع عشر سوق واسع يقابل خان الصالحية سمي ( سوق الصفارين) الذي يتكون من زقاق طويل على جانبيه محلات متجاورة لممتهني مهنة (الصفّار). هذه المهنة الذي اشتق اسمها من مادة (النحاس) الذي يسميه العامة بـ(الصفر) نسبة إلى لونه الأصفر المائل إلى الاحمرار، وفي سوريا وعدد من الأقطار العربية يسمى صاحب هذه المهنة (النحّاس) وهو الأصح. وكان الضجيج الذي تحدثه مطارق الصفارين من سمات هذا السوق، ويتفاهم الصفارون مع بعضهم أو مع الزبائن بالصراخ العالي وكأنهم في شجار شديد، وفي هذا ضرب المثل الموصلي: (مثل ضغطة بسوق الصفيفيغ) الذي يضرب لوصف القول أو العمل الذي لا يأبه له. وكان النحاس في البدء يجلب من ديار بكر وجبل الجوشن ومنطقة الخابور، ثم انتقلت عملية استخراجه وصناعته إلى الدول الأجنبية. ويستورده تجار من الموصل اشتهر منهم التاجر (شاهين) وكان له دكان في مقابل خان الصالحية، ومنه يشتري الصفارون حاجتهم من النحاس على شكل صفائح رقيقة مطوية. ويقطع الصفار هذه الصفائح بمقصات يدوية خاصة إلى القطع المطلوبة لصناعته، ويبدأ بطرقها وإحمائها ليصنع منها الشكل الذي يريده مستخدماً أنواع من السنادين الكروية والمدببة والمائلة وعدد من المطارق الثقيلة والخفيفة بطرقات سريعة متتالية مع الإحماء بـ(الكور) الذي يعمل بإيقاد الفحم الحجري بواسطة منفاخ جلدي يدوي. وكانت تخرج من تحت أيدي أولئك الرجال بعد جهد جهيد والعرق يتصبب من أجسادهم تحفاً ما زالت تحتفظ بها الأسر الموصلية للزينة والذكرى، وكان كل صفار يتخصص في نوع معين من هذه المواد ويتقن صناعتها ويتفنن بها. ومنها الإبريق الموصلي الذي كان يتفوق على مثيله من صناعات العالم العربي. وأوعية الطبخ (الطناجر والقدور) بأحجامها المختلفة وأنواعها، وكذلك الصواني بأحجامها ومنها تلك المسماة (الكنديرة) التي تدحرج على الأرض بسبب زيادة وزنها وكبر حجمها بحيث يصعب حملها وبخاصة من قبل الصغار. ومناسف تقديم الطعام التي يستخدمها الأعراب والميسورون، وأواني الطعام الصغيرة والتبسات والمصافي وسطلات الطعام والطاوات (جمع طاوة) أي المقلاة والطسوت (الطشوت) بأحجامها وأنواعها، ولكن (بالكاف المعجمة) التغسيل ودولكة الماء ودلال القهوة والجمجة والكفكير. ولوازم الحمام من قعادات وطوس منها (طاسة الخشخاش) التي تزين بانتفاخ نصف كروي في وسطها يحوي كمية من الحصى الناعم وتخرج أصوات جميلة ناعمة عند استعمالها (تخشخش)، والمعدسي التي تتكون من قطعتين على شكل بطيخة تحفظ داخلها المواد الصغيرة مثل الليفة والصابون والمشط وأدوات الزينة. ويرتبط بالعمل مع الصفارين شخص آخر يمتهن مهنة المبيّض أو (بيّاض المويعين)، وهذا الرجل يقوم بجلي وتبييض الأواني النحاسية بواسطة الكور ومسحوق الشناظغ (النشادر) ومادة القلاي (القصدير) وهذه العملية تجدد الأواني المنزلية وتغطيها بطبقة برّاقة عازلة تمنع تفاعل النحاس مع الحوامض وتؤدي إلى التسمم. ويدور المبيض بين البيوت يومياً لجمع الأواني، وكذلك يدور في القرى والأرياف في فصل الصيف مع عماله لجلي وتبييض أوانيهم ومناسف الشيوخ. وفي منتصف القرن العشرين تحول الصفارون تدريجياً إلى صناعة أواني الألمنيوم (الفافون) بدل النحاس الذي ارتفع ثمنه عالمياً فضلاً عن وزنه الثقيل، وفضّل الناس استخدام الفافون لخفة وزنه وعدم حاجته إلى الصيانة السنوية. وكان للصفارين في الماضي نقابة تسمى (الصنف) تضم كبار السن في المهنة والأسطوات الذين يوكل إليهم حل المشاكل التي تحدث بين أبناء الصنف، واستمر عمل الصنف إلى فترة السبعينيات تقريباً. وكان الصفارون لا ينقلون أسرار مهنتهم إلاّ إلى أولادهم، وعملت أسر عديدة في هذه المهنة منهم أولاد الحاج حسين توفيق حسين الصفار، وأولاد الحاج يونس عبدالواحد الصفار، وصديق الصفار، وأولاد الحاج زكي الصفار، وأولاد الحاج السيد علي السيد نجم الصفار، وأولاد الحاج قاسم الصفار، وصديق الصفار الذي عمل في التبييض. ومن الوافدين من سوريا محمد النحاس الذي قدم لتعلم المهنة في الموصل واستقر فيها، وتسمى المهنة في سوريا (النحاس) والسوق الذي يعملون فيه (سوق النحاسين). وفي الوقت الحاضر توقف الطرق في سوق الصفارين واتجه الجميع إلى بيع الأدوات المنزلية المصنوعة من الألمنيوم والستيل في المعامل الحديثة التي تعمل بالكهرباء أو المستوردة من خارج البلاد.
من يقف في صف كنّا وآغجان فأنه مشارك في تهميش وإستلاب حقوق الكلدان