البعض يسأل: لماذا اعتز بشخص الأب عامر ساكا رغم؟ زيد غازي ميشو zaidmisho@gmail.com
أنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا. - أشعياء 43: 25 لا أخفي أحداً صدمتي الكبيرة عندما صعقت بنبأ الخطأ الكبير الذي أقترفه الأب عامر ساكا راعي كنيسة مار يوسف في مدينة لندن الكدية. ومثل الكثيرين، حزنت وغضبت وعبرت عن امتعاضي في مقال، والحق يقال كنت في حالة نفسية صعبة، خصوصاً وأنا أعتبر الأب ساكا واحداً من اطيب الكهنة وله مواقف رائعة. بعد فترة عادت إلي ذاكرتي التي تشهد للصورة الطيبة التي اعرفها عنه، ووجدت نفسي إبن تلك الكنيسة الرائعة التي تحمل رسالة الحب والغفران، وتذكرت قول أحد الكهنة اللاهوتيين في لبنان من اللذين أثق بهم وبكلامهم عندما غضبت حينها أثناء محاضرته في اللاهوت العقائدي وكان الموضوع له علاقة بالدينونة، فقلت له بنبرة استياء وتذمر: هل تريد يا أبونا أن تقنعني بأن الله ممكن ان يسامح مجرم مثل صدام حسين؟ فصعقني جوابه عندما قال: ومن انت كي تدينه!؟ وانت كمسيحي، هل تغضب وتزعل لو سامحه الله من فيض محبته!؟ صرت حينها في وضع نفسي شائك، والعقل يعجز عن الأستقرار في الأختيار بين اله كما أريده أن يكون او كما هو، فاختلط الغضب مع تأنيب الضمير، يصاحبهما فشل في حياتي المسيحية مع شعور بالشر وأنا اكره إسم صدام حسين لا بل كنت أحقد عليه! وبعد تامل اخترت بداية الأمر ان اجمد كل مشاعري السلبية في أمل لمحوها، واحاول أن أحيي الأخرى الإيجابية، فتحولت من كاره إلى الميل بقبول ارادة الله في محبته لأبناءه، ومسامحته لهم بالقدر الذي هو يشاء. وإن لم أتمكن كمسيحي من المغفرة، فعلى الأقل أن أقبل وجود أي خاطيء مهما كان دون شرط الأحتكاك به، وهذا لا يمنع ان يكون لي لي موقفاً تجاه مسؤول يغالي في أخطاءه، وانتقده علناً أحياناً كثيرة، لكني لا اسمح لنفسي ان اقتله بحكم اجرده خلاله من الأتسان الذي به، كي لا افقد إنسانيتي أيضاً، وقد أكتفي بقطع العلاقة إن كنت لا اثق كلياً بنواياه بعد أختبارات سلبية لا تحصى. وإ لم أتمكن كمسيحي من المسامحة، فعلى الأقل اسمح بداخلي وجود من يسامحه. لذا لا يهمني القصاص بقدر ما تهمني النتيجة، فما أهمية قانون يطبق على من ارتكب إثم كبير بالسجن عشرين سنة ويخرج من بعدها دون إصلاح، في الوقت الذي يتوب توبة صادقة من ارتكب إثما وبكى بكاءً مراً، وتغير من قلبه ولن يعود لخطيئته مرة أخرى، ويعفى من القصاص او يخفف عليه كثيراً، والأحتمال قائم وكبير أن يصبح أفضل من قبل او من غيره أيضاً؟ من هذا الأختبار، واختباري الشخصي مع الأب عامر ساكا، أرى ضرورة الأكتفاء بالعقوبة الكنسية مع محاولة تعويض المتضررين مادياً، خصوصاً وأن هناك من بادر بذلك ويتمنى، وهناك أيضاً من هم بحاجة إلى خدمة الأب عامر الكهنوتية خارج الكنيسة الكلدانية، او مع الرهبنات الكلدانية وليس بالضرورة أن يعود كاهن راعوي. فمهما كانت خطيئة الأب عامر ساكا كبيرة، إلا ان معرفتي به تجعلني أبصم بالعشرة من أنه لن يموت بخطيئته، بل يعود لربه كي يحياً به مجدداً. فالأب عامر يحمل في قلبه بعد انساني جميل، عرفته منذ أن كان طالباً في الدير الكهنوتي، دائم الأبتسامة، مثابر على القراءة، يجني الكتب، له روحانية جميلة، يهتم بالشبيبة ويمارس معهم لعبة كرة القدم التي يحبها، ومن خلالها يتقرب لهم ليخدمهم. بعد رسامته بأيام ذهبت مع كاهن وثلاثة طلاب من الدير الكهنوتي إلى بطنايا، لتهنئة ألأب خالد ياقو الذي ارتسم معه، وبقينا بضيافته ثلاثة أيام، وكان لنا نصيب في أمسية عشاء في البيت العائلي للأب عامر. عندما بدأ حياته الكهنوتية في بغداد أطلق فكرة مشروع بيت الكهنة، وهو حلمه منذ أن كان طالباً في الدير، ومشروعه المهم جداً هو ان يجمع الكهنة الشباب في بغداد ليسكنوا معاً في دار يخصص للكهنة، بدل ان يعيشوا منعزلين في كنائسهم، كي ما تقوى أواصر الصداقة بينهم، ويتبادلوا خبراتهم الروحية والرعوية، ويشارك واحداً الآخر بما يمرون به من صعوبات، ويقوون بعضهم بعضاً، ويكون لهم اوقات للصلاة والرياضات الروحية، وكان يفضل وجود مرشد روحي معهم، او يزورهم بين الحين والآخر. حقيقة كنت اشاركهم تلك الأمنية، كي ما تخفف من الأزمات الخانقة للكاهن الذي صعب عليه تحمّل وحدته، لأن اقوى انواع الوحدة للكاهن تكمن بعدم وجود كاهن آخر يشاركه كل انواع الصعوبات التي يمر بها خلال رسالته، وما تسببه في عدم تحمل وضعه المحرج بعد ان اصبح القائد الأوحد الذي تحتاجه كل الرعية، ولا يجد من بينهم من عو بحاجة له كصديق ممكن ان يفهم أقصى ابعاد الرسالة الكهنوتية! وبذلك لا نجد إلا فيما ندر وجود شخص علماني مهما كان متبحر في اللاهوت ويعيش روحانية نموذجية ممكن ان يثق به الكاهن ، لأنه اعتاد على حياة المجيب وليس السائل، وإن سئل، فسيكون سؤاله لاعلاقة له يتخصصه هذا إن لم يكن من النوع المتكبر الذي خال نفسه الخبير في كل شيء. وهذا بذاته كارثة في المسيرة الكهنوتية عندما يتصور أحد الكهنة المغرر بذاته، بأنه المرجع الديني الأوحد، والكل بحاجة له حتى من يعمل متطوعاً في الأنشطة بشكل عام، وما أكثر هذا النوع من الكهنة ومنهم من فاق تبجحه وغروره إلهه نرسيس!؟ فمن يستطيع ان يقول لكاهن انت ضعيف او على خطأ، في الوقت الذي يشعر بأن من يصارحه وينصحه قادر على فهمه واستيعاب حياته الكهنوتية. ولأكون في هذا السؤال واقعي: من يضمن ردة فعل إيجابية عندما يصارح كاهن بأغلاطه؟ وما يؤسف له بأن هذا مقترح بيت الكهنة الذي اوشك ان يتبناه بعض الكهنة الشباب قد أجهض او بتعبير أصح أجهضه اهل القرار، واعتقد إن لم تخونني الذاكرة بأن الأب يوسف توما (مطران حاليا) كان من اكثر المتحمسين والمباركين لهذا المشروع الذي ضربه بالصميم كهنة آخرين واسقف. وبعد سنوات من الفراق، التقينا أنا والأب عامر مجدداً في كندا، وعادت العلاقة معها أيضاً وتطورت كثيراً، وكنا في اتصال دائم وجرى بيننا لقاءات متعددة. حاول ان يجمع اشخاص من مدن مقاطعة اونتاريو ليأسسوا مجموعة تهتم بالثقافة، وأجهض هذا المشروع أيضاً. شخصياً كنت وما أزال لدي خلافات مع كاهنين من الأبرشية ، والسبب يتحمل وزره الطرفين أنا وهما، لكن الثقل الأكبر أنا اتحمله كوني لا اتوارى عن نقد اخطائهم!! وكلمة حق تقال، حاول الأب عامر عشرات المرات ان يوفق بينا ويسعى للمصالحة، لكن الرفض المطلق كان من جانبي، ولفترة قصيرة نجحت المحاولات لكني ندمت مرة أخرى بعد ان ختمت قناعتي بحقيقة دامغة وهي: محال أصلاح الحال. يوم 19-1-2011 وبسبب رداءة الجو، قلبت سيارتي أثناء العمل بسبب الثلوج في منطقة قريبة من مدينته، فأتصلت به وقلت له كسر (الويل) وضرب رأسي وجرحت قليلاً، وكانت كذبة بيضاء كي لا اقلقه، والحقيقة بأن شلال الدم الذي يخرج من رأسي قد غطى ملابسي. حضر الأب عامر إلى المستشفى الذي كنت اتعالح به، وقد اشترى لي بنطلون وبلوز وقمصلة مع 6 قطع من كل نوع من الملابس الداخلية، ولم اعوضه المبلغ. الح علي حينها ان ارافقه للكنيسة كي يهتم بي بنفسه، في الوقت الذي حضر سائق آخر من الأفران التي اعمل بها ليعيدني إلى البيت بعد ان وقّعت في المستشفى للخروج على مسؤوليتي كوني تأكد مص صورة الأشعة بعدم وجود مشكلة خطرة في الرأس، وأكتفيت حينها بأربعة عشر قطب، ثلاثة داخلية وأحد عشر ظاهري، لأن الجرح في الرأس طوله 11 سم وعمقه 1 سم. بداية الأمر صعدت معه في السيارة، لكني في غضون دقيقة طلبت منه المعادرة بسبب وجع في الرأس لا يحتمل وودعته وأنا اقرأ في عيونه نظرات المتألم لما أصابني، فعدت أدراجي إلى مدينة وندزور حيث أسكن، وتفاجأت بهاتف منه ليلاً ليخبرني قائلاً: لا اريدك ان تقلق لو سمعت من غيري، لأن بعد عودتي من المستشفى بخمس دقائق قلبت سيارتي مرتين، وأشكوا حالياً من اوجاع قليلة في الظهر. أذكر بأن شركة التأمين عوضته مبلغ اقل من ثمن سيارته، ولم يقبل ان يستفد من الشركة شيئاً. فقلت له فيما بعد: انقلبت سيارتك ثمناً لمحبتك ومساعدتك لي!! فطمأنني حينها بوجود الله الذي يعتني به. هذا هو الأب عامر الذي عرفته، شعلة من الحب، وما زلت لا اريد ان اقبل الواقع الآخر. بعد فترة من اعلان الخبر الصادم، تذكرت مشروع بيت الكهنة، وقلت حينها: لو كان هناك علاقة طيبة وتبادل خبرات بين الكهنة، لخفّت سلبياتهم كثيراً، لكن عندما يفقدوا الحب والسلام بينهم ويفتقروا إلى وجود اسقف حليم وحكيم وراعي أبرشي يعتمد عليه، فحتماً سيكون هناك مشاكل كبيرة تؤذي كنيستنا الحبيبة ومنها مشكلة الأب عامر. لكن يبقى السؤال: هل ننتظر الفضائح كي تردع السلطية الكنسية وتنبه او تعاقب كاهن لكثرة أخطاءه؟ في الوقت الذي جاهر برأيه من يريد اعدام وسجن الأب عامر، لماذا نراه من ناحية أخرى يقبل يد كاهن آخر ويجامله وهو يعلم بأنه موغل بالخطايا!؟؟ فأي مفارقة تلك؟ ونحن ما زلنا في زمن القيامة، لنفكر ملياً بمن تألم ومات وقام، ونسأل أنفسنا: لمن فعل كل ذلك وقاس الأمرين؟ ونحن في زمن القيامة هل علينا ان ندين ام نسامح؟ اليوم لدينا في أبرشية كندا، اسقفاً نثق به وبحكمته، وكلي أمل بأنه لن يتخلى عن إبنه الخاطيء الذي ندم من قلبه وكل كيانه.
الـوحـدة المسيـحـية هي تلك التي أرادها الرب يسوع المسيح (له المجد ) وما عـداها فـهي لـقاءات لأكل القوزي والتشريب والسمك المزگوف وترس البطون من غير فائدة
أقبح الأشياء أن يصبح كل شئ في الحياة جميل!! @@@@ ولا تحدثني عن الحب فدعني أجربه بنفسي @@@@ ليس بالضرورة ما أكتبه يعكس حياتي..الشخصية هي في النهاية مجرد رؤيه لأفكاري..!!