من ارشيف القس لوسيان جميل بمناسبة الذكرى الثانية لاستشهاد المطران فرج رحو القس لوسيان جميل. تلكيف . نينوى
قرائي الأعزاء،
عوضا عن مقال جديد بمناسبة الذكرى الثانية لاستشهاد فقيد الكنيسة الكلدانية المثلث الرحمة المطران فرج رحو، فضلت ان اضع على صفحة موقعنا العزيز الكلمة التي كنت قد القيتها في القداس التأبيني بتاريخ 16-3-2008 بتلك المناسبة المؤلمة. هذا وسأنقل لحضراتكم تلك الكلمة التأبينية كاملة غير منقوصة، وبصورتها القريبة جدا من الحدث، بعد اضافة بضعة كلمات اليها،تكملة للوضوح، وأقول:
ايها الأخوة والأخوات!
بأسف بالغ وحزن عميق شيعنا يوم الجمعة الماضية فقيدنا الراحل وراعي ابرشيتنا مار بولس فرج رحو رئيس اساقفة ابرشية الموصل الكلدانية التي تضم خورنات الموصل وتلكيف وكرمليس.
وأعتقد ايها الأخوة والأخوات انكم تعرفون كلكم ظروف وفاة مطراننا الجليل ولا نحتاج الى ان نضيف الى ذلك الموت المؤسف شيئا جديدا سوى ان نقول انه كان موتا قاسيا وظالما حيث تعرض سيادته الى اختطاف من قبل مسلحين مجهولين وهو خارج من كنيسة الروح القدس بعد ان حضر مراسيم درب الصليب هناك.
اما اذا اردنا الكلام عن هذا المطران الجليل الذي كنا قريبين منه وكان قريبا منا بكونه كان مطران ابرشيتنا وكان قبل ذلك كاهنا معنا في الابرشية عينها فنحن لا يسعنا سوى ان نؤكد على بعض الصفات المهمة التي كانت فيه، ومنها انه كان انسانا يحب واجبه ويحاول ان يؤديه على الوجه الأكمل، سواء كان ذلك بمفرده ام عن طريق الاستعانة بأصحاب الدراية الذين كان يستعين بهم ليعملوا له بعض المحاضرات ويقدموا له بعض المشورات الفنية. كمـا كانت لهذا المطران الجليل القدرة والميزة ( كاريزما ) الشخصية على التوفيق بين الأمور المتضادة والحقوق المتباينة. وهكذا كان يحاول ان يوفق بينه وبين رؤسائه وبينه وبين كهنته وبينه وبين مطالب الجماعة. كما كانت قدرته التوفيقية هذه، فضلا عن روح النكتة والدعابة عنده قد مكنته من خلق صداقات كثيرة ومن مستويات عديدة من بين كافة الأديان والمذاهب.
ايها الأخوة والأخوات!
هذا شيء قليل من كثير مما يمكننا ان نقول بحق هذا المطران الذي غادرنا في وسط عطائه، ومنه انه تحدى الصعوبات لكي يوفر بعض حاجات كنائسه وبعض حاجات المحتاجين، ولاسيما من المهجرين، حيث لا يستبعد ان يكون قد ذهب ضحية هذا العمل الانساني الذي لم يكن مفهوما بكفاية عند بعض العراقيين، شأنه شأن بعض الالتباسات الأخرى التي فرضت على الكنيسة التي لم تستطع ان توضح موقفها بكفاية بشأن تلك الالتباسات. وربما كان ايضا ضحية امور سياسية لم يستطع المرحوم ان ينأى بنفسه عنها. وربما ايضا كان ضحية اناس تعلموا منذ الاحتلال ان يصطادوا في الماء العكر، وأن يسيروا في جنازة ضحاياهم.
وهنا نقول انه صحيح ان خاطفي سيادته مسؤولون مسؤولية كاملة عما جرى له، غير ان المسؤولية الحقيقية تقع على الاحتلال الذي اوصل العراق الحبيب الى ما وصل اليه من حال لا يحسدنا احد عليه، حتى وان كانت هذه المسؤولية غير مباشرة.
لذلك نقول انه لا يكفي البعض،ان يتباكوا على ضحايا العنف في العراق ويغدقوا عليهم الألقاب والأوسمة، حتى وان كانوا يستحقونها فعلا، من اجل ان يريحوا ضميرهم، بل كان عليهم ان يراجعوا انفسهم ويدقوا صدورهم ويصلحوا ما شاركوا في افساده بأسرع وقت، لكي نصل الى حال يزول فيها العنف والظلم من البلد وتختفي الحالات المأساوية كالتي اصابت مطراننا العزيز وآخرين قبله ومعه.
اضافة الى هذا كله يقتضي الاحترام الواجب لدم ضحايانا وشهدائنا الأعزاء ان لا يتاجر أحد بهذه الدماء ولا تستغل لأي غرض سياسي، لكي يبقى الشهيد محتفظا بقدرة شهادته ولا يعكر صفوة هذه الشهادة وشفافيتها معكر، لكي يستطيع الشهيد اعطاء كلمة شهادته المقدسة والمحترمة والمقبولة لكل الناس.
من هنا اطلب من جماعتنا المسيحية ان يكون ابناؤها حكماء كالحياة وودعاء كالحمام، كما يعلمهم انجيلهم، فلا يسلكون طريق العنف والعنف المقابل، حتى اذا كان ذلك بالكلام الذي هو اضعف الايمان، كما يقول اخوتنا المسلمون، كما لا يندفعون وراء من يحرضهم ويغريهم باستخدام العنف المقابل بحجة حماية الذات، ولا يرموا بأنفسهم بسهولة في احضان من احتل بلدهم ومن ساهم في تدمير هذا البلد الذي اصبح بالفعل ذاته بلدا غير آمن لا يقدر الانسان على ان يعش فيه بسلام.
ففي الواقع نحن نعرف ان من يأخذ بالسيف بالسيف يؤخذ وأن من يقدر ان يحمينا بالحق والحقيقة هو وضع يسود فيه العدل والمحبة بين الناس، فلا يحتاج احد ان يرفع سلاحه بوجه اخيه المواطن ولا يحتاج احد ان يعد للحرب كي يصل الى السلام، بل يكون اقوياء العالم وضعفاؤهم مدعوين الى ان يعدوا للسلام لكي يصلوا الى السلام، عملا بوصية يسوع المسيح الذي يقول لنا: طوبى لفاعلي السلام فأنهم بني الله يدعون، مع تأكيدنا المطلق على ان ما يجري عندنا في العراق هو حرب سياسية بشرها دون خيرها، وهي، على اي حال، ليست حربا بين الأديان والمذاهب، بأي شكل من الأشكال. أما ان تكون حربا بين العراقيين وبين ما سمي بالإرهاب، من باب التضليل، الذي تعوزه الأخلاق كثيرا، فتلك لعمري اكذوبة لا تليق الا بالمحتل الكذاب.
املنا جميعا ان تكون وفاة المثلث الرحمة مار بولس فرج رحو وما قاساه من عذاب، اضافة نوعية الى كل آلام العراقيين وغير العراقيين ضحايا النظام العالمي الجديد، لتكون هذه الآلام وهذه التضحيات جميعها ينبوع سلام للعراق وللعالم وينبوع خير وبركة للجميع. آمين
fr_luciendjamil@yahoo.com