تاريَخّ المَيليشيات المَسيحَية العراقية «
في: 05.11.2021 في 01:22 »
تاريخّ المَيليشيات المَسيحَية العّراقية.
الكثير من الناس يظن، وهذا من سوء حظّ وتقدير الباحثين والمؤرخين إن لا وجود للتنظيمات الشبه عسكرية، أي ما يعرف اصطلاحًا بالميليشيات للمكون المسيحي في العراق قبل الاحتلال الامريكي في العام 2003. وأن البعض منهم كان يعمل تحت لواء وأعين الدولة والحزب الحاكم قبل العام الأخير كما سوف يأتي لاحقًا.
هذا التطور الذي ظهرت ملمحه بعد الغزو لم يتأتى من فراغ بل كانت له إرهاصات وإن كانت خافتة بعض الشيء ولكنها كانت موجودة ومتواجدة على الساحة من التيارات اليسارية مثل الحزب الشيوعي العراقي الذي ضم العديد من الشخصيات النضالية، على سبيل المثال لا الحصر، المرحومين ألفريد سمعان وتوما توماس الذي عمل في الكفاح الانصاري المسلح منذ العام 1963 الى أن تسلم مهام قيادة هذه القوات ضمن قاطع بهدينان، والذي أنزو تحت هذه الراية الكثير من الشباب ذو التوجهات اليسارية من المسيحيين ضمن جغرافية المناطق الكردية. بعد معارك كرّ وفر وهجوم وتراجع بين الأنصار من جهة والدولة من جهة ثانية تغيرت الكثير من المعطيات وبشكلٍ جذريًا بعد حملة الأنفال سيئة الصيت. بدأت الحملة عام 1986 واستمرت حتى العام 1989، كانت قاسية وعنيفة على الجميع، وقائد أركانها علي المجيد كان شرساً بما فيه الكفاية ليقضي على كل الآمال العريضة للحركات الكردية والتحررية ومن كان يدور في فلكهم، فقد تشتت الجميع وتبددت الأحلام الوردية على صخرة غاز الخردلّ القاتل. من جهة آخرى وفي نفس الوقت كان هناك من يعمل مع الحكومة العراقية ويندرج ضمن سياقاتها، كانت هذه القوات رسمية وغير رسمية في آن واحد، خاصة في المناطق الكردية التي كانت تحت سيطرة الحكومة المركزية في بغداد حيث كانت تضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه الخروج على نظام الدولة، فقد أنتسب عدد ليس بالقليل من أبناء تلك المناطق من المسيحيين بما عُرف وقتها بسرايا الدفاع الوطني (الفرسان) أو (الجتا) كان يقودها مستشارين أكراد تغدق الحكومة عليهم المال من أجل الولاء والتي كانت تضم بين صفوفها الكثير من الشباب في تلك السنوات، حيث شاركت كقوة إسناد خلفية في الحرب العراقية الإيرانية 1988-80، وطبعًا كان الكثير منهم لا يلتحق في هذه السرايا والراتب الشهري يذهب إلى جيب آمر السرية، أي المُستّشار. منتسبي هذه القوات كانوا يحصلون على هويات صادرة من مديرية الاستخبارات العسكرية، ولكن لم تكن بتلك القوة، فكان يتعامل معهم من قبل مفارز الأمن والسيطرات والانضباط العسكري بشيء من المهانة والاستفزاز إلى أن انتهت ولم يتبقى لها قوة تذكر بعد حرب الخليج الثانية، لا بل عاد معظم أمري تلك السرايا إلى الشجرة الأم بعد انفصال الإقليم الكردي في العام 1991 محملين بالأموال التي جنوها ثمن مقاتلين لم يكون نصفها موجود أصلًا. في تلك الفترة من الربع الأول من سنوات الثمانينيات كان الكثير من الخدم والطباخين والمراسلين من أبناء الطائفة المسيحية يعملون في القصور الرئاسية للرئيس الراحل صدام حسين، ولكن على ما يبدو كانت عائلة حنا جَجَوّ لها مكانة خاصة وحُظْوَة لدى الرئيس، فقد كان طباخه الخاص ومتذوق طعامه من نفس العائلة وبالكاد يفارقه، حتى قال في مرة من على شاشة التلفزيون (المقطع متوفر على محرك البحث اليوتيوب) أن له ثلاثة أبناء، في إشارة عدي وقصي وكامل، ولكن تجاوز كامل حنا ججو الخطوط الحمراء لعائلة الرئيس الداخلية فقتل على يدّ عدي في 18/ 10 من العام 1988. كان البعض من أفراد عائلة ججو ومن قرية إنشكي بالذات من أعمال محافظة دهوك قريبين من وزير الدفاع آنذاك الفريق عدنان خير الله أبن خال الرئيس، لا بل كان مراسله الشخصي عزيز ججو معه في نفس الطائرة العامودية التي سقطت في 5/5/1989 في منطقة المخمور، ولكن لم يمت وقتها، توفي لاحقاً، اقترحوا على الوزير المقرب منهم تشكيل نواة قوة مسيحية خالصة تجمع بين دفتيها كل من يريد الانخراط في هذه القوة من المسيحيين بالإضافة من كان هاربًا أو متخلفًا من الخدمة العسكرية، بمعنى أوضح الذين لا يرغبون في الالتحاق على خطوط التماس (الحِجابات)، مع العدو الإيرانية، فتشكل خط خدمة ملحق بوزارة الدفاع من هؤلاء المقاتلين كقوة عسكرية صغيرة عُرفت بقوات ملكو، أو فوج ملكو، يقودها ضباط برتب عسكرية متوسطة نقيب، رائد، مقدم، مدعومة بشكلٍ أساسي من قبل الوزير عدنان خير الله. انتهت هذه القوة فعليًا مع مقتل الأخير، صحيح أن الحرب العراقية الإيرانية وضعت أوزارها قبل ذلك بسنة تقريبًا، ولكن ما كانت لتنتهي بهذه السرعة لولا مقتل الفريق الأول الركن.
أيضًا كان هنالك عدد لا بئس به من المسحيين أعضاء في حزب البعث العراقي، وبالتالي كان عدد منهم ضمن قوة هذا الحزب، أي أفواج الطوارئ الحزبية، وهي ميليشيا خاصة بالحزبين، تحمل السلاح الخفيف والمتوسط وترتدي الملابس المدنية والعسكرية. وعلى ما أذكر بلغ عددهم في محافظة نينوى في فروع الحزب الأربعة، الموصل، ونينوى، والجزيرة، وأم الربيعين، بضعة عشرات.
وحتى في ميليشيا فدائيو صدام، تفصيل عارض، كان هناك من وجد له مكان في هذا التنظيم الشبه عسكري وتجحفل معه حتى النهاية.
إنتهى وتبدد كل هذا مع الغزو الأميركي للعراق. في البداية كانت الساحة خالية تقريبًا من أي تنظيم أو قوة مسيحية شبه مسلحة سوى لأعضاء ومقاتلي الحركة الديموقراطية الآشورية زوعا الذين واكبوا القوات الكردية والأجنبية في عملية الغزو والتي دُعيت من قبلهم حرب تحرير العراق. أستقرت هذه القوات الآشورية بعد إنهيار الدولة والجيش والأمن خلال أيام قلائل في بعضًا من فرق وشعّب حزب البعث والبنايات الأخرى، خاصة القريبة من سور نينوى الأثري على أساس إعادة بثّ أمجاد دولة أشور القديمة، ولكن بعد فترة وجيزة تم استهداف تلك المقرات من قبل فصائل المقاومة وقتل عدد من منتسبي الحركة في منطقتي الجامعة والدواسة في الموصل.
مثل هذا الزلزال في التوازن المحلي والإقليمي والدولي خلقّ العديد من الفرص لبروز تيارات سياسية جديدة على أرض الواقع، في بغداد العاصمة كانت الأجواء السياسي والأحزاب العديدة والمؤسسات الجديدة والشركات الأجنبية من كل حدبّ وصوب والميليشيات المسلحة تتبلور كل يوم على شيءٍ جديد، في تسارع ملحوظ بالأحداث والمتغيرات والانقلابات في ظل انفلات أمني رهيب. هنا وفي هذا الوقت بالذات ظهر على خشبة المسرح الممتلئ مهرجين وممثلين وكومبارس شخص أدعى أنه الممثل الرسمي باسم مسيحي العراق أسمه الشيخ ريان الكلداني، إستطاع بغفلة من المرض وعجز الشيخوخة تحصيل مرسوم بطريركية كلداني مختوم مقبل البطريرك وقت ذلك مثلث الرحمة مار عمانوئيل الثالث دلي يخوله التكلم بإسم طائفة الكلدان في الدوائر الحكومية العراقية، لاحقًا أبُطل هذا المرسوم حين تسلم البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو السدة البطريركية. لا حاجة هنا إلى الذهاب بعيدا في وصف التوتر الحاصل بين البطريركية الكلدانية من جهة وريان من جهة ثانية، والذي ما زال قائما حتى الآن. خلال هذه الفترة كان ريان قد تشعب ومدّ الأيادي مثل الأخطبوط ينسج من هنا وهناك علاقات عديدة في ظل التغيرات الكبيرة في سوسيولوجيا المجتمع والتفاعلات الهائلة في بنية وتطور هذه المجتمعات، الى أن أتته الفرصة الذهبية في العام 2014 حين قام تنظيم الدولة الاسلامية داعش بالسيطرة على الموصل وقرى سهل نينوى وعدة محافظات في الفرات الاوسط إلى أن طرقْ أبواب العاصمة بغداد وصولًا لمنطقة التاجي. كان هذا المبدأ يتضاعف في ظرف كتلك الظروف الشاذة لشغل حيزّ في ذلك الفضاء الفوضوي فجاءت المهمّة سهلة في خلق قوة تحت مسمى مسيحي كلداني لأنّ الجنون هنا بدا مطلوباً بشكلٍ ملفت، فجاءت الفتوى واضحة وصريحة وسريعة من قبل المرجعية الشيعية العليا علي السستاني بتشكل فصائل لمقاومة هذا المدّ السني والذي عُرف بالحشد الشعبي. كان جمال إبراهيمي أو أبو مهدي المهندس واحد من أهم قادة ومؤسسي هذا الحشد بأشراف مباشر من قبل الجنرال الإيرانية قاسم سليماني. أصبح المهندس نائبًا لرئيس هيئة الحشد في وقت لاحق حيث كان الكلداني مقربًا من المهندس والذي دعمه وأعطاه الضوء الأخضر في تأسيس كتائب بابليون الذراع العسكرية لريان وجماعته. بعد سنوات قُتل المهندس وسليماني في بداية يناير كانون الثاني من العام 2020 بغارة آمريكا على أرض مطار بغداد الدولي. بعد سنوات قليلة وبفضل هذا الدعم الشيعي استحوذت حركة بابليون على أربعة مقاعد من أصل خمسة في الدورة الآخيرة للبرلمان العراقي.
من بين الأمور التي لا يمكن تجاهلها في الوقت الحاضر هو انكفاء وخفوت الكثير من الأحزاب والتيارات السياسية المسيحية، ليس أولها الحركة الديموقراطية الآشورية زوعا وليس أخرها المجلس الشعبي الذين فقدوا من زخمهم وحضورهم كثيرًا في الآونة الأخيرة، وكأنهم غير معنيين بهذه المستجدات والمتغيرات التي تحدث على الساحة السياسية.
يبدوا واضحاً أن العراق يمر بمرحلة جديدة مختلفة عن سابقاتها. المرحلة الاتية في غاية من الخطورة، إيران الغير راضية عن الانتخابات البرلمانية لا تريد أن يجتاز البلد عنق الزجاجة من جهة، ومن جهة ثانية فقدان الكثير من الأحزاب الشيعية التي كان لها ثقل كبير أصواتها وحضورهم، كل هذا أعطى دفعة قوية لتنظيم داعش الإرهابي أن يظهر من جديد يستعيد أنفاسه وينفذ عمليات. من بعث النار فيه بعد أن كان رماد، هنا السؤال الكبير.
الخلاصة يظل الخاسر الوحيد في هذه المعادلة الصعبة هو نفسه هذا الشعب المسيحي المنكوب الذي أخذ البلد يفرغ منه يوم بعد أخر في هجرة ما انفكت تزداد أكثر.
الـوحـدة المسيـحـية هي تلك التي أرادها الرب يسوع المسيح (له المجد )
وما عـداها فـهي لـقاءات لأكل القوزي والتشريب والسمك المزگوف وترس البطون من غير فائدة
أقبح الأشياء أن يصبح كل شئ في الحياة جميل!!
@@@@
ولا تحدثني عن الحب فدعني أجربه بنفسي
@@@@
ليس بالضرورة ما أكتبه يعكس حياتي..الشخصية
هي في النهاية مجرد رؤيه لأفكاري..!!