من يهضم حقوق الكلدان ومن يسكت صوتهم؟
ليون برخو
جامعة يونشوبنك – السويد
مقدمة
أقرأ بإستمرار كل ما يكتبه زملائي من المثقفين والكتاب الكلدان وأخص بالذكر أعضاء الاتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان. ومن خلال قرأتي لا سيما لما يكتبه البعض من أعضاء الإتحاد أرى أن قسما من هذه الكتابات تساهم مساهمة مباشرة في تهميش وهضم حقوقنا وإسكات صوتنا، أي انها تحقق، من حيث يدري كتابها او لا يدرون، الهدف العكسي من كتابتها.
هناك لازمة قلما تخلو منها كتابات الزملاء هؤلاء. جميعها تقريبا تركز على أننا نحن الكلدان مظلومون وأن حقوقنا قد تم هضمها وأن الظلم يلاحقنا ليل نهار وأن الظالمون هم زوعا والمجلس الشعبي. وجميعها تقريبا توجه النقد اللاذع في جميع الإتجاهات ولا تستثني منه الكلدان أنفسهم من الذين يختلفون عن توجهاتهم. وأخيرا جميعها تقريبا تستند في منهجيتها على المؤسسة الكنسية وعلى ما تنبشه من نصوص توراتية (العهد القديم) لتثبيت أحقيتنا وثقافتنا ولغتنا وتاريخنا. دعنا الأن نناقش هذه المسائل الثلاثة وأمل أن يتسع صدر زملائي للنقاش الحر هذا.
مسألة المظلومية والحقوق المهضومةمن السهولة بمكان إلقاء اللوم على الأخرين والإدعاء أنهم السبب في تهميشنا وهضم حقوقنا. ولكن لنكن واقعيين ومنطقيين عند توجيه الإتهام. هل تدرون ان السبب الرئسي لهضم حقوقنا هو الإزدواجية التي نعيشها نحن الكلدان؟
فمن ناحية نحن ننادي بخصوصيتنا القومية ومن ناحية أخرى لا نحب ثقافتنا ولغتنا وتاريخنا. لو سألت أي كلداني عن أبرز شعرائنا وفلاسفتنا وعلمائنا وقديسينا وقديساتنا وملافنتنا لأخذك إلى أنكيدو واكيتو ونبوخذنصر وفرنسيس الأسيزي وريتا وهؤلاء بعدهم عنا بمقدار بعد ثقافة شكسبيرعن ثقافتنا ولغتنا.
من يمنع أن تقوم مؤسساتنا بتدريس لغتنا السريانية ومن خلالها يتعرف شعبنا على شعرائنا وأعلامنا وملافنتنا وحضارتنا وثقافتنا؟ اللغة هي الوعاء الذي يحوي التاريخ والثقافة والشعر والأدب والتقاليد. الشعب الذي لا إرث كتابي له لا ذاكرة له.
هل زوعا او المجلس الشعبي يمنع إنشاء مدارس لتدريس لغتنا؟ من عرّب معظم طقوسنا ومناهجنا التدريسية في المعاهد التي نمتلكها؟ هل هو زوعا أم المجلس الشعبي أم نحن؟ من يمنع الكلدان في الداخل والخارج من إرسال اولادهم وبناتهم إلى المدارس السريانية او لدارسة لغتنا؟ هل هو زوعا ام المجلس الشعبي ام نحن؟
قرأت عشرات لا بل مئات المقالات عن الحقوق المهضومة ولم أعرف حتى الأن ما هي هذه الحقوق.
إخوتي إن أراد شعب أن يسترد حقوقه عليه العمل لإحياء ثقافته ولغته وتاريخة الكتابي وليس لوم الأخرين على ضياعه. النهضة لا تأتي من خلال المقالات. النهضة الحقيقية تأتي بالتشبث بالتراث واللغة والثقافة.
إذا من الذي دفن قوميتنا وتراثنا وتاريخنا ولغتنا؟ من الذي يسكت صوتنا؟ من الذي يهمشنا؟
إزدواجيتنا وتعريبنا لثقافتنا وتخلينا عن الملايين من الكلدان في العراء كي تفترسهم أنياب الألتنة هي التي همشتنا. إن لم نعد إلى لغتنا وتراثنا وطقسنا وثقافتنا وتاريخنا المكتوب وعصرنته وتحديثه لن تقوم لنا قائمة. إن لم نحاسب أنفسنا اولا ومؤسساتنا ثانيا على مظلوميتنا لن تقوم لنا قائمة.
إن نحن لم نسمح لأي مؤسسة أو فرد كلداني مهما علا شأنه ومقامه، علماني او من الأكليروس، أن يدوس بأقدامه على ثقافتنا ولغتنا، لما كان بإستطاعة الدنيا بأجمعها أن تدفن ثقافتنا ولغتنا وتراثنا وقوميتنا. فكيف بإمكان زوعا والمجلس الشعبي القيام بذلك؟
الهجوم على الكلدانمشكلة هؤلاء الكتاب أنهم لا يستسيغون الخلاف في الرأي ويتصورون أن على كل الكلدان الجري خلفهم لأنهم على حق. وأخترع البعض من أعضاء الأتحاد مصطلحات والقاب لا يستسيغها الحس السليم وقد لا تقبل نشرها بعض مواقع شعبنا.
وهنا أذكر ما تفتقت به عبقرية واحد منهم على سبيل المثال لا الحصر حيث أطلق على الكلدان الوحدويين، وهم كثر والحمد لله، عبارات كان الثوار الأكراد في العراق يطلقونها على الأكراد الذين كانوا يقاتلون في صفوف الحكومة. أستميح قرائي عذرا لأنني لا أستطيع الإقتباس او حتى ذكر العبارات المسيئة او حتى الرابط لتدني مستوى الكتابة.
إستخدام الكلمات البذيئة من قبل كتاب يحملون مناصب رفيعة في الإتحاد يجعل بعضنا يخجل من كونه كلداني ولا أعلم كيف تسمح بعض المواقع نشر مثل هذا الكلام البذيء.
الخطاب المتدني هذا يساهم في دفن ثقافتنا ولغتنا وإسكت صوتنا. ولا أعلم إن كان أي كلداني سيرضى أن يمثله صاحب خطاب كهذا ولا أعلم كيف وصل الدهر بنا ونحن أحفاد مار أفرام ونرسي وماروثا وبالاي وباوي ويعقوب السروجي أن يكتب أمثال هؤلاء بإسمنا. ومن يقول أن هؤلاء الكتاب يعترفون بهولاء العظماء. معرفتهم لا تتجاوز بعض الفصول من التوراة والكتب المدرسية عن تاريخ العراق القديم ولهذا ترى تشبثهم الأعمى بأكيتو ورفاقه.
المؤسسة الكنسيةهنا لا أتحدث عن رسالة السماء. الكنيسة كمؤسسة تختلف إختلافا جوهريا عن رسالة السماء، لا بل تصبح المؤسسة ضد رسالة السماء التي تمثلها. وسأكتب عن ذلك في مقال منفصل بعون الله.
الكتاب الكلدان من هذا الطراز مذهبيون درجة أنهم يرون مذهبهم أفضل من المذاهب المسيحية الأخرى رغم أن زعيم المذهب وهو بابا روما لا يستطيع اليوم أن يقف ويعلن أن مذهبه هو الصحيح فقط والمذاهب المسيحية الأخرى باطلة. والأنكى من هذا فإن روما بحد ذاتها لا تستطيع أن تعلن اليوم أن الدين المسيحي هو الحق والأديان الأخرى باطلة.
مشكلة هؤلاء أنهم يرون ليس فقط قوميتهم بل ثقافتهم وتاريخهم ولغتهم وشعرهم ووجدانهم من خلال منظار مذهبهم. هؤلاء يرون ان العهد القديم بما فيه من أخطاء تاريخية وعلمية ومغالطات برمته يمثل كلمة الله. وهؤلاء يرون أن الكلداني الذي يبدل مذهبه تحق عليه اللعنة.
وإلا كيف نفسر تعليق أحد الكتاب الكلدان البارزين على تخلي أحد الكهنه الكلدان عن مذهبه الكاثوليكي وإلتحاقه بمذهب أخر حيث يذمه وذلك بإقتباس طقسي "ويللي دحطيث" (الويل لي لأنني وقعت في الخطيئة). كيف يجيز كاتب لنفسه أن يقوم مقام الديان ويدين كلداني ترك مذهبه أنه يستحق الجحيم؟
والأية تنعكس عندما يترك أسقف مذهبه الأصلي ويلتحق بالمذهب الذي عليه نحن الكلدان. فترى الفرحة والحبور والغبطة في كتابات هؤلاء وهم لا يعلمون أن المذهب ليس الطريق لملكوت الله وأننا لن نتكىء إلا على أعمالنا وليس على بابواتنا وكراديلتنا واساقفتنا وقسسنا ومذاهبنا او حتى ديننا يوم الحساب.
وهؤلاء يرضون بما ترضى عنه المؤسسة إن كان صالحا او طالحا. فمثلا، لم أرى أي إدانة من الإتحاد للعملية المشينة التي إقترفتها هذه المؤسسة وذلك بدفن الموتى من اللاجئين الكلدان في مقابر جماعية فوق الأرض لقاء مبالغ كبيرة من المال. ما علاقة رسالة السماء (روح القدس) بهذا الأمر؟
وهؤلاء ينشرون صورا لنفر من الكلدان في جنوب العراق إفتخارا بكلدانيتهم ولم يكتبوا حتى اليوم عن الجريمة التي إقترفتها هذه المؤسسة بحق شعبنا وذلك بتخليها عن ملايين الكلدان ورميهم في ا لعراء والسماح للذئاب من الأجانب على إفتراسهم وألتنهم بإسم المذهبية.
وإن تحدث هؤلاء عن القومية والثقافة والتاريخ لا علم لهم غير ما ورد في التوراة. وإن لم تعرف عن المغالطات التاريخية الكبيرة الموجودة في التوراة إسال أي عالم أثار كي يدلك عليها. أي ينسون تاريخنا الكتابي وينسبوننا إلى شعوب وأمم توراتية لا ناقة ولا جمل لنا معها.
وإن قلت أن اللغة هي ذاكرة الأمم ولولاها لا وجود لأي أمة، أقتبسوا من الإنجيل ونزول روح القدس على التلاميذ وكيف أنهم تحدثوا بلغات شتى. إن كنتم مذهبيون لهذه الدرجة لماذا لا تصبحون قسسا ورهبان؟ إن كانت الثقافة والقومية تستند على الكتاب المقدس لترك الفرنسي والسويدي والألماني والإنكليزي والبولندي لغته كما فعلنا نحن الكلدان.
وإن قلت لا يجوز لأمة أن تترك لغتها لأن لم تفعل أي أمة أخرى هذا الأمر في التاريخ، قالوا المجمع المسكوني أمر بترك اللاتينية وإستخدام اللغات المحلية. هل هذا منطق، بحق السماء؟ اللاتينية كانت لغة أجنبية فرضتها المؤسسة الكنسية على الشعوب الكاثوليكية الأوروبية كما فرضت مؤسستنا الكنسية العربية علينا.
العودة إلى اللغات المحلية كان إنتصارا للقوميات لأنها غادرت اللاتينية في طقوسها وصلواتها وبدأت بإستخدام لغاتها القومية. نحن نطالب بقومية دون لغة وبعد أن تركناها لا نعلم كيف نستطيع إكتسابها. تركناها لأنه ليس لدينا اليوم صفا واحدا تدرس فيه لغتنا السريانية عدا ما قام به زوعا والمجلس الشعبي والمديرية العامة للثقافة السريانية في إقليم كردستان وقسم اللغة السريانية في كلية الأداب جامعة بغداد. أين مساهمتنا نحن الكلدان؟
وكان الله في عوننا نحن الكلدان