د. عامر ملوكا حين أتأمل عمري القصير على هذا الكوكب، يبدو لي كأنه غبار عالق في زوبعة الزمن، رمشه عين سريعة في مجرى الأبدية. ما نحن إلا عابرو سبيل على مسرح الكون، حيث لا يتجاوز وجودنا لحظة من بين مليارات اللحظات التي شكلت وجه الأرض ودفعتها من ظلمة إلى نور، ومن صمت إلى حياة. كيف يمكن لمخلوق هشّ، عابر في دورة الزمن التي لا تنفك عن الدوران، أن يترك أثرًا خالدًا؟ كيف لي، أنا الإنسان الفاني، أن أُحدِث تغييرًا في عالمي الحاضر، وأن يمتد صوتي ليصل إلى أزمنة لن أعيشها، تمامًا كما فعل الأنبياء، العلماء، والمفكرون؟ هذا السؤال يواجه كل من يحمل وعيه بضعفه، ويشعر بثقل الزمان الذي يسير غير مكترث بخطانا القصيرة. حين تقارن حياتنا بعمر الكوكب، تجد أن وجودنا لا يُشكّل إلا نبضة زائلة في صدر الأبدية، جزءًا صغيرًا من اللحظة، بالكاد مرئيًا في سياق الأزمنة الممتدة. ومع ذلك، ليست القيمة في طول العمر، بل في الأثر الذي نتركه، تمامًا كما يُحدث الحجر الصغير في الماء تموجات تتسع شيئًا فشيئًا، لتصل بعيدًا عن نقطة سقوطه. لقد علّمنا الأنبياء والعلماء والمفكرون أنَّ الأثر الخالد لا يولد من طول الحياة، بل من عمق الرؤية وشجاعة الفعل. هؤلاء الذين عاشوا مثلنا، أسرى اللحظة والزمن، استطاعوا في حدود أعمارهم القصيرة أن يصنعوا أثرًا ظل نابضًا في حياة من جاء بعدهم. الأنبياء تركوا رسالة تتجاوز حدود اللحظة، العلماء فتحوا أبواب المعرفة التي لم تنغلق بعد رحيلهم، والمفكرون زرعوا أفكارًا تُزهر في عقول أجيال لم يعرفوها. لم يكن الخلود بالنسبة لهم في الجسد، بل في الفكرة، وفي العمل الذي يترك أثره كظل لا يغيب. في زمن قصير كهذا الذي نملكه، نكون كمن يُعطى مشعلاً في ليلٍ طويل؛ قد لا نملك الوقت لرؤية النور يتسع، لكننا نمنح الآخرين شعلة يستكملون بها الطريق. أثر الإنسان يكمن فيما يتركه خلفه من بصمة خالدة: كلمة تضيء عقلًا، عمل يغير حياة، أو إيمان راسخ يجعل الطريق أقل وعورة لمن يأتي لاحقًا. وما يجعلنا قادرين على ترك هذا الأثر ليس في أن نعيش حياة خالية من الخطأ، بل في أن نحيا بكل ما نملك من صدق، وفي أن نؤمن بأنَّ كل فعل صغير يحمل في داخله بذرة التغيير. إننا نعيش بين البداية والنهاية، ونملك فقط اللحظة الحاضرة لنمنحها معنى. قد يبدو الزمن خانقًا، غير أنَّ كل لحظة تحمل فرصة لفعل شيء يُحدث فرقًا، ولو بسيطًا، كما تحمل النطفة في داخلها شجرة بأكملها. أن نترك أثرًا يعني أن نحب بلا شروط، أن نتعلم بلا نهاية، وأن نغرس بذور الأمل في أرض المستقبل. قد يكون الأثر كلمة تقال في لحظة صدق، أو فكرة تكتب فتُبقي الفكر حيًّا حتى بعد فناء الجسد. نحن عابرو دروب، والزمن سيواصل انسيابه بعد رحيلنا. غير أن ما نتركه خلفنا هو ما يحوّل تلك اللحظة العابرة إلى ضوء ممتد، يجعل من هذا العبور القصير حياة تستحق أن تُروى. وكما ترك الأنبياء والمفكرون منارات في بحر الزمن، بوسعنا نحن، البشر الفانين، أن نترك منارات صغيرة تشع في أفق المستقبل. في فعل كهذا، نلامس معنى الانتصار على الفناء، ونظلّ حاضرين، ولو كصدى بعيد يسمعه القادمون من بعدنا. هذه دعوة لنا جميعًا لنترك أثرًا خالدًا، يمرّ عبر الزمن ويُصاحب الزمن.
الـوحـدة المسيـحـية هي تلك التي أرادها الرب يسوع المسيح (له المجد ) وما عـداها فـهي لـقاءات لأكل القوزي والتشريب والسمك المزگوف وترس البطون من غير فائدة
أقبح الأشياء أن يصبح كل شئ في الحياة جميل!! @@@@ ولا تحدثني عن الحب فدعني أجربه بنفسي @@@@ ليس بالضرورة ما أكتبه يعكس حياتي..الشخصية هي في النهاية مجرد رؤيه لأفكاري..!!
شخابيط ذات معنى : الانسان وبصمته الخالدة/د. عامر ملوكا