من العراق بلد الاطلال والبكاء
الى الاب سرمد والمهجر بلد المغامرة والبقاء
لقد قرأت مقالك عن الهجرة، ورأيت كيف تستخدم الامثلة الكتابية بالشكل الذي تراه مناسباً. ولكني أستغرب شيئاً واحد!! اذا كان واضحاً التفسير الكتابي لهذه الامثلة والنصوص والآيات كما تقول وتشرح أنت، فلماذا تُصرّ كنيستنا الأم الكاثوليكية، التي ننتمي أنا وأنت إليها، على بقاء المسيحيين في الشرق الاوسط وفي العراق؟ لماذا تُناشد الكنيسة الدول العربية على حماية المسيحين للبقاء في ارضهم، أرض أجدادهم وتراثهم والحفاظ على ثقافتهم وحضارتهم؟ لماذا تُصرُّ الكنيسة على عقد مؤتمرات (مؤتمر من اجل مسيحي الشرق الاوسط في اوكتوبر المقبل) لدراسة احوال المسيحيين والمحافظة عليهم في هذه الارض (العراق، بلد الاطلال كما تسميه)؟ هل لأنها لا تفهم الكتب المقدسة كما تفهمها انت؟ أم لانها تملك تفسيرات أخرى مختلفة كلّ الاختلاف عن الذي تملكه، ولأن رؤيتها تختلف كلّ الاختلاف عن رؤيتك؟
يا أبونا سرمد: أ لم تدرس في الكتاب المقدس وتاريخه ما يسمى بالاطار التاريخي للنصوص والثقافة الكتابية والاطار الحضاري؟ فكيف تفهم هجرة ابراهيم على انها هروب من الارض؟ يا عزيزي، أنها بحث عن الله؟ انها دعوة الله له. أنها سعي وراء الاله الحقيقي والحي. ليست هروبا سلبياً وهجرة؟ ويسوع، ربنا وإلهنا، لم يغادر أرض أسرائيل أبداً؟ أقرا وانت تعرف؟ لم يهرب من اضطهاد شعبه وبيته، بل بالعكس، ساعدهم على الايمان والاكتشاف والبحث عن الله الحقيقي! أمر الرسل للذهاب الى خراف اسرائيل الضآلة ومنه الى العالم، وهو ذاته لم يغادر بيته وارضه؟!! لقد ذكرت القديس اوغسطينوس وشارل دي فوكون الذين هما من المهجر أتيا ليقيما في أرضنا؟!!
مع هذا أقول: الهجرة حق طبيعي للانسان. انها قرار حرّ يتخذه الانسان معتمدا على رؤيته لنفسه وللمستقبل الذي يريده. ولكن عندما يكون الكاهن أول المهاجرين، حتى قبل الرعية، هذا ما يشكل علامة استفهام كبيرة؟ اذا الكاهن اول الباحثين عن البقاء والقوة والعلاء، فمن يبقى في دار البذل والضعف والرثاء؟ اذا الكاهن والراهب أول من يحوك ويخطط للبحث عن سفرة الى الخارج، لكي ما يجد رعية في أوروبا وكندا وأمريكا، فلماذا تقول الكنيسة للناس عليكم البقاء في العراق!؟ أسال نفسك شخصياً يا أبونا: هل أرسلتك الكنيسة رسمياً الى كندا؟ أم أنك خرجت الى سوريا في سفرة لزيارة الاهل ومنه الى كندا؟ أ لم تتوسل الكنيسة بك للبقاء في العراق مثلك مثل اخوتك الكهنة، ولكنك ضربت بعرض الحائط كل التوسلات والطلبات من الكنيسة؟
يا أبونا انت تتكلم عن الهجرة وتدافع عنها. ولا ضير في ذلك. ولكني أريد ان اقول لك بان الكنيسة عندما تريد ان تبعث كهنة الى المهجر فانها تبعثهم بعد تخطيط ودراسة وبالاتفاق مع المصاف الاسقفي والكهنوتي الموجود في الداخل والخارج. أما كنيستنا فلا يوجد فيها لا تخطيط ولا عمل مدروس! الكهنة فيها يلوون الذراع (أما أخرج من الكهنوت أو أذهب الى أوربا) ويهربون بحجة الزيارة ويختفون في أوربا وراء فشلهم في الحصول على مناصب ويسجلون بالامم المتحدة طالبين اللجوء الانساني؟!
صحيح كما قلت ان مياهنا الراكدة تحركت بهذه الهجرة واخرجت ما كان مخفي في طيات حياتنا المسيحية؟ أقول: عجباً ارى كهنة المهجر في بلدنا صامدين وكهنة بلدنا في المهجر قابعين ولاجئين؟ انا انقد واقعاً صرت فيه طرفاً. لم انقد الكهنة ككل. فهناك القديس والذي يعمل، ولم أسمي أوربا بلد الفساد والضلال، كما سميت العراق بلد الاطلال والبكاء. ان نهاجر ككهنة، فهذا يجب ان يكون بعد دراسة وتخطيط وتلبية لحاجاة الكنيسة في المهجر. لذا فارجوك لا تصفنا بالتزمت والبكاء على الاطلال. تذكر مقالك السابق عن أهل المهجر؟! يا ترى هل غيرت فكرك في شهر؟ أي عمقاً هذا؟!
تحياتي وامنياتي الطيبة لك ولكل الكهنة الذين في المهجر، ان يوفقكم الله، وان تخدموا الكنيسة، الكنيسة فقط.
ابونا سعد سيروب
بغداد 6/6/2010