ماذا بعد؟
مراجعة جادة للذات
وتحمل للمسؤولية الرسولية
على المستوى الشخصي والمؤسساتي
اساقفة واكليروس وعلمانيون
قال البابا يوحنا الثالث والعشرون في بداية المجمع الفاتيكاني الثاني ان الانجيل ما زال مجهولاً ينتظر من يكتشفه. وبعده البابا بولس السادس قال: "يجب علينا ان نطبّق الانجيل... فقد خيل إلينا فهمناه حقاً وعشناه، ولكننا لمسنا الآن وأدركنا خير الإدراك اننا بحاجة الى اعادة كل شيء منذ البداية".
إلا اننا اذا انتقلنا الى مرحلة التطبيق هذه، خشينا الاعتراف المتواضع بأغلاطنا. فكم من مرّة ومرة حورنا رسالة المسيح وأفقرناها. نعم فخطايا عديدة، خطايا العمل وخطايا الاهمال، خطايا التأويل وخطايا الجبن، خطايا التهاون وخطايا الانانية. فبهذه الخطايا نشوه كل يوم وجه المسيح المشرق. وأريد هنا أن أستشهد بما قاله كاتب مسيحي مشهور (خوان ارياس في كتابه Le Dieu en qui je ne crois pas) : "من أصعب ما يعترضنا في الانجيل قراءته ببساطة، أعني أن نقرأ فيه البياض حيث كُتب البياض، ونقرأ السواد حيث كتب السواد، مما يختلف بلا شك عمّا هو بَيْنَ بَيْن، في لون "الرماد". فالبساطة فيها قوى متفجرة، لذا نخافها، ونخاف بساطة إنجيل "يُقرأ" ولا "يأول" (ص 112).
يجب ان نقول باننا نعيش أزمة كبيرة في الكنيسة (على الاقل في كنيستنا في العراق). ونقول بان الازمنة ضربت ميادين: السلطة، والطاعة، والايمان، والاخلاق، والرجاء المسيحي. والجميع في كل مكان يشعرون بحاجة ماسة الى مضاعفة الجهود للخروج من هذه الازمات، ظاهرة كانت أم خفية. ولكن يجب ان لا تكون هذه الحاجة الى حلّ الازمة مجرد رغبة دفينة في الرجوع الى هدوء الماضي، والهرب مما تجلبه إعادة الامور على بساط البحث من عدم ارتياح، والتنصل من الالم الناتج عن كل تقويم في العمق، وعن كل اعتراف دامٍ باغلاطنا وحدودنا.
في خضم هذه الازمة لا يزال المسيح النور الامين: "الى من نذهب وكلام الحياة الابدية عندك؟" (يوحنا 6/ 68). ولابد لنا، ساعة تحتدم الازمات في تاريخنا المسيحي، من أن نتخطى الاجوبة الفلسفية والثقافية والعلمية وما هو منها على مستوى الانسان فقط، فهي وحدها لا تكفي. وليكن المسيح جوابنا الحي. وليكن كلمة سهلة بحيث يستطيع كل انسان ان يقرأها، كلمة عصرية بحيث تساعد في حل كل المشاكل وأشدها خطورة، كلمة جديدة ثوروية بحيث تلبي أعمق المتطلبات في الذين يبحثون باستمرار، والذين يحبون التجديد، والذين يريدون اجوبة مستحدثة عن مشاكلهم الخاصة.
ففي هذه السنين الثمانية الاخيرة، كتبت مقالات عدّة عن حالة الكنيسة في العراق والخارج، وعن المستوى الذي وصلت اليه الكثير من النفوس، ممن هم في موقع المسؤولية والخدمة، ممن استغلوا السلطة، وجروا وراء الثروة والمال؛ وتركوا الكنيسة الكلدانية ولجئوا الى كنائس أخرى هربا، وممن أُهمِلوا ككهنة وعلمانيين من قبل الرئاسة الكنسية وحُربوا من السلطة؛ شهدنا انقسامات حول الاولويات في حياتنا الروحية؛ شهدنا لجوء سريع الى السلطات السياسية بحجة حماية الجماعة المسيحية، ولجوء اسرع منه الى أموال مسيّسة بحجة مساعدة الكنيسة لجني الاموال وبنائها... وغيرها الكثير من القضايا. ماذا يدّل هذا؟ ان هذا وان دلّ فانه يشير الى وجود أزمة على المستوى الكنسي المؤسساتي، كما على المستوى السياسي والقومي.
ماذا بعد؟
1. على المستوى الروحي: رجوع جاد الى الذات وعودة الى الله بالقلب والفكر. نحن بحاجة الى قوة جديدة، هي قوة الروح القدس، لنستطيع قراءة الانجيل بجدية وحماس الرسل وبعصرية ومسؤولية زماننا. يتم هذا باعتراف حقيقي بالخطايا التي ارتكبناها في الماضي. لا غفران بلا اعتراف. لا تجدد بلا تواضع في الايمان والمحبة.
2. على المستوى المؤسساتي: بناء مؤسساتنا الكنسية بما ينصح ويرشد به القانون الكنسي. خلق مسؤوليات حقيقية وليس مجرد اسماء على ورق، واختيار اناس يتحلون بالمسؤولية والغيرة على الايمان والمحبة والرجاء، والتخلي عن المحسوبية والمصلحة والمال.
3. على المستوى الراعوي: عمل مشروع راعوي يهتم بالكبار والصغار من ابناء الكنيسة. يأخذ بنظر الاعتبار المتغيرات والثوابت، ويبني روح الجماعة والمقاسمة والتشاور بين اعضاء الكنيسة الواحدة.
4. على مستوى الخدمة: اشراك الجميع في العمل الكنسي. العمل على اشراك العلماني حسب تعليم الكنيسة في المجمع الفاتيكاني الثاني. العمل على بناء كنيسة يشارك الجميع في ادارتها ويعمل على ازدهارها ونموها.
الكنيسة التي لا تعرف إلا تبخير الناس ولا تخضع قط للاضطهاد، الكنيسة التي تخون مواهبها الخاصة عن خوف أو مصلحة، تكون كنيسة بلا روح، كنيسة بلا قوة ونبوة. أجل، الكنيسة التي لا تعكس صورة مسيحها وأنبيائها العظام، تكون كنيسة جاحدة.
الأب سعد سيروب
بغداد 14/6/2010