يكاد يكون التلاكفة الكلدانيون من رواد الهجرة الى العالم الجديد في اوائل القرن العشرين ، وفي اواسط الخمسينات منه وبعد ان انهيت المرحلة الأبتدائية في القوش كان علي الأنتقال الى تلكيف لمواصلة الدراسة المتوسطة لعدم وجود المتوسطة في القوش يومذاك . وتحضرني موقف مشاهدة عروض سينمائية على جدار الكنيسة الخارجي ، يبين العوائل التلكيفية الكلدانية المهاجرة الى اميركا ، وبين آونة وأخرى يقوم أحد المتفرجين بتسمية هذه المرأة او ذاك الرجل من أقاربه في هذا الفلم . ومن ذكرياتي ايضاً ان ساعي البريد هنالك كان القوشياً واسمه عما ( بكو) من بيت ابونا ومن طريف نوادره ان امرأة وعدته بهدية مقدارها مائة فلس بالتمام والكمال إن انجبت ابنتها المتزوجة في اميركا ولداً ، وكل مرة تفتح الرسالة وليس فيها الخبر المفرح ، ولكن في آخر المطاف فتحت إحدى الرسائل التي جلبها بكّو وظل ينتظر قراءة الرسالة ، فبدأت المرأة تزغرد بعد قراءة الخبر المفرح ، وحينما انتظر عما بكو الهدية الموعودة بدأت المرأة تتهرب من وعدها الى ان بادرته بقولها : ( عمي بكّو ترى هذا الولد اجا بسبعة اشهر ) ولهذا ... فالتفت اليها عما بكو قائلاً : ( يا ... اجا بسبعة اشهر قابل إكماله عليّ ؟ ) . المهم في هذا المقال ان التلاكفة كانوا الرواد في بدايات القرن العشرين للهجرة الى العالم الجديد وللأستاذ حبيب حنونا بحث كامل حول الموضوع عن ديموغرافية الكلدان في العالم بما فيها كندا والولايات المتحدة ، وهذا ليس بعيداً عن شعبنا الكلداني إذا ما علمنا ان اول رحالة شرقي الى اميركا كان كلدانياً ، وهو الياس ابن القسيس حنا الموصلي الكلداني من عائلة عمودة بحسب الأب أنطون رباط او عمون حسب كراتشكوفسكي ، وكانت الرحلة ( 1668 ـ 1683 م ) انظر الذهب والعاصفة ص 16 حررها وقدم لها نوري الجراح . حينما هاجر التلاكفة ومن ثم الألاقشة وأهل باطنايا وتللسقف وباقوفا وغيرهم من الكلدان الى تلك الديار كانوا يحملون في قلوبهم تراثهم الكلداني ويتكلمون لغتهم الكلدانية وطقوسهم ومشاعرهم الكلدانية وعملوا على تأسيس المنظمات المجتمع المدني التي تحمل اسم قوميتهم الكلدانية ، وهكذا بقي هذا الأسم الجميل (Chaldean) رمزاً يميزهم عن الشعوب الأخرى التي وفدت الى تلك الأصقاع . تقدم الكلدانيون في معارج العلم والسياسة والتجارة وأحرزوا نجاحات في دنيا المال ليشار اليهم بالبنان . لقد وقف الكلدانيون مع ابناء العراق عموماً في محنهم ، وكان الوطن العراقي دائماً في قلوبهم . وبقيت الهوية العراقية هي العلامة التي تميزهم وهم كالأقوام العراقية الأخرى حيث كانت الهوية العراقية هي الدوحة التي يستظلون بظلالها . بعد عام 2003 تبدلت الأمور وطفرت الى السطح الأنتماءات الطائفية والأثنية وعلى حساب انزواء الهوية العراقية الأصيلة . فالمسلم تراصف مع المكون السني او الشيعي ، والكردي مع قوميته الكردية والأشوري والتركماني .. الخ . بقي المكون الكلداني هو الوحيد متراصفاً مع هويته العراقية وغير مكترث لهويته القومية الكلدانية . وهذا المنحى قد ترك اثره السلبي على المكون القومي الكلداني وكان المكون الوحيد الذي فقد تمثيله في برلماني اقليم كوردستان والبرلمان الأتحادي للدولة العراقية . في حين كان تمثيله دائمي بتلك المؤسسات على مدى عقود في الدولة العراقية الحديثة . يقول مهاتما غاندي : افتح نوافذ بيتي للهواء الطلق لكني لا اسمح بها ان تقلع جذوري ، لكن الكلدان في اميركا وهم يشكلون اهم جالية كلدانية في الخارج وبإمكانهم أيصال اكثر من نائب كلداني الى مبنى البرلمان ، لقد منح هؤلاء الكلدان اصواتهم لقائمة علاوي وقائمة الآشوريين ، في حين هؤلاء لم يكونوا بحاجة الى تلك الأصوات ، فعلاوي كان فائزاً دون تلك الأصوات ، لكن تلك الأصوات ( كلدانيي اميركا ) كان بأمس الحاجة اليها القوائم الكلدانية وخاصة بينهم كان ابنهم المناضل العراقي الكلداني حكمت حكيم . فإن كان اياد علاوي عراقي فإن حكمت حكيم كان كذلك وإن كان الأقتراع للحزب الآشوري كونه مسيحي فإن القوائم الكلدانية كانوا مسيحيين ايضاً . يقول الدكتور كوركيس مردو في مقاله الموسوم ( خسر العراق مناضلاً وطنياً كلدانياً ) : يا لـها مِن مُـفارقـةٍ مؤلمة حـقاً أظهرها الشعـب الكـلداني في ولاية مشيكـان ، هذا الشعـب الذي خـذل الدكتـور الراحل حكمت حكـيم مُرشح قائمة المجلس الـقـومي الكـلداني في الإنـتخابات البرلمانـية العراقية الأخيرة بعـدم دعـمه بأصواتـهم ، هو الشعب نفسُه هـرع الى مجلس عـزائـه بأعـدادٍ كبيرة جاوزت عشرات الآلاف ! أليس المشهـد غـريباً ؟ أن يـُكـَرَّمَ المـَرءُ في مَـماتـه ويـُخـذلَ في حياتـه ! إنها فعـلاً مفارقة غـريبة ومعـيـبة مَـعـاً. يا أبناء الجالية الكـلدانية في مشيكان ألستم معي بـعـدم عـدالة وواقـعـية هذه الظاهرة التي أبـداها شعبـُنا في الإنـتخابات ، أيسرُّكـم عـدم وجـود ممثل للشعب الكلداني في البرلمان مـِن أبنائـه .. ؟ إن الأنتماء ليس بالأسم فحسب إنما هو بالتضامن وبالتعاون وقت الضيق والشدة ، وعلى التعبير عن حبهم لهذه الهوية ول بشكل رمزي وهو اضعف الأيمان ، فماذا يؤثر على مجرى حياة الكلداني في مشيغان مثلاً ان يضحي بيوم واحد من وقته ويذهب الى الأنتخابات ويمنح صوته لقائمته الكلدانيـــــة ، لماذا الآشوري والكردي والعربي والتركماني يقومون بذلك النشاط ؟ في حين ان الكلداني يحجم عن المشاركة وإن هو شارك يمنح صوته لقائمة غير كلدانيــــة . إن كانت القوائم الأخرى التي تمثل المكونات الأخرى تشترك مع الكلدانين في الوطن او في الدين فإن منظمات والأحزاب الكلدانية تشترك معه في الوطن وفي الدين وفي القومية ايضاً ، فلماذا هذه المعادلة غير المفهومة ؟ ماذا ينقص من الفرد الكلداني في اميركا ان يمنح بالشهر خمس دولارات لنشاطات واعلام المنظمات والأحزاب الكلدانية ؟ أليس فوز الكلدان وترقيتهم شرفاً للكلدانيين إن كان في العراق او في اميركا ، الا يشرفنا ان يكون وزير كلداني وأربعة نواب في برلمان العراق وغيرهم في برلمان اقليم كوردستان ؟ لقد كان في آخر برلمان في العهد الملكي قبل سقوطه ثمانية نواب من الكلدانيين وعيّن كلداني واحد في مجلس الأعيان ، فلماذا نستكثر على شعبنا تمثيله في برلماني كوردستان والعراقي الأتحادي . إن منظمات المجتمع المدني في اميركا تلتف حولها اليوم الأحزاب الآشورية لتفريغها من محتواها القومي الكلداني وجعلها ادوات طيعة وتابعة لتلك الأحزاب ، وبعضها بلعت الطعم وهي تستمرئ هذه التبعية ربما لتحقيق بعض المكاسب المادية وهذا امر يؤسف له ان تبيع هذه المنظمات او الشخصيات ذاتيتها واسمها الكلداني وقوميتها الكلدانية في سبيل تحقيق بعض الطموحات المادية . إن شعبنا الكلداني ومنظماته الكلدانيـــة ينبغي ان تكون وفية للاباء الذين حملوا في قلوبهم مشاعرهم القومية وأحتفظوا بلغتهم الكلدانية وتراثهم ، فليس معقولاً ان تنسى او تتناسى هذا التراث وتلك الشخصية والكرامة الكلدانية التي شقت طريقها بأصعب الظروف ، فيأتي الجيل الحالي الى التفريط بتلك الشخصية الشامخة ويصبحوا تابعين للحزب الآشوري باسم تحقيق الوحدة ، والوحدة لا تعني ابداً التبعية وإلغاء الذات ، لقد عمل هذا الحزب ( الآشوري ) على تمزيق الكنيسة الكلدانية والتنظيمات التابعة للمكون الكلداني . إن هذا الثقل الديموغرافي الكلداني في اميركا ونخبته السياسية مدعوة اليوم اكثر من اي وقت آخر للوقوف بصف واحد امام المحاولات التي تعمل على دق الأسفين بين التنظيمات الكلدانية ، لتكون تابعة ومطيعة لكل ما يقرره الحزب الآشوري . سابقاً لم تفلح تلك المحاولات التي بذلت مع المرحوم توما توماس لجره الى فكر إلغاء القومية الكلدانية ولم يسلم غبطة البطريرك عمانوئيل دلي والأساقفة الأجلاء من تلك الحملات واليوم يجري الألتفاف على التنيظمات الكلدانيـــة لأضعافها والألتفاف عليها . إنه امر مؤسف ان تسير الأمور بهذا الطريق المعوج الذي يسعى الى توجيه الضربة القاضية الى الخصم ، انها اجواء قاتمة في علاقاتنا مع الحزب الآشوري بدلاً من ان تكون بيننا علاقات اخوية شفافة ، إن الأرهاب يستهدف ابناء شعبنا المسيحي دون تمييز ، لكن مع ذلك نلاحظ الحزب الآشوري مع الأسف يضع العصي في دولاب التقدم الكلداني إن هذا المنحى الأقصائي يزيد من صعوباتنا وتشرذمنا . أملنا كبير في المكون الكلداني الأصيل في الولايات المتحدة ان يقف مع نخب شعبه الكلداني في الفعل السياسي والقومي الكلداني بالقول والفعل وفي السراء والضراء . حبيب تومي / اوسلو في 02 / 08 / 10
من يقف في صف كنّا وآغجان فأنه مشارك في تهميش وإستلاب حقوق الكلدان