Nov 26, 2012
العقل نور الحكمة
النهضة الكلدانية: رؤية أساسية موجزة
اللغة الآرامية بصيغتها الكلدانية
-الحلقة الثالثة-
الأب سعيد بلو
قبل أن ألج في أعماق التاريخ وآفاق المفكِّرين والمؤَرِّخين في هذا الصدد، أستميح عُذراً لورود سهواً في الحلقة الثانية كلمة "واطئ" في ذكر مستوى الثقافة الدينية لدى الشعب الآثوري علماً بأن المقصود: نقص في منح الثقافة الدينية. وقد شكرت في الحاشية (1) السُلطة الكنسية العُليا لإرسال التلاميذ والكهنة إلى معاهدنا الدينية وكُليّاتنا الفلسفية واللاهوتية للإرتقاء بالإكليروس إلى المستوى العالمي. وأعود إلى صُلب الموضوع قائلاً:
اللغة هي من العناصر الأساسية في القومية، فاللغة العربية مثلاً هي جوهر القومية العربية ووحدتها. كما أنها من جهة عامل إتحاد بالنسبة لأي شعب إذ تضمن له قيام عقلية مشتركة، ومن جهة أخرى تنقل ثقافة ورؤية خاصة عن العالم لأنها مصدر أصيل لتعريف قدرة الشعب وعظمة حضارته بين الأُمَم فتقوم مقام وطن روحي حقيقي. كما تُشكِّل من جيل إلى جيل حضارة قومٍ تظهر فيها إسهامات إنسانية شديدة التنوّع تُضفي على مُفردات ومفاهيم الفكر مضمونات جديدة. وفي مقالة مار سرهد أعلاه يذكر: "أن لغة الكلدان المُعاصرين هي لغة السواد وهي آرامية بلاد الرافدين بصيغتها الكلدانية والتي إستعملت منذ ثلاثة آلاف سنة حتى اليوم" ويُضيف " أنها اللغة الدارجة المَحكيّة أي أنها مع ثبوتها على قواعد نحوية لم تكن إرثاً مُسجلاً بالكتابة إنما تعلّمها الأبناء من الآباء جيلاً بعد جيل، بينما اللغة الآثورية القديمة هي لهجة نينوى الأكدية التي بَطُلَ إستعمالها. علماً بأن اللغة الكلدانية القديمة والحديثة ليست لغة بابل الأكدية التي إنقرضت وإنما آرامية سواد شعب بلاد النهرين والتي تُشكِّل الإستمرار الحضاري والجوهر الأساسي لهويته القومية حتى يومنا هذا..." كما يقول سيادته في آخر (الفقرة 4): "هناك أيضاً توضيح ضروري فيما يخص اللغة الآرامية التي إنتشرت في مناطق عديدة في الشرق الأدنى والأوسط بين القرن العاشر ق.م. والقرن السابع ب. م. من ضمنها أعالي بلاد النهرين في تركيا الحديثة وغرب فارس في إيران اليوم. إن الآرامية لغة سواد بلاد النهرين (في الوسط والجنوب) مختلفة بوضوح حتى اليوم عن بقية لهجات اللغة الآرامية المستعملة في منطقة طور عابدين (تركيا) أو في أورمية (إيران)....".
وفي هذا السياق كنت أتهيّأ لإلقاء محاضرة عن الكلدان في مونتريال نهاية الثمانينات من القرن الماضي فسألت المرحوم الأب د. حنا شيخو لإستقاء بعض المعلومات بهذا الخصوص منها: ما هي أقرب لهجة للآرامية؟ أفاد بأنها "السورث" أي اللغة الدارجة المَحكية فأكد ما جاء في مقالة مار سرهد أعلاه:
"إن الآرامية لغة سواد بلاد النهرين". كما سألت مثلث الرحمات المطران إسطيفان بلّو عن كيفية إنتشار الآرامية في الإمبراطورية الكلدانية فنوّرني بما يلي:
"في عهد الملك نبوخذ نصّر (605-562 ق.م.) كانت بعض الولايات لا تفهم الإتصالات المرسلة من قبل عاصمة المملكة "بابل" فجمع نبوخذ نصّر علماء اللغة في أرجاء الإمبراطورية وطلب منهم الإتفاق على اللهجة التي يفهمها الأغلبية وكانت الآرامية التي عمّمها الملك نبوخذ نصّر فأصبحت لغة كل الشعوب في بلاد ما بين النهرين ومن العناصر الجوهرية في وحدة القومية الكلدانية بالإضافة إلى وحدة التاريخ والتقليد والعرق والتراث.
ويعود مار سرهد في محاضرته عن الرها (ADESSA) مؤكِّداً أن الكلدان تكلموا الآرامي الدارج في عهد حكمهم على بابل والإمبراطورية كما أن اليهود في أُسَر بابل 586ق.م. إستعملوا الكلدانية الدارجة وكذلك في عودتهم إلى أورشليم ويهوذا حتى سنة 132ب.م". وعليه يوصي في مقالته أعلاه: "بالإعتزاز بلغتنا ما بين النهرين الكلدانية في صيغتها المدرسية والسوادية لاسيما بتنظيم قواعدها المتوارثة وتصفية حروفها وكلماتها من التشويه الذي علّق بها بإتّباع قواعد دخيلة ولا بُدّ من تدريس هذه اللغة على أوسع نطاق وإستخدامها في كافة مناحي الحياة."
ويحملني الفكر على ضوء ما جاء أعلاه بخصوص هذا العنصر الجوهري في النهضة الكلدانية مستشفعاً تحقيق ما يلي:
1- علينا أن نقتفي إثر الغربيين في تطوير حضارتنا، فكما كانت اللغة اللاتينية اللغة الكلاسيكية الأصيلة ثم أصبحت اللغة المدرسية التراثية فقط وأمست اللغات الدارجة كالفرنسية والإيطالية والإسبانية إلخ... هي اللغات الرسمية لشعوبها كذلك نحتفظ نحن بلغتنا الكلدانية الكلاسيكية التراثية ونعمِّم الآرامية (السورث) بصيغتها الكلدانية الدارجة التي يفهمها الشعب في كل مكان لتصبح من ثمّة هي اللغة القومية والكنسية المتداولة رسمياً.
2- يجب على كلدان اليوم كشعب أن يعتز بأمته قومياً تسانده المؤسسات والتاريخ القومي. كما يعتز بإيمانه المسيحي كنسياً تسانده كلمة اللـه في بشارة الحياة أي في التعاليم النبوية وتعاليم المسيح الخلاصية.
3- إن كلدان العصر لا نستطيع فصلهم كشعب عن نسل إبراهيم إذ لا بد أن نعتبرهم هكذا في السلالة الروحية للجد الأكبر. هذا "اللابُدّ" يجب أن يجمع ويوحّد هذا الشعب الكلداني العظيم رغم تشتته في العالم منتصراً في تكوين دولة معاصرة من نبع الكنيسة كما فعلت إسرائيل اليوم. هكذا ستعيد خصوبة النهرين وجمالات جنة عدن وأمجاد بابل وعظمة نبوخذ نصر وحكمة حمورابي.
4- في إنصهار الحضارة الرافدينية القديمة مع حضارات العصر ينفتح الشعب الكلداني على الإنسانية جمعاء مُندفعاً في ميادين الحياة إلى التسابق مع التطور الحديث مُدركاً إن الإنسانية والكون ذاته يسيران نحو الكمال الذي ننشده في مبادئنا القومية والدينية. وعليه أن ينظر في كليهما نحو آفاق النجاح بالمُساهمة مع شعوب العالم ليس فقط لبلوغ شأو العلى في الصعود إلى الجبل المقدس روحيا وإنما في تحقيق الأفراح الزمنية بالإمتثال إلى يسوع المخلص:
"أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لـله لـله." لوقا 20: 25