بمناسبة الإحتفالية بالذكرى المئوية السادسة عشر لسينودس كنيسة المشرق الثاني 410 - 2010 م
مجمع ساليق الثاني 410 م المعروف بـ ( مجمع اسحـق الجاثاليق )
إنَّ أهمَّ الأسباب التي دَعت الى عقد مجمع ساليق الثاني ، كان لإقرار القوانين والأنظمة الكنسية التي أقرَّها مجمع نيقية عام 325 م مِن أجل تطبيقها مِن قبل رئاسة كنيسة المشرق في كافة كنائسها ، وقد عُقد المجمع في عام 410 م ، وتَصَدَّرت أعمال المجمع كلمة افتتاحية قيِّمة تَضَمَّنت إطراءً لأمجاد ملك الملوك يزدجرد الأول ، فيها ثُمِّنَ قرارُه الشامل على بلاده كُلِّها والقاضي ، بأن يُجَدَّدَ بناءُ كُلِّ الكنائس المُهَدَّمة ، وأن يُخلى سبيل كُلِّ الذين في السجون أو رهن الإعتقال بسبب عقيدتهم المسيحية ، وأن يتمتعَ بالحرية كُلُّ رجال الدين . وإنَّ قرار يزدجرد الأول هذا في الشرق ، يوازي مرسوم ميلانو الشهير الذي أصدره عام 313 م قسطنطين الكبير في الغرب قبل مئة عام . والفضل في هذا كُلِّه يعود الى ماروثا اسقف ميافرقين الذي قَدِمَ الى المملكة الفارسية مرتَين في عام 399 م بتكليفٍ مِن الملك الروماني أركاديوس ، حيث أبرأَ الملك يزدجرد مِن مرضه وأنقذ إبنَه مِن أسرالشيطان وأنجزَ إبرام الصلح بين الفرس والرومان ، وفي عام 408 م بطلبٍ مِن الأساقفة ( الآباء الغربيين ) ناقلاً مِنهم ثلاث رسائل مُذيَّلة بتواقيع أشهر أساقفة مناطق غرب الفرات ( سوريا وما بين النهرين ) هُم بحسب ما جاء في كتاب ( المجامع الشرقية ص 18 والترجمة ص 255) : فريفير يوسف اسقف < بطريرك > أنطاكية ، آقاق اسقف حلب ، بقيذا اسقف الرها ، اوسابيوس اسقف تلا ، و آقاق اسقف آمد . وكانت الاولى مُوّجَّهة الى الملك يزدجرد الأول وقام بترجمتها مار ماروثا مِن اليونانية الى الفارسية بموافقة مار اسحق ، وقرأَها أمام الملك بحضوره ، ثمَّ طلبا مِن الملك أن يُصدر أمراً شاملاً لكُلِّ أساقفة المملكة الفارسية ، فأصدر الملكُ أوامره باستقدام مطارنة المُقاطعات الست الكبرى وهم : - 1 - دانيال مطران حِدياب ( أربيل ) 2 - عقبلاها مطران كرخ سلوخ ( كركوك ) 3 - هوشاع مطران نصيبين 4 - زبدا مطران ميشان 5 - ماري مطران كشكر 6 - يزيداد مطران الأهواز ، مع جميع الأساقفة التابعين لهم ، وبلغ عدد الآباء المُستدعين ( 40 فرداً ) بحسب قول كتاب المجامع ، ولكن عدد الموقعين على قرارات المجمع كان (38 ) كما يقول الأب حنا شابو في كتاب( المجامع نفسه ص 257 )وان البعض مِنهم وقعوا القرارات في وقتٍ متأخر مِن تاريخ المجمع ، وقد لوحظ محو أسماء البعض الآخر . أما الرسالة الثانية فكانت موجهة الى الجاثاليق اسحق تضمَّنت قوانين وتوجيهات ، والرسالة الثالثة كانت تخويلاً رسمياً لماروثا للإشتراك في أعمال المجمع وإعلام الملك يزدجرد وأساقفة المشرق بذلك .
لم تذكر المصادرُ عدد الجلسات التي عُقدَت خلال مدة المجمع ، ولكن وصول الأساقفة إكتملَ في أوائل شهر كانون الثاني عام 410 م ، وفي صبيحة السادس مِنه وهو عيد الدنح ( عماذ الرب ) إجتمع الآباء وللمرة الاولى في كنيسة كوخي الكبرى ، وقُرئَت على مسامعهم رسالة الآباء الغربيين الموَجَّهة الى الملك يزدجرد ، ويُعتقَد أنها كانت تتضمَّن زجراً للأساقفة المُعارضين لإسحق ورئاستِه ، مِمّا يؤِكِّد رئاسته لجلسات المجمع بدون مُنازع منذ الجلسة الرسمية الاولى التي افتُتِحت في الأول مِن شهر شباط ، فلم تكن إذاً جلسة السادس مِن كانون الثاني إلاّ للتعارف وتنقية الأجواء والحد مِن نفوذ المُناوئين أو ربَّما لإقصائهم .
عُقدت اولى جلسات المجمع يوم الثلاثاء الأول مِن شباط لعام 410 م ، واستُهِلَّت بصلاة رفعها الآباء المُجتمعون مِن أجل حياة يزدجرد الأول ، ثمَّ تُليَت رسالة الآباء الغربيين الموجهة الى مار اسحق والمُتضمِّنة لقوانين مجمع نيقية ، وقبِلَت بالإجماع مِن قبل جميع آباء المجمع ووقَّعوها بمجموعهم . وعلى ضوءِ ما ورد فيها بحث الآباء في تنظيم الامور الخاصة بالإدارة الكنسية ، ثمَّ باشروا باعتماد واحدٍ وعشرين قانوناً تتعلَّق بصُلب سياسة كنيسة المشرق ، نُدرجُ أدناه أهَمِّ القرارات القانونية التي أقرَّها آباء المجمع : -
1 - أن يَتَبَوّأ كُرسي الرَعِيَّةِ اسقفٌ واحدٌ فقط .
2 - لا يجوز إجراء رسامة الاسقف إلاّ على أيدي ثلاثة أساقفة ، وبتأييد مطران المُقاطعة .
3 - وجوبُ عَقدِ اجتماع للمطارنة والأساقفة برعاية الجاثاليق في ساليق كُلَّ سنتَين مَرة واحدة للتشاور ودِراسة الأوضاع الكنسية .
4 - توحيد الصلوات الطقسية في كافة الكنائس طِبقاً للنظام المُتَّبَع في كنيسة المدائن .
5 - توحيد أعيادِ الميلاد والدنح والقيامة في جميع الكنائس .
6 - عَدَم جَواز تقديم الذبيحة الإلهية في البيوت . بل أن تُقامَ على مذبح واحد في كُلِّ مكان .
7 - توحيد الصوم في الكنائس كُلِّها .
8 - الجاثاليق هو الرئيس الأعلى لجميع المطارنة والأساقفة ( البطريرك لاحقاً ) .
9 - يتوَلَّى اسقف كُشكُر مَنصبَ مُعاونِ الجاثاليق ، وفي حالة وفاة الجاثاليق يقوم بتدبير كُرسي الجَثلقة لحين انتخاب جاثاليق جديد .
10 - تحديدُ الكراسي الميطرابوليطية بخمسة كراسي وكالتالي : -
أ - كُرسي أبرشية بيث لاباط : ويرتبطُ بِسُلطتِه أساقفة < هرمزدأرداشير ، شوشتَر ، شوشان ، وكرخ ليبان .
ب - كُرسي نصيبيـــبين : وتشمُل سُطتُه أساقفة < أرَزون ، قردو ، بيث زَبداي ، بيث رَحيماي ، وبيث مكساي .
ج - كُرسي براث ميشان : وينضوي تحتَ سُلطتِه أساقفة < كرخ ميشان ، نهركور ، وريما .
د - كُرسي أبرشية أربيل : ويخضع لرئاستِه أساقفة < بيث نوهدرا ، بيث بَغّاش ، داسان ، رامونين ، بيث مهرقرد ، ودَبرينوس .
هـ - كُرسي أبرشية بيث كَرماي : تقتصِر سُلطتُه على أساقفة < شهرقرد ، لاشوم ، أريون ، دارح ، وحَربات كِلال .
ورغم قصر مدة المجمع على ما يبدو ، إلاَّ أنَّ نتائجَه كانت هامة وايجابية لكنيسة المشرق ، وبعد اختتام دورة المجمع إصطحَبَ الجاثاليقُ مار اسحق الأسقفَ مار ماروثا وتَوَجَّها الى القصر الملكي لِمُقابلة الملك يزدجرد ، حيث عَرَضا عليه القراراتِ التي أقَرَّها المَجمَع ، فَسُرَّ الملكُ بها ، وتأكيداً لِسرورِه أوفَدَ إثنَين مِن أعظم مُساعديه هما وزيرُه الأول ورئيسُ جَيشِه لإيصال رسالتِه الى آباء المَجمَع ، فتَحَدَّثا إليهم قائلين: ( لقد كُنتم قبل الآن مُضطهَدين ، تُمارسون طقوسَ ديانتكم سِرّاً وخائفين ، أما الآن فقد وَجَدتُّم حُظوة لدى ملكِ الملوك ، فجعَلَكم أحراراً بِما تعبدون بدون خوفٍ آمنين ، كما ثَبَّتَ لكم اسحقَ رئيساً أعلى على كافة نصارى المشرق ، عليكم تقديم الطاعةِ لإسحق الجاثاليق ولِمار ماروثا اسقفِ ميافَرقين ، والمُخالفُ لأوامِرهما يتعَرَّضُ لعقابٍ أليم . )
ببهجةٍ غامرة حَيَّ الشعبُ المسيحي آباء المجمع على النتائج الإيجابية التي أسفر عنها مَجمعُهم ، وبفرحٍ ودَّع الأساقفة العائدين الى كراسيهم ، حيث عاد كُلٌّ منهم الى كُرسيِّه ليُبَشِّرَ مؤمنيه ويُطلعهم على قرارات المجمع والمُباشرة على تنفيذها . إبتهج المسيحيون ورفعوا الشكر والتمجيد لله الذي وضع في قلب يزدجرد الحنوَّ عليهم ، فها إنَّ مسيحيتهم التي كانت بالأمس مُضطهدة أصبحت اليوم ديانة إعترفَ بوجودها ملك الملوك وبكونِها ديانة شرعية ضمن نطاق المملكة الفارسية ، ولها كنيسة مُنظمة يرأَسُها جاثاليق ( رئيس أعلى ) تنضوي تحت رئاستِه مُقاطعاتٌ كبيرة ، واعتمدت ايمان مجمع نيقية الركيزة الأساسية لوحدة المُعتقد في الشرق والغرب .
لقد عزل المجمع ورشق بالحرم بعض الأساقفة الذين لم ينصاعوا لمُقرَّراته ومِنهم باطي اسقف مشمهغ أو ( سماهيج ) وهي جزيرة خليجية بين البحرين وعُمان كما يذكر شابو في ( المجامع الشرقية ص 677 ) . وفي مُقاطعة الشوش تشبَّثَ بعض الأساقفة بموقفٍ رافض لسُلطة كُرسي ساليق كأغابيطس ، يزيداد ، برشبثا ، ماري ، وشيلا ، لم يُعزل هؤلاء أو يُحرموا بل تُركوا في مناصبِهم ، ولكنَّ حَقَّ الرسامات حُظِرَ عليهم ، كما أنَّ تعيين خلفٍ لأيٍّ منهم بعد موتِه هو مِن صلاحيات الجاثاليق .
وباعتماد مجمع مار اسحق قوانين مجمع نيقية التي مِن ضمنها قانون الإيمان الذي أقرَّه ثلاثمائة وثمانية عشر اسقفاً ، يُعتبر المجمع الأول لكنيسة المشرق مِن حيث الأهمية ، إذ مِن خلالها شَرَّعَ واحداً وعشرين قانوناً ، إستطاع بواسطتِها تنظيمَ علاقاتِ المؤمنين برُعاتِـهم على اخـتلاف رُتـَبـِهم وعـلاقات هؤلاء الرُعاة براعـيهم الأعلى جاثاليق المشرق . لقد نشر الأب حنا شابو هذه القوانين مع ترجمتِها الفرنسية عام 1902 في باريس .
الشماس كـوركـيس مردو
في 5 / 12 / 2009