هـل إستهدافُ مسيحيـِّي الموصل لـُغـز ٌمُحيِّـرٌ أم مُخـطــَّطــٌ مَـدروسٌ ؟
لـقـد تصاعـدت مـوجة استهداف المسيحيين في الموصـل في الآونـة الأخـيرة ، فتعـرَّضَ الكثيـرُ مِـنهم الى القـتـل والـخـطـف بالإضافـة الى أعمال التفجير التي طالـت كنائسَهم ومنازلَ البعض منهم ، مِـما حـدا بالناس أن تـتـساءَل عن سبـبِ تـكـَرُّر هذه الظاهـرة العِـدائـية وبين كُـلِّ فتـرةٍ وأخـرى ، وتضاربـَت الآراءُ بشأن تـداعـياتـها وتـبايَـنـَت التـفسيراتُ حـول أهـدافِ الـواقـفـين وراءَها ، وتـَزاخـمَ العـديـدُ مِن علامات استفهام كبيرة في أذهان هؤلاء المُتجَـنَّى عليهم ظـلماً ، لماذا نحن المسيحيون سكان الموصـل الأصليون بالذات مُسَلـَّطــٌ علينا سيـفُ الإرهاب ؟ ما الذي جَـنـَيناه أوجناهُ مُجـمَل مسيحيي العراق لكي نـُستهـدفَ بهذا الشكل الوحشي اللاإنساني ؟ لماذا يُـجـعَـلُ مِِـنا كـبشَ فِـداءٍ للصـراع الدائـر بين العـرب والأكـراد حـول بعـض المناطـق التي تـوصَـفُ بالمتـنازع عليها ؟ أليس المسيحـيـون بعـيـديـن عن هـذا الصـراع ؟ وهل بَـدُرَ منهم انحـياز ٌ الى جانـب أحـدِ الطـرفــَين ؟ لماذا إذاً تـجري محاولاتٌ لحشرنا بهـذا النـزاع ؟
وفي حـوار أجراه موقعُ عنكاوا الإلكتروني بتاريخ 21 /1 /2010 مع محافظ الموصـل السيـد أثيل النجـيـفي حـول استهـداف مسيحيي الموصل قال المحافظ : " ولتحقيـق حماية فعلية للمسيحييـن عـليهم ان يكونوا أكثرَ قرباً من الحكومة " أليس هذا الكلامُ غـمزاً مُبـطـَّـناً يُستـَشَـفُّ مِنه إتهامٌ للمسيحيين بأن ولاءَهم للحكومة هو أقـلُّ من ارتباطـهم بالأجنبي ! وفي الحقيقة هذا اعتقادٌ خاطيء جـداً لا أساس له من الصحة ، فالمسيحيُّ أكثر وطنية ً وأشـدُّ إخلاصاً لـوطنـه مِن أيِّ مـواطـن آخـر بحكم طاعـته لدينـه الذي يأمـره بذلك ، وهذا ما يجـلـبُ له الأذى أكثرَ من غيره ، وها هـو الواقعُ الراهنُ شاهدٌ على ذلك ، ثمَّ هل يستطـيع السيد المحافظ أن يُبرهن على بعد المسيحيين عن الحكومة ؟ يا لـيـتـَه أرشـدنا الى ما قـد غـفـلـنا عَـنـه !
وضمن جـوابٍ لسؤال آخـر يقـول المحافظ :" لا شكَّ أن وضعَ المسيحيين ضمن دائرة صراع القـوى السياسية سيـضر بهم وعليهم أن يعـتـزلوا جـميع المتصارعين " أليس هـذا تهـديـداً صريـحاً من المحافظـ يُـطالـب المسيحيين بالإبتعاد عن السياسة وإلا سينالهم الضرر ، أليس الضرر الذي يقصـده ، الإرهابَ الهمجي الذي يطالُ المسيحيين المسالمين ؟ ومتى وقـفَ المسيحيـون الى جانـب أيٍّ من الأطـراف المتصارعـة ؟. لم يكن السيد المحافظ بتحليلـه للأحـداث صريحاً ولا واقـعـياً ، حاول الـتهـرُّبَ مِن مسؤوليـته الرسميـة التي تفـرضُ عليه حماية َالشعب وليس إلقاء الـلـوم على جـهـةٍ اخـرى وبـدون أن يكـون لـه الشجاعة لـلبـوح باسم تلك الجهة المسؤولة عن استهـداف المسيحيـييـن رغم إدِّعائـه بامتـلاك الـبـراهـيـن والأدلـَّة ، ألا يعني عدم الكشف ، أنـّه وضعَ ذاتـَه كجـزءٍ من المشكلة ويُحاول تسييسَها . إنَّ ما يحصل الآن ضـدَّ امسيحيي الموصـل من استهداف يـدخـل ضمن مخـطـَّطـ مشترك محلي واقـليمي ودولي ، وعلى الحكـومتـيـن المحلية والمركـزية التـنـَبـُّهَ له قـبـل فـوات الأوان وعـدم إعطاء الفـرصة لتـُتـَّهما بعـدم قـدرتهما على حمايتهم ، ومن ثـمَّ يجري تأجـيـجُ مشاعـر العالَم المسيحي تجاهَ مسيحيي العـراق الى حـد المطالبة بالتدخـل الدولي لحمايتهم ، وليس من المستبعـد أن تـَهـُبَّ حكومة اقليم كردستان لحمايتهم وبذلك تكسب وقـوفـهم الى جانبها عند إجراء الإستـفـتاء على المناطـق المتـنازع عليها بين عـرب الموصل والأكراد . إذاً ليس من صالح أهل الموصل وحكومتهم أن يسمحـوا باستهـداف المسيحيين بل عـليهم العمـل على كسب دعمهـم ، وبذلك يـَـقـطعـون دابـرَ التشهير بعجـز الحكومة عن تـوفير الحماية لهم .
هل من الإنصاف يا سيادة المحافظ أن يكونَ المسيحيون ضحية َ الصراع العـربي الكُـردي دون أن يكونَ لهم فيه لا ناقة ولا جـمـل ، لماذا لا يُحاورُ العربُ الأكـرادَ لحسم نـقاط الخـلاف القائم بـينهما ! إن الإعـتداء الواقعَ على المسيحيين هو حاصلٌ في منطقـة الموصـل وليس في منطقة كردستان ، وإذا كنتم تـوجـهون أصابـع الإتهام الى الأكـراد ، ولـديكم الـوثائـق فلماذا التـردُّد في كشف الحقائق ،وإذا كانت حـجـتكم الخـوفَ من التقاطـع الشامل كما تقـولـون فهي حُـجـة ٌ واهية لا تنطلي على أحـد . إنَّ قـراءَتـَنا لمسار الأحـداث في منطقة الموصـل منذ بـدايتها قبل سنتين ضـدَّ المسيحيين تُـثـبـت لنا ، بأن الذين قاموا بقتل وخطـف وتهـديد وتهجير المسيحيـين كانوا أتباعَ تـنظـيم القاعـدة القادميـن من الـيمن والسعـودية وسوريا وأفغـانستان وكردستان ( تنظـيم أنصار السنة ) ومناصريهم من المسلمين السلفيين المتشدِّدين الذين قد أعماهم التـعـصـُّبُ الديني المقيـت . هـل هذا لـغـز ٌ مُـحيـِّر ! كلا بـل إنـَّه مُـخـطـطـ ٌ مـدروس بـدقـة .
لقـد إخـتـلـَّت كافـة المـوازين في وقـتـنا هذا ، فـقيام بعض الجهات بأعمال إجرامية ثـمَّ إتهام الآخـرين بها أصبحتْ عادة ً مألـوفـة ، ولا يقتصر ذلك على المحترفين بل يشملُ الحـزبيين والسياسيين والحكام وغيرهم . نـَرجـو أن تـُراجعـوا حساباتكم يا سيادة المحافظـ بعـدم الإستهانة بالمسيحيين وأن تبادروا الى تـوطيـد علاقاتكم بهم ، فهم العنصرُ الأخلـصُ للـوطن ولا تـدعـوا الشائعات من أن تـُزعـزعَ ثـقـتكم بهم ، وليس بخافٍ عليكم بأن الكلدان يُشكلـون الغالبية العظمى من المسيحيين حيث تـتجاوز نسبتُهم 80 % من المجموع الكُـلي للمسيحيين ، وهم يريـدون العيش المشترك تحـت خيمة العراق الـواحـد التعـدُّدي الديمفـراطي الحـُر ، ويطـمحـون للتمتع بكافـة حقـوقـهم الـوطـنية المشروعة التي يكفـلها لـهم الدستـور ، ومما لـفــتَ انـتباهي بأن عـلاقـتكم السياسية مقـتصرة على مـا تـُدعى بالحركة الآشورية التي تُمثـل أصغر مكـون من المكونات المسيحية ، ولا عـلمَ لكم ولا أيَّ تماس بالحزبَـيـن الكـلدانـيَيـن الكبيـرَين الحـزب الديمقراطي الكلداني والمجلس القـومي الكـلداني ، هل يليـق ذلك بمحافظـ أكبر ثالث محافظـةٍ عـراقية ؟
الشماس كوركيس مردو
في 29 / 1 / 2010