أضواء على مقال الدكتور عبدالله مرقس رابي «
في: 22:01 15/01/2017 »
أضواء على مقال الدكتور عبدالله مرقس رابي وعنوانها " أنسحاب الكنيسة الكلدانية من مجلس رؤساء الطوائف المسيحية/ رؤية وتحليل:
نريد بطريركا بحجم التحديات التي تواجه مستقبل مؤمني كنيسة المشرق داخل الوطنأوشـــانا نيســـان "إن الناس في الحكمة رجلان، رجل أتقنها بقوله وضيعها بسوء فعله، ورجل أتقنها بقوله وصدقها بفعله، وشتان بينهما !فطوبي للعلماء بالفعل وويل للعلماء بالقول"، من أقوال سيدنا المسيح. بهذا القول يمكن لنا تسليط الضوء على خلفيات قرارأنسحاب بطريرك الكنيسة الكلدانية من مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في الشرق. رغم أن نظرتي للمجلس المسيحي الذي تأسس قبل ما يقارب من ست سنوات، قد تختلف عن نظرة الكثيرمن المحللين والباحثين الاكاديمين وفي طليعتهم الدكتور عبدالله مرقس رابي. في وقت اعترف فيه انني شخصيا من متابعي الاراء البناءة والطروحات المتنوعة التي ينشرها الدكتورعبدالله على المواقع الاليكترونية، لانه فعلا باحث مقتدر ومتضلع في كل ما يكتبه ويحاول نشره باسلوب اكاديمي قلما تستطيع الايام محوها.
الهدف من المجلس المذكور كما ورد في البيان طبقا لما جاء في مقال الدكتور عبدالله مرقس رابي هو" توحيد الراي والموقف والقرار بين كنائس العراق وترشيد علاقاتها مع الدولة من اجل أزدهار وتقرير الحضور المسيحي وتفعيل التعاون والعمل المشترك دون التدخل في خصوصية الكنائس أو الكيانات الخاصة لاية منها). الامر الذي يحثنا على البحث بين شغف واصرار البعض واقول البعض من رجالات ديننا المسيحي في حشر الكنيسة في أتون السياسة رغم معرفة الجميع أنه، أن الاوان على فصل الدين عن السياسة ورفض تدخل رجالات الدين في الشؤون السياسية لا لاعتبارات عدم الاطلاع أو ما شابه بل في سبيل وقف توظيف الدين المسيحي النزيه وحشره في خدمة السياسة. لذلك أستغرب عن طرح الدكتور في نهاية المقال بقوله وجوب اقحام العلمانيين الى المجلس المسيحي من خلال قوله " افتقار مجلسكم ( يقصد الجلس المسيحي) الى وجود العلمانيين فيه مؤشر أخر الى تمتعكم بالصيغ الادارية التقليدية في التعامل فجميعكم تنادون من منابر الكنيسة ان الكنيسة هي انتم اي المؤمنين وليست كومة الحجارة ،فتبقى اعمالكم مشلولة طالما لم يكن للعلمانيين مشاركة في صنع القرار وادارة الكنيسة .واتمنى أيضا من البطريركية الكلدانية أضافة فقرة لمشاركة العلمانيين في مسودتها للنظام الداخلي التي اقترحتها في بيانها وشكرا".
أما ما يتعلق بالمكانة المعروفة لغبطة البطريرك كما يكتب الدكتور رابي ويقول:
ترى الوفود من الرؤساء والوزراء والسفراء والمنظمات الانسانية ورجال الدين والشيوخ وكافة المسؤولين بمختلف مراتبهم يتوافدون يومياً للالتقاء به ولا يخلو يوما للبطريركية الكلدانية ولها زوار من خارج العراق وداخله وعلى جميع المستويات ،ألم يسأل أعضاء المجلس أنفسهم لماذا هذا التقاطر والزخم من التوافد الى البطريك ساكو وقلما نرى زيارة للرؤساء الاخرين مع شدة احترامي لهم وهذا هو الواقع ؟ الكلام صحيح ونؤيده من دون أدنى شك، ولكن اليس من حقنا ونحن أبناء الشعب الكلداني السرياني الاشوري وأبناء الله بالإيمان بيسوع المسيح، أن نستفسرمن غبطة أبينا البطريرك مار ساكو حول الاسباب الحقيقية وراء التريث في زيارة الكنائس الاخرى الشقيقة والمجاورة للكنائس الكلدانية في العراق، بهدف تفعيل الحوار والتقارب والوحدة بين كنائسنا قبل البحث عن الوحدة خارج العراق!! لآن شعبنا وكنائسنا بالدرجة الاولى بحاجة الى شخصية كاريزمية ومؤثرة بحجم شخصية غبطة البطريرك في سبيل تحريك الجمود المهيمن على دعوات الوحدة والتقارب بين جميع شرائح شعبنا الكلداني السرياني الاشوري. ولكن حجم التحديات المهيمنة على وجود ومستقبل أبناء شعبنا داخل الوطن، تتطلب من الجميع وتحديدا زعماء كنائسنا وقياداتنا الحزبية ان لا يبخلوا على أبناء شعبهم ولو ببضع كلمات التشجيع أو حتى بدعاء. اذ الملاحظ في بيان البطريركية الكلدانية حول تحرير الموصل وبلدات سهل نينوى بتاريخ 19 أكتوبر 2016، انه يخلو تماما من اي أشارة الى قوات شعبنا العسكرية لا من قريب ولا من بعيد كما جا فيه:
" اننا نوجه تحية افتخار الى جميع قواتنا الباسلة المشتركة في تحرير الموصل وبلدات سهل نينوى من الجيش والشرطة الاتحادية والبيشمركة والحشد الشعبي والوطني وقوات التحالف، اننا نؤكد وقوفنا معهم في هذه المهمة النبيلة والصعبة بصلاتنا ليحميهم الرب القدير ويحفظهم".
هذا بقدر ما يتعلق الامر ببعض النقاط التي دونها الدكتورمرقس مشكورا، أما ما يتعلق بالاسباب الحقيقية وراء قرار أنسحاب غبطة بطريرك الكنيسة الكلدانية من مجلس رؤساء الطوائف المسيحية، فان الضرورة تتطلب قراءة جوهر القرار من خلال منظور الدين المسيحي وتعاليمه السمحاء كالاتي:
أولا: طلبت البطريركية ان تكون رئاسة المجلس لبطريرك الكلدان بسبب عدد الأساقفة الكلدان وعدد مؤمنيهم كما هو معمول به في مصر والأردن، طبقا لما جاء في نص القرار المنشور على الموقع الرسمي لبطريركية بابل للكلدان، لذلك قررغبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الانسحاب من المجلس.
صحيح أن وجود غبطة البطريرك في قمة الهرم ضروري، بعدما تحول غبطته كما يذكر الدكتور الى " شخصية معروفة عالمياً وأقليمياً ومحلياً وهو موضع تقدير واحترام من الجميع ،يتميز بقدرته لبناء علاقات مع الجميع "، ولكن مجرد وجود غبطة البطريرك ضمن الهيئة الادارية لذلك المجلس كان ضروريا باعتقادي، فيما لو كانت النية تعزيز روح الوحدة المسيحية بين كنائسنا الثلاثة في العراق. ولربما كان يفلح البطريرك في تحقيق مضمون المسودة المقترحة من قبل كنيسته، وتبديل أسم المجلس الى " مجلس كنائس العراق"، وحصر العضوية ضمن الهيئة التنفيذية للمجلس لرؤساء الكنائس العراقية ممثلة بالبطاركة الثلاث وممثلي البطاركة الاخرين الذي يقيمون في دول اخرى، كما جاء في المقال. لان الوحدة بين الكنائس الثلاث من شأنها أن تحقق الحلم القومي الذي فشلت جميع أحزابنا السياسية وقياداتنا الحزبية في تحقيقه حتى اليوم.
ثانيا: ان تبرير قرارالانسحاب من المجلس المسيحي بسبب الثقل الديمغرافي للكنيسة الكلدانية وبدواعي أن الكلدان هم الاكثرية، فان التبرير هذا هومجرد تبريرسياسي وعلماني بحت، عكس روح التواضع الذي يطلبه الرب فينا بقوله " تَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ اللهِ الْقَوِيَّةِ لِكَيْ يَرْفَعَكُمْ فِي حِينِهِ" (رسالة بطرس الرسول الأولى 5: 6). ويضيف الدكتور... معروف للجميع أن مؤمني الكنيسة الكلدانية هي أكثر عدداً من غيرها وربما قد يفوق عدد مؤمني الكنائس الاخرى مجتمعة أو مساوِ لها . وهذا الثقل الديمغرافي يمنح لها مكانة من بين الكنائس الاخرى وهذا هو واقع الحال .فكيف سيكون ممثل لكنيسة لا يعدو عدد اتباعها العشرات ليرأس المجلس وفي عضويته كنيسة عدد اتباعها عشرات او مئات الالاف؟مسالة غريبة!!
ليست غريبة يا سيدي الدكتور، لان العمل الصالح في الدين المسيحي لا يقاس بالعدد ولا حتى بالحجم وانما يقاس بمدى صدقه واستمراريته في الاخلاص لقول سيدنا المسيح " إِذا فَعَلتُم جميعَ ما أُمِرتُم بِه فقولوا: نَحنُ خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم، وما كانَ يَجِبُ علَينا أَن نَفعَلَه فَعَلْناه " (لوقا 17: 10).
ثالثا: تقتضي الضرورة الاعتراف باعتباري شاهدا من قلب الاحداث، أن الكنيسة الكلدانية قدمت ولايزال تقدم الكثير للمسيحين النازحين من المدن والقصبات التي تعرضت للاحتلال الدموي البشع من قبل مجرمي ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام" داعش" في سهل نينوى منذ 6 حزيران 2014. ولكن يجب الاعتراف أيضا ان جميع كنائس شعبنا الكلداني السرياني الاشوري فتحت أبوابها على مصراعيها أمام موجات النازحين والمتوجهين صوب المدن والقرى التي يسكنها المسيحين بغض النظر عن المذاهب أو الكنائس التي استقبلتهم بحفاوة منقطعة النظير. رغم الفرق بين الامكانيات الهائلة للكنيسة الكلدانية بسبب الدعم الذي تتلقاه بانتظام من الكاثوليكية العالمية والمنظمات الخيرية التابعة لها في جميع بلدان العالم. لذلك ليس من العدل أن نقول" ان الكلدان أستقبلوا الاخوة من اتباع الكنائس المنضمة الى المجلس في بيوتهم وفتحوا كنائسهم لهم في اقليم كوردستان للتخفيف عن معاناتهم وابنائهم في دول الانتشار تبرعوا لمساعدتهم ولا يزال، والبطريرك ساكو يتحدث عن جميع المسيحيين في لقاءاته.فالكلدان لم يقصروا ابدا تجاه اخوتهم من المسيحيين في العراق". أذ على سبيل المثال لا الحصر استقبلت أبعد الكنائس الاشورية في كل من ناحية ديانا وقصبة هاوديان بالاضافة الى كنيسة يوخنا المعمدان في عنكاوا، استقبلت المئات من العوائل النازحة من سهل نينوى رغم قلة الامكانيات المتاحة لساكني تلك المنطقة وغياب الدعم الدولي لها لبضعة اشهر.