بين أنبياء الشؤم وتفاؤل العارفين «
في: 13.03.2018 في 05:10 »
بين أنبياء الشؤم وتفاؤل العارفين
المطران د. يوسف توما
لقد أصبحت وسائل الاتصال في العالم تشبه ما كانت عليه سوق عكاظ في الماضي أو سوق مريدي في بغداد اليوم، الكل يشارك ويتكلم أو يكتب أو يقدّم ما لديه ويدلو بدلوه من دون العودة الى المصادر الموثوقة واعتماد الدقة.... ولا يذكر التاريخ سوى بعض ما نجح وبرز وحفظ (كالمعلقات)، لأن الورق ومواد الحفظ كانت غالية ونادرة، فضاع أغلبها.
أما اليوم وبسبب كثرة المساحة القادرة على حفظ المعطيات، لم تعد الناس تخاف لا على ورق أو على حبر أو على شرائط أفلام، أو أجهزة خزن معلومات، فنزلت الأخبار الملفقة والتقليعات والأدبيات التي لا تتجاوز الانفعالات. الكل يريد أن يوصل صوته وتحليله وأفكاره! فهجم علينا كمّ هائل من الإذاعات والقنوات الفضائية وامتلأت الشبكة العنكبوتية بمواقع لا تعدّ من المحللين والمفكرين الذين لا يختلفون عن شخصية ذكرها باسيل عكولا في كتابه "يوميات غجري لا يجيد الرقص"، من أهل قريته برطلة، كان ذلك الرجل المسن يتحدث عن السياسة مع زميله في يوم حر قائض سمعه يقول: "يا أخي، أنا لا أفهم إذا كانت بريطانيا وإنكلترا قد دخلتا في حرب مع بعضهما، لكن ما شأن الإنكليز بينهما؟!".
لقد ذهب زمن الاختصاص وجاء آخر نسمع فيه العجب العجاب من مقالات تنزل بلا مصادر ولا تتحقق من الأرقام التي تنزلها والتأكيدات التي تفترضها، وكلما كانت مقولته مهزوزة جاء التأكيد قويا، كأنه صراخ من يريد فرض رأيه عليك. هكذا أصبحت المعرفة نسبيّة وصارت الحقائق والأكاذيب مختلطة، فتسمم الكل وضاعت المعرفة الحقيقية.
من وقت لآخر يطالعنا هذا وذاك من المتحذلقين الذين يريدون خيرنا ويحللون ما يحدث في بلادنا، خصوصا من الصحفيين الغربيين المستعجلين الذين يأتون ليقضوا بضع ساعات هنا وهناك، يسجلون كل ما يقال وما لا يقال، ويعودون إلى بلادهم ليدبّجوا صفحات على وسائل إعلامهم الورقية أو الرقمية. ونأتي نحن لنترجمها ونقدّمها من دون تمحيص لقرائنا، فهذا يقول إنه لم يبق في العراق سوى بضع آلاف من المسيحيين: 80000 أو 100000 او 400000 الخ، من دون ان تكون له إحصائية دقيقة! وآخر بأن المخطط هو كذا، وأن الذنب يقع على الغربيين عندما لا يقبلون بالهجرة الجماعية المطلوبة، وثالث يدعي أن الكنيسة هي التي تمنع هذه الهجرة لأسباب مصالح وغيرها...
إن أسلوب أمثال هؤلاء يذكرني بالأب توما كوسماو، أحد الآباء الدومنيكان الفرنسيين الذي عاش في الموصل نصف قرن، وكان يقول ضاحكا خبرته مع الصحفيين الغربيين: "عندما يأتي صحفي من الغرب لثلاثة أيام يقضيها بيننا ويعود إلى بلده يكتب 30 صفحة عن سفرته وعن أحوالنا". وإذا ما بقي ذلك الصحفي شهرا عندنا، سوف لا يتمكن سوى من كتابة ثلاث صفحات. أما إذا عاش في هذا البلد ورأى أن الأمور أعقد بكثير مما كان يتصوّر، أوكد لك إنه لن يجرؤ على الكتابة قط، بل سيفضل الصمت!".
لقد قمت بإدارة عدد من الدراسات الجامعية في الغرب، ولاحظتُ أن أول شيء تضعه الجامعة أمام الباحث هو منعه من الاعتماد على الانترنت في كتابة أطروحته، لعدم جدية المصادر التي تطوف على سطح هذه الشبكة. بل بعض الجامعات تجعل الطالب يؤدي القسم بأنه لم يلجأ إلى تلك الشبكة بل اعتمد على الموثوق من الكتب فقط، وهذا ضرورة لازمة بأن يكون هنالك مكان غير ملوّث بالأكاذيب، وبما يجول من معلومات وأقاويل خاطئة ومحبطة مما يقدمه الكثير أنبياء الشؤم والمهددين بالويل والثبور وعظائم الأمور.
قبل مدة قرأت ما يأتي: "إذا كنت تشعر بعدم الأمان وانتابك فجأة شعور بأن البلاد أصبحت غير آمنة، خصوصا وأنك وأجدادك تعيشون فيها لآلاف السنين. إذا انتابك الإحساس بالإهانة في كل لحظة من الحياة. إذا كنتَ فجأة تخاف من حروب جديدة ومتغيّرات في الحدود والخريطة الجغرافية... إذا كنت فجأة بدأت تتلمس بأن التقوى لدى الآخرين هي خطر عليك... إذا كنتَ تعتقد أن الشباب في خطر محدق بسبب العنف وتعاطي المخدرات... ما عليك سوى فعل شيء واحد ... ابتعد عن وسائل الاعلام الاجتماعية ... لبضعة أيام. لا تشاهد الأخبار ... مارس الصوم عنها. ابتعد عن النقاشات حول الدين ... أخرج، وبمجرد إلقاء نظرة حولك على أصدقائك الذين ينتمون إلى طوائف وجماعات وأديان مختلفة ... سوف تجد أنك تعيش في واحد من أفضل البلدان في العالم!
كركوك 4-3-2018
الـوحـدة المسيـحـية هي تلك التي أرادها الرب يسوع المسيح (له المجد )
وما عـداها فـهي لـقاءات لأكل القوزي والتشريب والسمك المزگوف وترس البطون من غير فائدة
أقبح الأشياء أن يصبح كل شئ في الحياة جميل!!
@@@@
ولا تحدثني عن الحب فدعني أجربه بنفسي
@@@@
ليس بالضرورة ما أكتبه يعكس حياتي..الشخصية
هي في النهاية مجرد رؤيه لأفكاري..!!